
لم نكن نتوقع أن يصل الزلزال الذي أحدثته الثورة المضادة من دول الربيع العربي الى بلد مثل تركيا بعد أن حسمت حكومة أردوغان أمرها من العسكر والإنقلابيين ورمت بهم الى القصاص العادل ، وبعد أن قطعت شوطا في الرفاه الإجتماعي والتقدم الإقتصادي ما عجزت عنه الأحزاب التركية االعلمانية الإنقلابية من قبل ، وبعد أن إستطاع أن يحجم دور العسكر ليقتصر على الدفاع وحماية الحدود واستطاع ان يستميل العلمانيين إلى صفة ، وهي الدولة التي كانت أمريكا تقدمها إلى العام الإسلامي كنموذج للإسلام العصري الذي يؤمن بالعلمانية ويتعامل مع الكيان الإسرائيلي . وقد نحى أردوغان هذا المنحى مستفيدا من إخفاقات أستاذه أربكان في مواجهة الإنقلابات العسكرية ووضع أولوية الديمقراطية والرفاه الاقتصادي وحياد القضاء والفصل بين السلطات وتنازل على الكثير من ميراث تكوينه العدائي للغرب وإسراائيل من أجل تحقيق ذلك . لكنه بدأ يخرج عند هذا السياق مع الإفتزازات الإسرائيلية التي لا تكتفي بالعلاقات الندية بل تسعى الى التعامل الفوقي والإستعلائي ، فلم تجد منه الا صفعات من يد عثمانية لا ترض بالذل ، فبالغ في انتصاره للقضية الفلسطينية وحسم في وقوفه ضد الظلم ، ودعم دول الربيع العربي ووقف في وجه الثور المضادة رافضا العودة الى الديكتاتوريات من جديد ، وبدا يغير منهجه في إتجاه ترسيخ الهوية الإسلامية وقد أظهر له تسريب وهو يبدي تذمره من الإختلاط في الجامعات وقد سبق له أن سمح للمحجبات بدخول الجامعات . ليجد نفسه تحت طائلة الثورة المضادة التي تخطط لها دوائر غربية اسرائلية بدأت بموجة من التحركات العلمانية والتي لم تفلح في إثارة الفوضى ، لتنتقل المواجهة من داخل التيار الإسلامي نفسه ومن جماعة “الخدمة” وبقيادة فتح الله كولن الحليف السابق والتي تمثل أكبرفروع “جماعة النور” التي أسسها بديع الزمان السعيد النورسي وتقوم على المؤسسات الخدمية كالتعليم والصحة وتهتم بفئة الطلاب في الداخل والخارج ولها مدارس وجامعات ومستشفيات ، ويعرف عنها بعدها عن السياسة وكانت تحمل شعار “أعوذ بالله من الشيطان ومن السياسة ” لكنها تسعى دائما الى التغلغل في أجهزة الدولة ، في الشرطة والجيش والمخابرات والقضاء ، من خلال مساندتها الدائمة للأنظمة الحاكمة والجيش ، ومن مواقفها المريبة تحالفها مه حزب اليسار الديموقراطي بقيادة بولند أجاويد المشهور بطرده النائبة المحجبة في البرلمان التركي . وتحالفت مع الجيش وتيار الأتاتوركين في كل المحطات التاريخية ضد نجم الدين أربكان كما عارض انطلاق أسطول الحرية لكسر الحصار على قطاع غزة ، وقال حينئذ أنه كان عليهم أن ينسقوا مع السلطة الإسرائيلية ، وإعتبر الذين استشهدوا قتلى عصيان أوامرأسرائيل ، والمتتبع لعقيدة هذه الجماعة من الداخل يدرك أنها جماعة متطرفة تؤمن بعقيدة وحدة الوجود التي كفرها العلماء ، وهم يجيزون كل المحرمات من أجل التغلغل في أجهزة الدولة ، حتى عدم تأدية الفرائض كالصلاة والصيام وخلع الحجاب . ويقيمون إحتفالاتهم السنوية الماجنة من أجل الخدمة” كما يدعون” بالغناء والرقص الماجن ، و يدعي زعيمهم فتح الله كولن في إحدى الحفلات أن النبي (ص) قد نزل و حضر معهم هذا الحفل الذي صرفت عليه 300مليون دولار، ولايزال زعيمهم فتح الله كولن يقيم في الولايات المتحدة ويرفض العودة الى تركيا بعدما رفع عليه اردوغان الأحكام القضائية من الحكومات السابقة ، مما يظفي الشكوك حول تحركاته وعلاقاته . وهو اليوم يجرؤ ولأول مرة في حياته على مواجهة الحكام مدعيا أن أردوغان بدأ يستهدف الجماعة ويضيق عليها من خلال منع نفوذهم في بعض المناصب الحساسة في مفاصل الدولة وهي تسعى باسم التحالف أن تصل الى مناصب كبيرة في الدولة كرئاسة المخابرات والى سقف كبير من النفوذ داخل السلطة . كما تتهم حكومة أردوغان بالسعي لغلق مدارسها الخاصة وتنتقذ الحكومة في توجهها نحو الشرق الأوسط وتراجعها عن مساعي الإنظمام الى الاتحاد الاوربي واثارة المشاكل مع تل ابيب في مثل هذا الوقت وخسارتها لبعض حلفائها نتيجة مساندتها لدول الربيع العربي ووقوفها في وجه الثورة المضادة . لتجد نفسك مع تيار اسلامي يستطيع أن يقدم للغرب من حربه على المشروع الإسلامي مالا يستطيع ان يقدمه العلمانيون وأعداء الإسلام أنفسهم تماما كما يفعل اليوم” حزب النور” وشيخ الأزهر في مصر، ونسبة الدهماء والسذج والمتطرفين ممن يسيرون وراء هذه الدعاوي ليست بالقليلة ، مما يزيد من تكلفة المواجهة للثورة المضادة . لكن قطار التغيير قد تحرك والشعوب الإسلامية ذاقت طعم الظلم وذاقت طعم العدل ورأت الديكتاتورية ورأت الحرية وارتسمت أمامها نماذج مبهرة لحكم الإسلاميين في تركيا ، واخرى لعدلهم وإيمانهم بالحرية والديمقراطية في مصر ومقدمات لازدهار كبير ونهضة قوية فيها . وحنكة سياسية وقدرة على التنازل والتعايش مع الآخرفي تونس ومن قبل في الجزائر. ما أبهر دعاة الديموقراطية والحرية في العالم . وتركيا اليوم مؤهلة لأن تكون عاصمة العالم بموقعها الجغرافي المتميز ومؤهلاتها الإقتصادية ، ومصر رائدة للامة العربية ، والحركة الإسلامية تتأهل لأستاذية العالم . أما الخونة والعملاء فلهم تاريخ طويل من العبث ولم يثبت لهم الا أن انتهوا في مزابل التاريخ والمحاكم العادلة كما يحدث اليوم مع قادة الإنقلاب من الأتاتوركيين بالأمس ، ومثله ينتظر قادة الإنقلاب وسفاكي الدماء المصريين غدا إن شاء الله .
عبد الحميد بن سالم الجزائر 07/01/2014م