الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
لقد من الله علينا ان جعلنا من امة رسالته ومن علينا بالانتماء الى حركة حملت لواء دعوة رسوله صلى الله عليه وسلم، ضحت بالنفس والنفيس من اجل التمكين لدينه جاعلة الله غايتها والرسول قدوتها والقرآن دستورها والوطن الاكبر هدف وحدتها ايمانا بقوله تعالى في سورة الانبياء “ان هذه امتكم امة وانا ربكم فاعبدون آحده فهي امة الجسد الواحد، اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى وهذا هو الواقع آلذي تعيشه الامة فى مضت هذه الايام بتفاعلها الوجداني ووحدة الشعور.
ايها الاحبة
قد انقضت عشرمن شهر رمضان المبارك شهر القرآن والقيام والرحمة والمغفرة والعتق من النار، وسلامة الصدر، والعفو والصبر، وان الصالحين قد كانوا قسموا السنة قسمين: الاول في انتظار قدوم رمضان والثاني في التحسر على مغادرته وهذا هو الفرق الشاسع بيننا وبينهم في التعامل مع رمضان ومن هذه العشرة الماضية نحمد الله اليكم على الصيام والقيام ونسال الله علام الغيوب ان تكون الرحمة قد عمت حياتنا، شعرنا بها ام لم نشعر، وان الله بالناس لرحيم ولكن اكثر الناس لا يعلمون، وان تكون نفوسنا قد اسعدت لتسمو وتستفيد من ايام رمضان الباقية على الوجه الذي يمحو الخطايا، ويغفر الذنوب، ويحرك الضمائر في الخير، ويدفع نحو التضحية والصبر، والمجاهدة والثبات من اجل الدين والأمة والوطن .
ايها الاحبة
ان رمضان هو شهر تصفد فيه الشياطين، وتغلق ابواب النار، بالتزام المؤمنين الصيام ايمانا واحتسابا، وتفتح ابواب الجنان، وتضاعف فيه الاجور للعاملين، والحسنات للمحسنين فيه ليلة خير من الف شهر، يقبل فيه باغي الخير على نفع الناس، والإحسان اليهم، ويدبر فيه باغي الشر لان تجارته كاسدة، وسوقه مغلقة في بوار وانكسار، والعاقل من اكثر فيه من الخيرات، وتفنن في الدخول من ابوابها المتعددة، وقال حسنا، ووصل رحما، وأعان صاحب حاجة، وتفقد يتيما، وابر والديه، ودعا للمكروبين، واهتم بأمر المسلمين، وتسابق على الصف الاول دون تخطي الرقاب، وشغل نفسه بذكر الله في كل اوقاته، فمن كان مع الله كان الله معه، وهو القائل ان ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي فتكون خاتمة رمضان العتق من النار.
ايها الاحبة
لقد جاء رمضان سريعا وسيغادر سريعا في هذا العصر الذي اصبح من اهم خصائصه تقارب الزمان، ولذلك فالعبرة بالأعمال والانجازات والاحسان، ولقد من الله علينا بانجاز اعمال جليلة ملأت زمننا الماضي وترتب عليها يستمر البناء والانجاز ألي آن غاية اتمام المنهج والوفاء للرسالة التي اصبحت غير آمنة فى سربها، تكتنفها المحن ظاهرة وباطنة، وتتداعى عليها الأمم كما تتداعى الاكلة الى قصعتهم، وان ابراهيم عليه السلام انما امتدحه الله بالاتمام والوفاء اذ قال الله تعالى:
“واذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فأتمهن”سورة البقرة الآية 124
وقال تعالى:
“وابراهيم الذي وفى”سورة النجم الآية 37
وا ن في اعناقنا اليوم امانة عظيمة تتمثل في حماية المشروع بإتمام البناء، والوفاء للمنهج، وتوريث الرسالة صافية من الاخلاط، نقية من الشوائب الى الجيل الوارث وليس ذلك بالسهل الا على من سهله الله عليه.
