المرأة القرآنية

بسم الله الرحمن الرحيم
المرأة القرآنية
محاضرة ألقاها فضيلة رئيس الحركة الشيخ مصطفى بلمهدي خلال أشغال ملتقى المرأة السنوي سابقا
مقدمة:
مثلت المرأة في القرآن الكريم حضورا واضحا في العديد من المشاهد التي تضمنتها سور القصص وآيات الأحكام، كما كانت مكرّمة بأن سمّى الله عز وجل باسمها أكثر من سورة من سور القرآن الكريم.
وقد كانت المرأة حاضرة في المشاهد الرسالية التي حدثنا عنها القرآن الكريم، حيث صاحبت الأنبياء عليهم السلام في العديد من المواقف والمشاهد، بل إنها كانت حاضرة بشكل واضح في حياة أولي العزم من الرسل عليهم الصلاة والسلام: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم“.
وإذ يعطينا القرآن هذه القيمة للمرأة فحري بنا أن نقف أمامها وقفات تأمل واستخلاص للعبر والدروس تضئ مسارنا في هذه الدعوة من خلال التوجيهات القرآنية الكريمة لأن الصف الرباني السائر نحو نهاية كبرى هي “الله غايتنايحتاج إلى أن نقف أمام المعالم الخالدة للمسار الرسالي الذي كانت المرأة دائما حاضرة فيه وتؤدي أدوارا هامة في الدعوة

.
وإننا اليوم في أمس الحاجة إلى أن نقف مع القرآن الكريم نتلو آيات الله وأحكامه حتى نحسن السير ونضبط عملنا على مقاييس مرجعية ربانية نصون من خلالها هويتنا ونحمي بها كياننا الاجتماعي ونؤدي وظائفنا في خدمة الدين والدعوة إلى الله ونحتكم بذلك إلى الحق بعيدا عن الهوى المضل ونصمد في وجه الأعاصير التي أصبحت تضرب بعنف منظوماتنا الفكرية والحركية والاجتماعية.
ولقد شكلت المرأة باستمرار حقلا واسعا لعمليات الغزو الفكري والحضاري حيث تنبه أصحاب المشروع التغريبي لخطورة دورها في إصلاح المجتمع وإفساده، واستغلت المرأة أيّما استغلال في التأثير على المحيط العام الذي لا فكاك له عن العلاقة بالمرأة حيث هي الأم والأخت والزوجة وشريكة العمل..، وهي تمثل نصف المجتمع إن لم نقل أنها أكثر من ذلك، وبذلك تبقى عملية تأثيرها قوية جدا إذ هي التي تربي الأجيال وتزرع فيهم القيم التي تريدها وتقتنع بها كما أنها اليوم هي أكثر حضورا في كل مراحل بناء الإنسان عبر التربية والتعليم، حتى إذا نظرنا إليها كزوجة لا نبالغ إن قلنا أن أفكار وخطط وأعمال أصحاب التأثير ارتبطت دائما بالزوجة المشاركة سلبا أو إيجابا.
إن هذه المقدمة أيتها الأخوات الكريمات تدفعنا للقول أن رسالتكن عظيمة ولا بد لها من استرشاد نوراني رباني عظيم وأعظم مقصد تقصدينه في هذا الاسترشاد هو المعين الصافي والمنبع الطاهر ألا وهو القرآن الكريم من أجل أن تنهلن من قيمه وتوجيهاته وتبنين أنفسكن، ومن وراء ذلك بناء قرآنيا راشدا تتحصن به وتنرن طريق السائرات إلى الله وتحققن المعنى الأمثل في تحقيق المرأة القرآنية.

