هلاك فرعون تذكرة و عبرة

تهنئة بالعام الجديد:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه،

 

وبعد، فها هو عام جديد يحل على أمتنا، وهي لا تزال تجاهد في سبيل نيل حريتها وكرامتها، وتخوض معركتها البيضاء ضد قوى الباطل والبغي في الداخل والخارج، وإذ نتقدم فيه بالتهنئة للأمة بهذه المناسبة فإننا نسوق إليها البشرى بقرب طلوع فجر العزة والحرية الذي ينسلخ من ليل الظلم والاستبداد بإذن الله، ما دامت عزمة الإيمان تشتد وتمتد في أقطار نفوس شباب الأمة الأحرار الذين أدركوا رسالتهم وعرفوا طريقهم واتخذوا قرارهم النهائي باسترخاص أي ثمن يدفعونه لحريتهم وحرية أمتهم، خصوصا بعد ما رأوا الصمود المبهر لقائد الثورة وزعيم الأمة والرئيس الشرعي للبلاد، ونحن على يقين أننا على موعد مع النصر الكبير القريب إن شاء الله.

 

 

 

الصراع مع الباطل يحتاج لقوة روحية:

ومع ذكرى النصر العظيم الذي أيَّد الله به رسوله صلى الله عليه وسلم في الهجرة المباركة احتفت الأمة أيضًا بذكرى نجاة موسى عليه السلام والمؤمنين معه، وهلاك الطاغية المستكبر فرعون ومن تبعه في يوم عاشوراء، لتذكرنا بطبيعة وعاقبة الصراع بين الحق والباطل وبين الخير والشر في هذه الحياة، حتى يتذكر الناس دائمًا قصة نصر الله للحق على الباطل؛ لأن هذا الصراع ممتد متجدد، يحتاج إلى قوة نفسية وروحية عالية، وتحتاج الفئة التي تحمل الحق إلى تربية نفسية سامية على جهاد النفس والشهوات والأهواء والتسامي فوق متع الحياة، وحاجات النفس الطبيعية، لتستطيع الجهاد وتتمكن من النصر في معركة الصراع، أمام كل جائر ظالم!.

 

 

ونحن إذ نذكر جولة الصراع بين موسى وفرعون، لا بد أن نذكر أن بني إسرائيل نجحوا يوم أن نجح بهم موسى عليه السلام  في ميدان النفس، فلما سقطوا في نفس الميدان ضرب الله عليهم التيه، حين تركوا الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ولعنهم على لسان داود وعيسى بن مريم.

 

 

إن النفس الضعيفة لا يمكنها أن تثبت أمام الشدة، ولكن النفس القوية التي تستمر في عملية الترقية الروحية والعبادية، ولا تتخلف عن تحصيل أسباب القوة الروحية، هي بفضل الله النفس القادرة على أن تثبت أمام أي محنة، وعلى أن تصمد أمام أي شدة، وعلى أن تنتصر في أي معركة.

 

 

النصر للحق، وكل أزمة إلى انفراج بإذن الله:

 

إن مراجعة ما جرى لفرعون تذكير لنا بطبيعة هذا الصراع ونتائجه المحتومة، ففي بعض الأحيان تشتد الأزمة ﴿حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ﴾ فيأتي الجواب الإلهي الجازم: ﴿أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ (البقرة 214) وأي شدة أبلغ من أن يكون العدو خلف ظهرك، والبحر أمام ناظريك؟! ولا مجال للهرب من هنا أو من هناك؟!

 

 

صورة، ظن معها فرعون أن الأمور قد دانت له، وأن المعركة قد حُسمت لصالحه، حين قام رجال إعلامه الذين أرسلهم في المدائن حاشرين بإلهاب مشاعر الناس بشكل غير مسبوق، وإيهامهم أن موسى ومن معه سيفسدون في الأرض، فخرج معه مئات الألوف من الهمج الرعاع، من غير سؤال ولا تفكير، وظن بعض المؤمنين مع موسى عليه السلام أن قضيتهم قد كُتبت كلمة النهاية فيها، وأن رسالتهم قد قُضي عليها بالزوال فــ﴿قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾ (الشعراء 61) فذكرَّهم موسى عليه السلام وذكَّر الدنيا كلها بالحقيقة التي يجب أن يوقن بها المؤمنون ﴿قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ (الشعراء 62)