ايها الاحبة
ان شهر رمضان هو شهر الفتوحات و الانتصارات من بدر الى الاندلس ومن معركة عين جالوت الى معركة العبور، ولعل الله يقطع اسباب القوة من الماديات ويحولها الى الروح والإرادة والصبر، والثبات والتضحية، وهذا هو الفهم الذي ينبغي ان نقرأ من خلاله الاحداث التي تحيط بالدعوة في هذه اللحظات العصيبة والتحولات المفصلية التي تمر بها الامة والتي لا ينفع فيها الا اليقين في قول الله تعالى:
“اذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا”سورة التوبة الآية 40
وقوله تعالى على لسان موسى عليه السلام لما قال قومه انا لمدركون “قال كلا ان معي ربي سيهدين” سورة الشعراء الآية 62
ذلك ان الامم التي كانت تقيم الحروب من اجل الديمقراطية، والأمم التي كانت تقيم الحروب ضد الديمقراطية، اجتمعت اليوم كلها ضد الاسلام لما ساد الاسلام ديمقراطيا وانحازت لبعضها وتداعت بالمال والسلاح والمواقف ضد رجل قال ربي الله، ورفض خيانة العهد الذي قطعه على امته، وحرص على ان يبر بالقسم الصادق، الذي اقسمه امام الله تعالى و رفض المساومة واعتقد جازما ان الله لن يخيبه، ولن يتره عمله، وتيقن واعتقد جازما ان الذين ينفقون الملايير للاطاحة بدولة الدعوة و اجهاض الدمقراطية في عهدها والاعتداء على الشرعية سيشملهم قوله تعالى: “فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون “ سورة الانفال الآية 36
ايها الاحبة
ان الاحداث الجارية في مصر اليوم تستهدف اعادة مصر الى الوراء عشرات السنين، وتحطم نسيجها الاجتماعي، وترهنها في الصراع الطائفي و الاثني و المذهبي والحروب الاهلية، والفقر والتخلف حتى تعيقها عن أي دور حضاري في الامة الاسلامية، التي آن اوان استيقاظها من السبات و عودة الوعي اليها بذاتها وهمتها وأخذها بزمام البشرية، نحو الامن والسلم والخير، وهو نفس ما حدث في الجزائر قبل سنوات اعادنا فيها الى الوراء عقودا من الزمن، لانزال نتخبط في آثارها ونتجرع مرارتها.
ولكن المستهدف من كل ذلك انما هو فلسطين والقضية الفلسطينية قضية الامة الاساسية وما زيارة وزير خارجية امريكا الى فلسطين المحتلة الماراطونية المتكررة اكثر من ست مرات في هذه الايام القلائل الا نذير شؤم في العمل على اغتيال جديد لفلسطين الشهيدة التي لا تموت واغتناما لفرصة انشغال الامة بهمومها الداخلية ، وما عملية هدم الانفاق الممونة لغزة بالأكل والدواء و الحاجات الضرورية في ظل الحصار الصهيوني العربي، وما غلق رفح في وجه اهل غزة الا محاولة اخرى للابادة الجماعية وكسر ارادة الصمود و التحرير بالترويع والتجويع للتركيع وهل اتم الانقلابيون اهدافهم من الانقلاب ليتفرغوا للحرب على فلسطين كلا، ولكنهم جاءوا اولا لهذا الغرض، لانه كان من الصعب ضرب القضية الفلسطينية في الوضع السابق للانقلاب في مصر، خصوصا بعد الجهود المحمودة للفصائل الفلسطينية في تفعيل ملف المصالحة الفلسطينية التي اغضبت الصهاينة كما اغضبت يهود المدينة اخوة الاوس والخزرج، ولذلك يشن الاعلام الانقلابي المأجور حملة شعواء ماجورة على كل ما هو فلسطيني وبالخصوص ما هو غزاوي محاولة للوقيعة بين الشعب الفلسطيني والشعب المصري، فكانت الاعتصامات السلمية والاصرار على اعادة الشرعية المغتصبة والايمان العميق بالقضية صخرة في وجه المؤامرة العالمية.
