تعزية الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الشيخ محفوظ نحناح

أسرة الفقيد العزيز والأخ المناضل رفيق الدرب الشيخ محفوظ نحناح حفظه الله ورعاه والإخوة أعضاء القيادة وإلى مناضلي حركة مجتمع السلم.

اليوم نفض الشيخ محفوظ نحناح يديه من دنيانا وأغمض عينيه عن سمائنا وتر ما للتراب للتراب وأسلم الروح لبارئها

.

اليوم وقف به الأجل دون الأمل وهو في أوج الرجولة وقمة النشاط والأداء وذروة الإفادة والعطاء وحال بينه وبين غاية لا تدركها إلا نفسه الكبيرة بما له من نشاط لا يحده جهد ولا ينال منه تعب وبما له من صبر على المحن واقتدار على مواجهة الخطوب والتغلب على الشدائد.

مات الشيخ محفوظ نحناح وماتت معه البسمة التي لم تكن تفارق شفتيه، والبداهة التي سنت طرف لسانه الذرب، وذاكرة تنبؤ على الزمان وقدرة على ابتكار تعابير سهلة ممتنعة اعتصرت أحداث الزمن واستخلصت منها الحكمة والعبرة.

مات من كان عدة رجال في رجل ولكن ذكره لم يمت لأنه جزء من تاريخ هذا الوطن فما من مناسبة وطنية إلا وكان له فيها حضور وما من مشكل ألم بالجزائر إلا كان في حله مساهماً ومن قضية إلا ان له فيها رأي أو اتخذ منها موقفاً نابعاً من حبه لوطنه ومراعياً فيه مقومات مجتمعه وطموحات أبنائه النزاعين إلى العيش الكريم في مستقبل مأمون.

مات الشيخ محفوظ نحناح فمن يعزى في فقدانه؟ أيعزى أبناؤه وأسرته وأسرته هي أبناء الجزائر كلهم أم تعزى الجزائر؟

وطنيته لم تقف عندها بل حلق بجناحيه في آفاق العالم العربي والإسلامي والذي طاف به كخير سفير لبلاده وأحسن معبر ومحافظ عن مثله وقيمه وتسامحه أم يعزى العالم العربي والإسلامي؟

وبما يعزى فيه؟ وكيف؟ والعزاء في كبار الوطنيين العصاميين ليس في عبارات المواساة وتهوين المصاب ولكن في التأسي بسيرتهم والاقتداء بهم في عملهم والاحتفاظ بهم في الذهن نبراساً للسائرين في دروب الوطنية والعاملين على تنمية بلادهم وتطويرها الساعين إلى إسماع كلمة شعبهم وإعلانها.

سيقف المشيعون على رأسه وهو مسجى في قبره مطرقين برؤوسهم خاشعين بعضهم يمسح الدمع وبعضهم يمسك الغصة في حلقه وبعضهم يكتم آهة في صدره وكلهم في حسرة وأسى يستمعون إلى المؤبن وهو يتلو شيئاً من سيرته ونضاله وأعماله من لدن أن ولد في البليدة سنة 1942 إلى أن وافاه الأجل المحتوم ثم يهال على جثمانه التراب ويعودون من حيث أتوا ولكن هل حقاً تركوه وراءهم ولم بعد معهم؟

غن الشيخ محفوظ نحناح لم يعش لحياته ساعات وأيام وشهوراً وأعواماً حتى ينتهي بانتهاء الـ 62 من السنين ولكنه عاشها وطناً في وجدانه وضميراً حياً لمجتمعه وتفاعلاً مع آمال وطموحات شعبه ووعياً صادقاً لقضايا عصره

ومثل هذه الحياة لا تحتوي بلفظ ولا تقاس بزمن ولا تمتد في حياة بنيه كما تمتد في حياة الناس العاديين في أنسالهم اسما ودماً فحسب، بل تمتد في القلب عاطفة وفي العقل رأياً وفي السياسة موقفاً وفي المجتمع سلوكاً ومثالاً خاصة لدى المقربين منه المؤمنين بفكره السائرين على نهجه المتابعين لنضاله.

وإن أنسى لفقيد الجزائر محفوظ نحناح من شيء فلن أنسى الشباشة التي تنطق بها قسمات وجهه والأنس واللطف اللذين تتحدث بهما عيناه وحلاوة اللفظ وطلاوته مع محاوريه حتى في أشد القضايا خلافاً، وعفة اللسان في أحاديثه وخطبه وذلك التسامح السمح في معاملاته لأصدقائه كما خصومه،

ومواقفه الموفقة بين معتقده ومقتضيات عصره ونبذه المتطرف أياً كان مصدره، وفوق هذا كله وطنيته الصادقة العالية التي كانت تظهر أكثر ما تظهر حين تشتد بوطنه أزمة فيحمل الجزائر ويطير بها في الآفاق شارحاً بالقول الحق أسباب الأزمة ومدى وقعها وتأثيراً مبدداً من حولها الإشاعات والأغراض السيئة مبدياً الصورة الحقيقية لشعبه في عزيمته وكفاحه وطموحه وفي سمو مثله وقيمه وقدرته على الموجهة والصمود والتغلب على التحديات

فكان بحق ممثل الجزائر الذي لا يجارى ولا يبارى في بيانه وكان رجلها الأمين، يعز على في هذا الوقت الذي تفتقر فيه الجزائر لجهد ينفعها مهما كان ضئيلاً من أبنائها أن يغيب عنها ابنها البار عن محافلها ومنتدياتها وأن يترجل عن فرس الحياة الذي كان به سباقاً إلى خيرها ورخائها وأن لا يكون كما كان دائماً في الجموع العاملة على تنميتها وتطويرها.

ولكنها إرادة الله وإنا لإرادتك اللهم لخاضعون وللطفك مفتقرون ولرحمتك سائلون ومنتظرون فأمطر اللهم شآبيبها على فقيدنا الغالي عبدك الشيخ محفوظ نحناح بما أطاعك وجاهد في سبيلك وسبيل وطنه وبما أدى من جلائل الأعمال لم يخرج بهما عن الإيمان بك وبوطنه،

وحب الوطن من الإيمان، وأنزله اللهم في جنات النعيم منزلاً مباركاً بين الصديقين المقربين من عبادك وأكرمه اللهم بحبك في الباقية كما أكرمته في الفانية بحب معاصريه، ونسألك اللهم أن تهب الصبر والسلوان لأبنائه وأسرته وكل مواطنيه وأن تعوضهم فيه خيراً وتعظم لهم أجراً إنك أنت السميع المجيب.

 

اترك تعليقًا