 

 

ليست المسألة بهذه الحسابات المادية البسيطة، وإن كان لا بد من الحساب! وليست بمظاهر القوة الخادعة، وإن كان لا بد أن توضع في الحسبان! إنما قضية الصراع بين الحق والباطل يقف على رأس صف أهل الحق فيها الحقُّ جل وعلا، الذي لا يُعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، والذي يقول للشيء كن فيكون، والذي يُحوِّل سبب الهلاك ليكون سرَّ النجاة، والذي يبدل مواقع حروف (المحنة) لتنقلب في الواقع إلى (المنحة) برحمته كيف شاء وبما شاء، ويتقدم فرعونُ قومَه فيتبعونه إلى الهلاك في الدنيا والآخرة ﴿يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ. وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ﴾ (هود 98- 99)

 

 

كل ذلك من غير أن تحصل مواجهة أصلا بين موسى وأصحابه وبين فرعون وجنوده!

 

حين نذكر قصة هلاك فرعون تطمئن قلوبنا بأن الله ناصر دينه، ولو كره الجاحدون، ولو تآمر المتآمرون، ولو اجتمعت عليه الدنيا بأسرها ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ (الأنفال30).

 

 

وصدق الله إذ يقول ﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾ (آل عمران 120).

 

حديث القرآن عن فرعون:

 

إن فرعون مثال ونموذج واضح للطغيان والانحراف عن الفطرة الإنسانية، الذي بلغ حد ادعاء الألوهية حين قال: ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾ (القصص 38) ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾ (النازعات 24). وحين نطالع آيات القرآن العظيم التي تناولت هذه الشخصية نرى أوصافه وأوصاف ملئه وأفعالهم خارجة عن الفطرة المستقيمة، وقد عملت أمم الأرض على محاربة الفرعونية، والتخلص منها عبر تاريخ البشرية الطويل نحو الحرية، وها هي أمتنا لا تزال تجاهد لتلحق بتلك الأمم التي ملكت زمام أمرها واعتزت بحريتها، وطوت صفحة الفراعين إلى غير رجعة.

 

 

وسأذكر من القرآن جملة من أوصاف فرعون ومن معه على سبيل الاختصار، لتعرف مقدار التشابه بينها وبين ما يتمتع به الانقلابيون الفاشيون، على النحو التالي:

 

1- العلو والإسراف والطغيان وتجاوز الحد: ﴿وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ﴾ (يونس 83) ﴿إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ﴾ (الدخان 31) ﴿إِنَّهُ طَغَى﴾ (طه 24، 43، النازعات 17) وهذا ما يمارسه الانقلابيون في كل تصرفاتهم، وحسبك الاعتقالات العشوائية للأشراف من كل فئات المجتمع بالآلاف.

 

 

2 – الغش والتدليس والإضلال لقومه: ﴿وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى﴾ (طه 79)، وهو ما يمارسه إعلام الانقلابيين على مدار الساعة في تصوير العدو صديقا والأخ الشقيق عدوا، ويقدم ذات العمل الذي كان يعتبره من الرئيس الشرعي معيبا على أنه عمل عظيم إذا صدر من قادة الانقلاب!.

 

 

3 – الاستكبار في الأرض بغير الحق: ﴿فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ﴾ (الأعراف 133، يونس 75) ﴿فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ﴾ (المؤمنون 46) ﴿وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ (القصص 39) ﴿فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ﴾ (العنكبوت 39)، وهو ما يمارسه الانقلابيون وشرطتهم والبلطجية التابعون لهم في المدن والقرى يوميًّا بعد أن طمأنهم (أو أوهمهم!) زعيمهم أنه لا حساب لمن يعتدي على الشعب.

 

 

4- التمييز العنيف ضد طائفة من الناس: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ﴾ (القصص 4)، وهذا عين ما يفعله الانقلابيون مع كل مَن يعارضهم، حتى جعلوا بزعمهم الكاذب الشعب شعبين، بل جعلوا- بجهلهم- الرب الواحد ربين، تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا، وقد تجاوز الانقلابيون فرعون في ذلك فقتلوا وسجنوا النساء والفتيات الحرائر أيضًا، وإن تعجَّب فعجب ما فعلوه مع الطلاب الذين اتهموهم بالتعدي على الأزهر من سرعة غير مسبوقة في إجراءات محاكمتهم، وقسوة غير مفهومة في الأحكام التي صدرت بحقهم.

