الأمة تعني في لغة العرب الجماعة التي يجمعها، إما حالٌ أو وصفٌ من ملةٍ أودينٍ أولسانٍ أو زمانٍ أو مكانٍ واحد، سواء كان هذا الاجتماع اختياراً، أو تسخيراً. وقد جاءت الأمة في القرآن الكريم على أربعة معانٍ أولها، أن الأمة بمعنى الإمام الذي يتخذ أسوة وقدوة في الدين لاستقامته وصلاح عمله ..
وقد قال الله تعالى: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِين ) [النحل: 120] أي أنه كان إمامٌ يقتدى به،والأمة قد تكون بمعنى الجنس من الأجناس، حيث نجد أن الله عز وجل يقول: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَىْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ) [الأنعام: 38 ]. والمراد من أمم أمثالكم أي أنها جنسٌ من الأجناس مثللكم،وهذه الأجناس تكون أمتها بالتسخير، أي أن طريقتها هي ماهداها الله إليها مما سخرت له، والمعنى الثالث من معاني الأمة في القرآن الكريم أن الأمة قد تأتي بمعنى الزمن كما قال الله تعالى: (وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ) [يوسف: 45]. والمعنى الرابع للأمة هو أن الأمة قد تأتي بمعنى القوم الذين يجتمعون على دين أو ملة بصرف النظر عن أن هذا الدين ديناً سماوياً أووضعياً كما قال الله تعالى حكاية عن أهل الجاهلية: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ) [الزخرف: 23]. أي وجدناهم على ملة ودين، ولكن ماوجدوهم عليه لم يكن سوى عادات باطلة، وكان ديناً لايقوم على الهداية والرشد، وقد تكون الأمة هنا بمعنى الجماعة الذين يجتمعون على دين الحق كماقال تعالى: (وَ مِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) [الأعراف: 159]. وفي قوله: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أمة وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء: 92].
وهاتان الآياتان جاءتا في معرض الحديث عن دين الأنبياء والرسل، وهو الدين الذي بعث الله به الرسل والأنبياء وهو دين الإسلام. والأنبياء كما وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم (أبناء علات أمهاتهم شتى ودينهم واحد) فهو قد شبه الأنبياء وإتفاقهم على أصل الدين بالأبناء الذين ينحدرون من أب واحد، وشبه اختلافهم في الشرائع المناهج والتكاليف العملية بالأمهات الشتى، والعلة هي الضرة، ودينهم واحد أي أصل دينهم واحد،وهوالدعوة إلى التوحيد وإلى مكارم الأخلاق وأصول الفضائل، والنهي عن المحرمات، والدعوة إلى أصول الواجبات. والمقصود بالأمهات الشتى أن العبادات مثل الصلاة والصيام والزكاة وغيرها يقع الاختلاف فيها بين دين ودين وملة وملة، ولهذا قال تعالي: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً) [المائدة:48] وهذا في الفروع، ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يمثل الحلقة الأخيرة واللبنة النهائية في هذا الموكب من الرهط الكريم، من رسل الله وأنبيائه. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة؟ قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين). وهذا يشير إلى أن أمة الرسل والأنبياء أمة واحدة.أما في الشرائع فقد وقع الاختلاف، وإذا كان الله تعالى قد جمع الأنبياء والرسل في أمة واحدة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم مأمور بأن يقتدي بالرسل والأنبياء كما قال الله تعالى (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) [الأنعام: 90]. ونحن مأمورون بأن نقتدى بالنبي صلى الله عليه وسلم، لأن الله قد حاز له جميع الخصال وفضائل الخير التي تفرقت في الأنبياء والرسل، وقد جمعها له كلها على الوجه الأتم والأكمل، ولذلك نجد أن الله عز وجل أخذ على الرسل العهد والميثاق إن أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو حي أن يؤمنوا به وأن يتبعوه وأن يجاهدوا بين يديه (وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ) [آل عمران: 81]. فنحن قد أمرنا بأن نحي مفهوم الأمة الواحدة التي قامت على كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة، ونجد أن هناك معايير قامت عليها أمة الإسلام أولها معيار وحدة العقيدة (إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا) [طه: 98]
والأمر الثاني أنها قامت على وحدة الإيمان بالكتاب المنزل (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا) [الكهف:1] وأن هذا الكتاب مصدق لما بين يديه من الكتاب ومهيمن عليه وناسخ له، والأمر الثالث الإيمان بإلاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [سبأ: 28]. والاعتبار الرابع الذي تقوم عليه وحدة الأمة هو الإيمان بوحدة القبلة، التي يتجه إليها المسلمون جميعاً في مشارق الأرض ومغاربها عربها وعجمها، أميهم وعالمهم (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينَّك قبلة ترضاها فَوَلِّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولُّوا وجوهَكُم شطره) [البقرة:144]. والأمر الخامس الإيمان بوحدة القيم المطلقة التي جاء النبي صلى الله عليه وسلم بترسيخها في المجتمع الإسلامي فهو يقول: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) فوحدة العقيدة ووحدة الشريعة ووحدة المرجعية ووحدة القيم ووحدة القبلة ووحدة الهدف، والمصير المشترك مقومات يقوم عليها مفهوم الأمة الواحدة عند أمة الإسلام.