ايها الاحبة
اننا في شهر القرآن ومن القرآن نستلهم رؤية المستقبل المبشرة بالخير
قال تعالى: وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم
قال تعالى:
” الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم “سورة آل عمران الآية 173-174
قال تعالى
“واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون”سورة الانفال الآية 26
قال سبحانه:
“إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون”سورة الانفال الآية 36
قال تعالى
“يريدون أن يطفؤوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون”سورة التوبة الآية 32-33
قال تعالى
“ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين * فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين * ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين “سورة المائدة الآية 51-52-53
وان هذه الايات ومثيلاتها من المبشرات بالخير والنصر والتوفيق تضعنا امام الثقة في نصر الله القائل “ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين”ولكن القرآن يوجهنا الى اعمال تتناسب مع هذه المبشرات
1 – الولاء الصادق لله ورسوله والمومنين والقيام بواجبات هذا الولاء
2 – الفهم الدقيق للتحولات التي تحدث في النظام العالمي والاقليمي وانها لن تخرج من قهر الله يريدون ويريد الله و لا يكون الا ما يريد
3 – الثقة في ان نور الله لا تطفئه افواه الشر ولا ابواق اعلامه الناعقة المنافقة
4 – قياس الاشياء بعيدا عن المادة لان المال الذي ينفق للصد عن الحق سيكون وبالا على اصحابه
5 – الانتصار للحق واهله فمن نصر المستضعفين بالامس سينصرهم اليوم وغدا
6 – ان تقوى الله افضل العدة على العدو وانما ينصر المتقون بطاعاتهم لله وبمعصية عدوهم لله كما قال الخليفة عمر رضي الله عنه
ايها الاحبة
آن رمضان نموذج كامل لاصلاح النفوس وتغييرها وتزكيتها بالعمل الصالح والواجب الاعتبار من رمضان لغيره والاحساس باهل المعاناة والصبر والجوع والضمأ والضراء وان يحجز الاخ الصادق فى رمضان تذكرة الدخول من باب الريان ألي رحاب الجنان تجارة مربحة منجية. ش
فالمؤمن الصادق اذا باع لله نفسه وماله فليس له فيهما شيئ ماله ونفسه وقف على نجاح الدعوة وايصالها الى قلوب الناس “ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم بان لهم الجنة” سورة التوبة الآية 111
فما يجري في مصر من احداث واعتصامات سلمية يزداد روادها يوما بعد يوم رغم التضحيات وعدد الشهداء هي من مبشرات النصر وهي دروس حية في تجسيد عملي للاركان وتحقيق الروح التي تسري في الامة نواتها الصلبة الاخوان وسوادها ملايين الانصار والمحبين انه الفهم الدقيق والايمان العميق المنتج للعمل المتواصل يحقق قوله تعالى “ان تنصروا الله ينصركم” سورة محمد الآية 7
والاعتصام في رابعة العدوية يمثل نموذجا راقيا لآثار التربية والتكوين والدقة في التنظيم يعبر عن مجتمع اسلامي قائم على التعايش النظيف تسوده المحبة في الله والاخوة الصادقة والانسجام والتعاون على البر والتقوى والتعارف و التفاهم والتكامل تحضر جلب اليه القلوب التي كانت في الصف الآخر.
“فاذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم” سورة فصلت الآية 34
ندعوا الله ان ينزل عليهم السكينة ويربط على قلوبهم ويختم لهم بالنصر المبين
تقبل الله منهم ومنكم ومنا
وفقكم الله والسلام عليكم ورحمة الله
اخوكم مصطفى بلمهدي
12 رمضان 1434