 

 

5 – الإفساد في الأرض: ﴿إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ (القصص 4) ﴿الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ. فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ﴾ (الفجر 11- 12)، وقد سعى الانقلابيون لتحصين فسادهم بوضع القوانين التي تمنع محاسبتهم، بل قاموا بتضمين هذا التحصين في مشروع الدستور المزعوم!

 

 

6- ارتكاب الفظائع والخطايا: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ﴾ (القصص 8) ﴿وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ﴾ (الحاقة: 9)، وقد رأينا الآلاف الذين قتلهم الانقلابيون وحرقوهم بدم بارد، بل وقاموا بإخفاء المئات منهم.

 

 

7 – استخفاف قومه وطاعتهم له في ذلك: ﴿فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ﴾ (الزخرف 54)، وهو ما مارسه قائد الانقلاب حين دعا أتباعه لتفويضه في تدمير البلاد بدعوى محاربة الإرهاب.

 

 

8 – الظلم والجحود والإجرام: ﴿ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا﴾ (الأعراف 103) ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ (النمل 14) ﴿وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ﴾ (الأنفال 54) ﴿وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ﴾ (الأعراف 133، يونس 75)، وهل ترى ظلمًا وإجرامًا أبشع من اختطاف رئيس منتخب ونصب محاكمة هزلية له، وقتل الناس ثم محاكمتهم بزعم أنهم قتلوا أنفسهم وإخوانهم؟.

 

 

9 – الاغترار بالسلطة والقوة والمتاع: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ. أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ. فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ﴾ (الزخرف: 51 – 53)، وإن شئت فراجع خطاب قائد الانقلاب في عزل الرئيس الشرعي، وراجع تسريباته التي تتحدث عن الفكاكة، وأحاديثه التي تنضح بالغرور والجهل في آن واحد.

 

 

10 – الكذب وعدم الوفاء بالعهود: ﴿إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ﴾ (الأعراف: 135، الزخرف 50)، وهو ما فعله قائد الانقلاب حين حنث بيمين الولاء والقسم التي أقسم بها أمام الرئيس الشرعي علنا وعلى شاشات التلفاز. بل إنه وزمرته الانقلابيين لم يوفوا حتى الآن بشيء ولا بموعد مما قطعوه على أنفسهم فيما أسموه خارطة الطريق.

 

 

11 – الاستبداد بالرأي وتكميم الأفواه ورفض السماع لما يخالف هواه: ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾ (غافر: 29) ﴿فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ﴾ (يونس: 83) واسأل عن ذلك الإلغاء العبثي لكل نتائج الانتخابات والإهدار الفج لإرادة الملايين بجرة قلم، أو قل بجرة سلاح، واسأل عن ذلك أيضًا آلاف المعتقلين والمطاردين لمجرد أنهم لا يرددون ما يمليه قائد الانقلاب الفاشي، واسأل القنوات الفضائية التي أُغلقت والرقباء الحاضرين في كل وسائل الإعلام والمندوبين العسكريين الذين يوزعون الأخبار ويصوغون عناوينها للصحف والبرامج الفضائية الانقلابية التي أخليت لها الساحة تماما.

 

 

12 – تشويه المخالفين والسخرية من الحق: ﴿فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا﴾ (الإسراء: 101) ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ. إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ﴾ (غافر: 23، 24) ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ﴾ (الزخرف: 47)، وهل للإعلام الانقلابي شغل إلا تشويه المعارضين ووصفهم بالإرهاب في حين يصف البلطجية بالأهالي الشرفاء، وتعجب حين ترى دائما أن (الإرهابيين) هم من يسقط في صفوفهم القتلى والجرحى ولا تظهر في أيديهم أية أدوات للدفاع عن النفس أصلا، بينما (الأهالي الشرفاء!) يسيرون دائما يدا بيد مع أفراد ومركبات الشرطة والجيش، ولا يصيبهم ضر ولا أذى، ويتباهون أمام الشاشات بحمل الأسلحة الآلية بمختلف أنواعها!

 

 

13 – التهديد بالبطش بالمخالفين حتى من كان منهم من أتباعه قبل أن يظهر لهم الحق: ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُون. لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ (الأعراف: 123، 124)، وأنت ترى القضايا والملاحقات القضائية لكل من يراجع نفسه، أو يفكر في كشف حقيقة الخداع الذي تعرض له من الانقلابيين، وفي طرفة عين يتحول من كان وطنيا شريفا في إعلام الانقلاب إلى عميل خائن متآمر، وخلية نائمة للإرهاب.