نساء قرآنيات: مشاهد المرأة في القرآن الكريم
أيتها الأخوات الكريمات،
نقف اليوم أمام مشاهد قرآنية ضرب القرآن لنا بها الأمثال وأعطاها لنا نموذجا في العلاقة بين الرسالة والأمة والعلاقة بين المرأة والرسالة حيث يعرض علينا القرآن مجموعة مشاهد في هذا الشأن.
 1-
مشهد امرأة عمران: المرأة الممتلئ قلبها وروحها وكيانها بالايمان تعيش هموم الرسالة ودعوتها اختارت أعز ما لديها من أجل أن تهبها للرسالة محررا خالصا، قبل أن تلد وهي لا تعلم ما في بطنها أذكر أم أنثى وأمنيتها أن يكون ذكرا يحمل أعباء الرسالة حيث اعتذرت لربها بعد الولادة حيث يقول الله تعالى: (إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ(36))آل عمران، توجيه قرآني لكل أم وهي في حملها تدعو الله أن يكون من الصالحين من الأمة التي يباهي الرسول صلى الله عليه وسلم الأمم يوم القيامة بالكثرة النوعية وليس الكثر الغثائية.
 2-
مشهد مريم بنت عمران التي أصبحت حياتها وقفا على الدين والدعوة فتعاملت مع هذا المقام بالأخلاق التي تناسبه وأقامت في المحراب تعبد ربها وارتقت في الصلة بالله حتى أصبح رزقها يأتيها من عند الله بغير حساب. (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ) الأنبياء91، (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)آل عمران37، هكذا البنت الصالحة التي تنبت نباتا حسنا تكون مدرسة لتخريج الأجيال الصالحة.
 3-
مشهد الملكة اليمنية ملكة سبأ التي انتقلت من كل الملك لتقول: (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) النمل44، وقد كانت صاحبة ملك والعرش العظيم ورأي وشأن ولكنها كانت تعبد وقومها الشمس من دون الله.
 4-
مشهد امرأة فرعون أعظم ملوك ذلك الزمن لم يمنعها الاستمتاع والرفاهية وحب فرعون لها تأمر فتطاع فلما لمس الإيمان شغاف قلبها وملك عليها كيانها استعلت على متاع الدنيا وتوجهت إلى الله وطلبت منه النجاة في الدنيا والآخرة وفضلت جوار الله على جوار فرعون، لقد اختارها الله وهيأها لتكون حاضنة للنبي موسى عليه السلام ووفرت له المنبت النظيف لبذرة الدعوة وسط بيت الكفر والظلم والطغيان، وخرج من بيتها نور الاسلام من وسط الظلام وخلدها القرآن نموذج للمرأة الصالحة قدمت روحها فداء لايمانها. (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)التحريم11.
 5-
مشهد امرأة إبراهيم عليه السلام التي كانت تشارك زوجها النبي استقباله لرسل الله الذين جاءوا إلى قوم لوط بالعذاب، وحضورها المشهد دلالة على القيمة والحضور الراقي في اتجاه ومسار الرسالة الإبراهيمية، وقد أكرمها الله على كرمها لتكون بعد يئس أمّا للنبي إسحاق عليه السلام وليستمر من خلالها سير رسالي كان من يعقوب ويوسف (وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ)هود71.
 6-
ابنتا شعيب وهما المرأتان اللتان كانتا تقومان بشأن أبيهما في إدارة الأعمال المتمثلة في الرعي والسقي حتى وجدهما موسى تذودان وتنتظران فراغ الرعاة من سقي أغنامهم وخلو المنهل، فسقا لهما موسى وأشارت بعد ذلك إحداهما على أبيها باستعمال موسى عليه السلام، فتزوج بها بمهر غال جدا هو أجرة عشر سنوات من عمل نبي عليه السلام.
 7- مشهد نساء النبي صلى الله عليه وسلم حيث وردت التوجيهات الربانية لهن في القرآن الكريم أكثر من مرة ولتكون لنا توجيهات من خلالهن. (يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً)الأحزاب32. (يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً)الأحزاب30، (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً)الأحزاب28.

الدروس مستخلصة:
 
التضحية المناسبة لمقام الدعوة: وهي العبرة الواضحة التي يعطيها لنا القرآن الكريم من خلال امرأة عمران التي وصفتها الآيات القرآنية بـ
نذر ما في بطنها له.
تحرير الإخلاص في العمل.
طلب القبول من الله لذلك العمل المحرر.
4-
إعاذتها بالله من الشيطان الرجيم.
وعملية النذر للولد هي عملية عالية المستوى في التضحية حيث تهزل كل التضحيات أمام هذه التضحية التي يجب أن توضع نصب أعين المضحين الذين قد يغرهم أنهم ضحوا بقليل من الوقت أو المال أو الجهد، وذلك هو السبيل الكبير والباب الواسع للعمل الدعوي للرسالة التغييرية التي يحتاج القائمون عليها إلى مثل هذه التضحيات من أجل التقدم للرسالة وليس للأشخاص ولابد لهذه التضحية من سوار يحفظها، وهو سوار ثلاثي الأبعاد يتكون من: الإخلاص وطلب القبول والاستعاذة من الشيطان الرجيم، فبالإخلاص تتحرر الأعمال وتتجرد من كل شيء قد يشوهها، وبطلب القبول تظل تحت الدين تقدم بين يدي الله ثم إليه ثم الاستعاذة من الشيطان الرجيم الذي قد يلبس علينا الحق بالباطل أو يحرفنا عن الغايات الحقيقة لنا.

