حياتك ما قدمت و عمرك ما أنجزت

من توفيق الله عز وجل للعبد أن يلهمه مرا شده، وييسر له سبل الخير والعمل الصالح. فيمده بعونه، ويبصره بعظائم الأمور والأعمال وأشرفها، ويصرفه بلطفه عن سفا سفها وصغائرها. ولعلى من وافر نعم الله عز وجل على الإنسان، بعد نعمة الإيمان والإسلام والقرآن، وسنة خير الأنام. نعمة الوقت، التي لا يقدرها حق قدرها، ولا يعرف قيمتها إلا مؤمن فقه دينه، استهدى بكتاب ربه، واستنى بهدي نبيه صلى الله عليه وسلم، فأدرك السر والغاية من وجوده ومن وجود الكون والحياة من حوله. ” ..ومن يؤمن بالله يهد قلبه..”(1) ” ..واتقوا الله ويعلمكم الله..”(2) ولعظم قيمة الوقت وعلو شأنه أقسم الله عز وجل به في آيات كثيرة، ونبهنا إلى ضرورة الاستفادة منه النبي الكريم في أكثر من حديث.

ويكفي للدلالة قوله تعالى: “والعصر، إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر.”(3) فالعلي العظيم لا يقسم إلا بأمر عظيم من أجل أمر عظيم. فما قيمة الشهور والسنين، وما قيمة العمر، بل ما قيمة الحياة كلها إذا لم تعمر بالطاعة والعبادة والعمل الصالح، وطلب العلم والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ! إنها فرصة العمر وأمانة الله في أعناقنا، ألا تستحق أن نصونها ونحافظ عليها حتى لا ننساق وراء بهارج الدنيا وبريقها الكاذب !وقد نصحنا الله عز وجل وهو الأرحم بنا أن نعلق قلوبنا وأن نرتبط بما هو أخلد وأبقى. قال تعالى: “.. وللآخرة خير لك من الأولى..”(4) ” إنه لا ينفع الإنسان إلا ما قدم من عمل صالح. ” ..وأن ليس للإنسان إلا ما سعى، وأن سعيه سوف يرى..”(5) فطوبا لمن طال عمره وحسن عمله، ونصح نفسه فتزود.” ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله، ولتنظر نفس ما قدمت لغد، واتقوا الله، إن الله خبير بما تعملون” (6) فاليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل. “وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون، وستردون إلى عالم الغيب والشهادة، فينبئكم بما كنتم تعملون” (7) فليتق العبد ربه، ولا يحقرن من المعروف شيئا.”فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره”(8) إن صلاح الحياة بصلاح الإنسان، وصلاح الإنسان بصلاح قلبه، وصلاح القلب بنور القرآن، وإذا تنور القلب وأشرق هدي إلى صراط مستقيم. والمعادلة باختصار أن الإنسان إذا أحيى قلبه بالقرآن، واستثمر وقته في طاعة الله وعمل صالحا فاز.قال تعالى:” ومن يطع الله ورسوله، فقد فاز فوزا عظيما.”(9) إنه من كمال عقل المرء، وتمام دينه، ونفاذ بصيرته وصلاح عمله، حساسيته المفرطة لعامل الزمن، وحسن تنظيمه لشؤونه وإدارته لوقته. وقد يتحسر ويتألم لمجرد اللحظة الواحدة تمر دون أن يستثمرها ويستغلها في تحصيل علم، أو إقامة نسك، أو إتقان عمل، أو بذل جهد و نفع عام، وكلها قربات وطاعات لله عز وجل إذا خلصت النيات. والكيس من يدرك مثل هذه المعاني فيسعى جاهدا للرفع من منسوب إيمانه والمبادرة إلى فعل الخيرات ولا ينتظر ولا يتردد، لأن ساعة الرحيل قد تدق في أي لحظة، معلنة انتهاء سحابة العمر فيندم المرء ولات حين مندم. إن المرء ليتقطع ألما وحسرة على أحبة يراهم أجسادا تسير بين الخلق بلا هدف، رضوا بأن يكونوا مع الخالفين، ويتذكر هممهم العالية المتقدة قبل سنين خلت، فما الداعي للتخلي عنها الآن ! أيرضى أحدهم بلقمة عيش يقتاتها. لم نكن نظن يوما من الدهر أنه سَيُقصر همًه عليها، فيثًاقل ويخلد إلى الراحة والدعة والسكون والجمود. إن كان العيش لنأكل فو الله أن النملة أشد اجتهادا منا في ذلك. وإن كان لتحصيل قوة، فالفيل أقوى منا. وإن كان لصبر على بلاء الدنيا فالجمل سيتبوأ مكانه فوقنا. فواعجبا أرضينا بأن يكون الحيوان خير منا ! آه لعيش السعداء العظماء الأتقياء ! متى أحبتي نعرف قدر أنفسنا، ونعي دورنا وطبيعة رسالتنا في الحياة لقد خلقنا عظماء بهذا الدين، فلما نرضى بالدون ونحيا على فتات البشر؟ الناس يختلفون في طبائعهم وصفاتهم وأخلاقهم. فمنهم الذي يأخذ ولا يعطي، ويفسد ولا يصلح، ويحقد ولا يحب، ويؤذي ولا يحسن، ويهدم ولا يبني،ويحبط ولا يشجع ولا يحفز. ومنهم الذي يعطي ولا يأخذ، ويصلح ولا يفسد، ويحب ولا يبغض، ويحسن ولا يؤذي، ويبني ولا يهدم، مؤتمن لا يغش ولا يخدع، ويثني ويمدح ولا يسب ويقدح، يبشر ولا ينفر. أصناف متغايرة وصفات مختلفة. فلينظر أحدنا من أي الأصناف هو، أو من أي الفريقين؟ كل له سعيه والسعي مختلف *** وكل نفس لها في سعيها شاء. إن قوة العزيمة، وعلو الهمة، والتجرد للمبدأ، والجد في الحياة هي قوة المؤمن الحقيقية، التي تعلو بقدره وفضله. فكلنا نعلم أن “اليد العليا خير من اليد السفلى” وأن “المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير.” ولذا يندر من الناس من يتحمل هموم الأمة، ويستمر في محراب الدعوة منافحا يحرص الثغور ويذود عن الحياض، على الله يتوكل وبه يستعين، يبادر ويعمل، ويعتذر عن التقصير، ويرجو من العفو الكريم الغفور الرحيم القبول. فالعبرة بالنوعية وليست بالكثرة قال تعالى: ” ..وقليل من عبادي الشكور”(10) وقال صلى الله عليه وسلم:” الناس كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة.” ومن الإيجابية أن لا ينتهي عمل المسلم ودوره في الحياة مهما كان الحال، بل يستمر في أداء رسالته ولا يتوقف ولا ينقطع.” واعبد ربك حتى يأتيك اليقين” (11) فيبذل جهده دون يأس أو قنوط، او استسلام لوساوس الشيطان، دائم الصلة بالله كثير الذكر ويبقى ذلك ديدنه، في العسر واليسر، في الفقر والغنى، في الصحة والمرض، في المنشط والمكره، في العافية والابتلاء. فهو في خير وعلى خير، ومادام في طاعة الله عز وجل فثمرة شجرته طيبة، وعين الله تحرصه وترعاه وتحفظه وتوفقه، فهو في ذمة الله. وإليك أخي القارئ هذه الأبيات الشعرية للشاعر الكبير أبو العتاهية، أحببت أن أسوقها إليك لنقرأها معا، ونتأمل معانيها، وتصوري أنها من منبهات ومنشطات السير إلى الله تعالى. فمتى ننهض بأنفسنا ووطننا وأمتنا !متى !متى ! متى ! يا أيها الحي الذي هو ميت *** أفنيت عمرك بالتعلل والمنى أما المشيب فقد كساك رداءَه *** وابتز عن كتفيك أثواب الصبا ولقد مضى القرن الذين عهدتهم *** لسبيلهم، ولتلحقن بمن مضى وهي السبيل فخذ لذلك عدة *** فكأن يومك عن قريب قد أتى خالف هواك إذا دعاك لريبة *** فلرب خير في مخالفة الهوى عَلَمُ المَحَجًة بين لمريده *** وأرى القلوب عن المحجة في عمى ولقد عجبت لهالك ونجاته *** موجودة، ولقد عجبت لمن نجــــا ساعات ليلك والنهار كليهمـــــا *** رسل إليك وهن يُسرعن الخطا ولئن نَجوتَ فإنما هي رحمةُ ال *** مَلك الرحيم، وإن هَلكتَ فبالجزا ياساكنَ الدنيا أمنتَ زوالَهــــــا *** ولقد ترى الأيام دائرة الرحى ولكم أباد الدهر من متحصن *** في رأس أرعن شاهق صعب الذٌرا أين الألى بنوا الحصون وجندوا *** فيهـــــا الجنودُ تَعززًا أينَ الألى وذَوُو المنابر والعساكر والدسا *** كر والمحاضر والمدائن والقرى وذَوُو المواكب والمراكب والكتا *** ئب والنجائب والمراتب في العلى أفناهم ملك الملوك فأصبحــــــوا *** ما منهم أحد يحس ولا يـــــــرى وهُو الخفي الظَاهر الملك الذي *** هو لم يزل ملكا على العرش استوى وهُو المقدر والمدبر خَلقــَــــه *** وهو الذي في المُلك ليس له ســـــوَى وهُو الذي يَقضي بما هو أهلُه *** فينا ولا يٌقضى عليـــــــــه إذا قضى وهُو الذي بعث النبي محمدا *** صلى الإلاه على النبي المصطفى وهُو الذي أنجى وأنقذنا بـــه *** بعد الضلال من الضلال إلى الهدى حتًى متى لا ترعوي يا صاحبي *** حتًى متى حتًى متى وإلى متى والليلُ يذهبُ والنهارُ وفيهما *** عبَرٌ تَمرُ وفكرَةٌ لأولي النهى حتًى متَى تَبغي عمارةَ منزل *** لا تأمَنُ الروعات فيه ولا الأذى هوامـــــــــــش [-1- آ 11 التغابن) 2- آ282 البقرة.)-3- آ1،2،3 العصر.)-4- آ4 الضحى) -5- آ39، 40 النجم.)-6- آ18 الحشر.)-7- آ105 التوبة.)-8- آ7، 8 الزلزلة) -9- آ71 الأحزاب) -10- آ13 سبأ) – 11-آ 99 الحجر

] – عماري جمال الدين/06/01/2014

اترك تعليقًا