 

 

14 – استباحة دماء المخالفين بزعم إفسادهم وطلب التفويض بقتلهم: ﴿وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ﴾ (الأعراف: 127) ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ﴾ (غافر: 26)، إنها السمة الأبرز لهذا الانقلاب الدموي الفاشي ولرموزه الذين لا يعرفون غير لغة القتل والتعذيب والسحل والاعتقال، ولا يجيد إعلامه غير التحريض والاستعداء ضد السلميين المخالفين في الرأي من أبناء الشعب.

 

 

15 – استخدام آلة إعلامية ضخمة في تشويه الحق وأصحابه والحديث زورا باسم الشعب بأجمعه: ﴿فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ. إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ. وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ. وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ﴾ (الشعراء: 53 – 56)، وأنت خبير وبصير بما يفعله إعلام الانقلاب المنافق الذي أخليت له الساحة لينعق بالدعوة إلى الخراب والدمار ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

 

 

أفلا يحق للبشرية التي استقامت فطرتها أن تفرح لهلاك من يتمتع بكل هذا الكم من الانحراف والفساد ومخالفة الفطرة البشرية؟ وكيف لا نفرح بهلاك فرعون ومن معه وقد فرحت بذلك السموات والأرض ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ﴾ (الدخان: 29)

 

 

والآن، أدعو كل منصف إلى النظر في هذه الأوصاف ومراجعة حال الانقلابيين وحال قادة الانقلاب اليوم؛ وباستثناء الكفر ودعوى الألوهية (فنحن نرفض التكفير بكل حزم وحسم) سيرى التطابق الكبير بين أوصاف وأفعال فرعون وملئه من جهة، وبين أوصاف وأفعال قادة الانقلاب والانقلابيين من الجهة الأخرى، وسيدرك أن الفرعونية لا تقف عند مجرد شخص ظهر في مرحلة من مراحل التاريخ البشري، ولكنها ظاهرة ممقوتة تبتلى بها البشرية من حين لآخر، ولهذا جعل الله فرعون وملأه عبرة ومثلاً لكل من جاء بعدهم ﴿فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ﴾ (الزخرف: 56)، فهل ينتظر الانقلابيون الفراعنة الجدد إلا مثل عاقبة الفرعون الأكبر؟ ﴿وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾ (هود 83).

 

 

وعينا الدرس ومستمرون في سلميتنا:

 

لقد وعى هذا الجيل الكريم من أبناء الأمة هذه الحقيقة واستوعبوا هذا الدرس، وأدركوا أن الله ناصرهم في قضيتهم العادلة التي يناضلون ويجاهدون في سبيلها بمنتهى السلمية، وهي قضية الحرية والكرامة والعزة في مواجهة الطغيان والفساد والانحراف، وصاروا أكثر استعدادا من أي وقت مضى لدفع ثمن هذه الحرية والعزة، من خلال نضالهم السلمي الذي أربك فراعنة وأذناب الانقلاب وحيَّرهم، وسنبقى مصرِّين على التمسك بالسلمية مهما كانت وحشية وضراوة الآلة الانقلابية، فسلميتنا أقوى من رصاصهم، وصمودنا سيهزم بإذن الله آلة بطشهم، وسنحافظ على ثورتنا البيضاء سلمية، وعلى أيدينا وألسنتنا طاهرة نقية من دماء وأعراض بني وطننا، مهما ولغت أيدي الانقلابيين وأذرعهم الإعلامية في دمائنا وأعراضنا، فكل إناء بما فيه ينضح، ولا يمكن أن ينزلق أصحاب الحق ودعاة العدل والحرية والمبادئ السامية إلى الدَّرك الذي هبط إليه الانقلابيون المستبدون الفاشيون الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد.

 

 

لهذا ننادي قومنا وإخواننا إلى النزول بقوة في فعاليات مناهضة وإسقاط الانقلاب في كل ميادين الثورة في أنحاء مصر، متمسكين بسلميتنا وعدالة قضيتنا، واثقين من عون الله لنا ونصره إيانا إن شاء الله. ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف 21)، وصل الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

اترك تعليقًا