 لتكن حياتنا وقفا لله عز وجل:v
1-
وأن تكون حياتنا وقفا لله عز وجل فإن ذلك يعني أن نتفرغ لهذه الدعوة حتى تسكن كل جوارحنا وكل حوائجنا ونصبح نحن الدعوة والدعوة نحن وهذه الوقفية هي التي تميز أصحاب الدعوة عن غيرهم حيث أنّ الوقف هو تخصيص الموقوف لله رب العالمين متجردا من كل شيء وهو ما يلزم السائرين إلى الله في طريقهم لأن معية الله صمام أمان للدعوة والدعاة.
وقد كانت مريم وقفا محررا لله وهو الذي جعلها تحضى بتلك المكانة العظيمة من الاصطفاء والطهارة والأفضلية على نساء العالمين إذ أنّ الإنسان الذي اختار أن يكون في تجرد لهذه الدعوة سيتولاه الله ويعلي مقامه بل ويكفيه شؤون الدنيا كلها، حتى أن مريم بنت عمران كان يأتيها بالرزق وهي قائمة في المحراب تأتيها فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف، بل أصبحت قدوة ووسيلة للتذكير لزكرياء عليه سلام عندما قال (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء)آل عمران38

 الملكة القائدة تُسلم مع سليمان لله ربّ العالمين
فلم تكن الوظائف البسيطة من شأن المرأة فقط، بل إن المرأة قد وصلت إلى أن تكون ملكة وأن توصف في القرآن لصفات قيادية عالية صاحبة العرش العظيم القوية استطاعت بذكائها وفطنتها أن ينصبها قومها ملكة عليهم لحنكتها في تصريف شؤون الملك وبقيادة قومها حازت مملكتها أسباب الحضارة والقوة تصل إلى تلقي المراسلات من سليمان عليه السلام ثم تعبر عن القيادة الجماعية من حيث أنها تستفتي وتستشير قيادة أركانها ولا تقطع أمرا بشكل فردي لأن الفردية لا تؤدي إلى القوة المطلوبة في القيادة بل هي مرض نفسي يعبر عن حالة من الغرور بالذات التي هي صفة إبليس أيضا لكن من ثقة بطانتها وقيادة أركانها في حكمتها وتدبيرها وصواب رأيها يعيدون إليها الأمر واتخاذ القرار بعد مشاورتها لهم.
ثم يصفها القُرءان بأنها كانت تقود قوما أولي بأس وقوة ويسلمون لها في النهاية وكلهم سمع وطاعة لما تراه من رأي في الحرب والسلم وأنهم رهن إشارتها إذا أرادت الحرب فهم أولو قوة وبأس شديد لأنها امرأة صالحة في قيادة قومها وحكيمة في تسيير الأمور وذلك واضح من وصف القرآن لها بأنّها تعرف طبيعة الملوك وسياسة الأمور وتتعامل معهم بحكمة وبتدرج وتجربة وتستكشف من خلالها الأهداف الحقيقة لهم فقلبت الأمر، ولما تبين لها البرهان الساطع لم تغرها قوة ملكها عن اتباع الحق الذي وجدته إلى جانب النبي سليمان وإن كانت تعبد الشمس مع قومها ليست على قناعة وإنما تقليدا وجدت قومها عليه فلما تبين لها الحق والصواب مع تفويض قومها لها استجابت للحق وكانت سببا في هداية قومها بعد أن اختبرت سليمان أعلنت إسلامها لله رب العالمين وليس لسليمان عليه السلام فلم تفقد عزتها بإسلامها معلنة ذلك بقولها (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) النمل44.
فكان ارتباطها بالله مباشرة فهي ملكة وسليمان ملك والفرق بينهما النبوة والرسالة وجهت لها باسم الله فاستجابت لله فهذا هو الارتباط الحقيقي ليس ارتباطا بالأشخاص.

 الحكيمة الغالية المهر
وهي الابنة الصالحة التي أكرمها الله بالزواج من رسول الله موسى عليه السلام حيث وجدها موسى عليه السلام وأختها تقومان بإدارة أعمال أسرتها رغم مشقة العمل في الرعي والسقي وسط الرعاة فلما جاءهم موسى عليه السلام وسقى لهما رأت فيه إضافة إيجابية للمؤسسة التي كانت تشرف عليها، (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ)القصص26.
لم تكن عملية الاختيار عشوائية أو ذات مبعث نفسي أو غير ذلك بل هي مبنية على صفتين أساسيتين تدل على منبتها الكريم هما القوة والأمانة، والقوة والأمانة أساسان في الأدوار القيادية والعمل الرسالي، وإذ يصف لنا القرآن هذه الحالة فالمطلوب منّا تحصيل هذه الصفات وجميع مكوناتها، فالقوة ليست قوة جسم فحسب بل هي علم ومعرفة ومعلومة ورأي وحكمة وغير ذلك مما استطاع تحصيله (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ)الأنفال60.
الأمانة هي الصفة الضابطة للقادة الذين هم مؤتمنون على إرث الأنبياء وأمانة الدعوة خصوصا عندما تتولى الأخت قيادة أخواتها والقيام على تنفيذ البرامج وإدارة الأعمال والمؤسسات، وهي كلها أعمال تتطلب وقد تحقق لها طلبها في عملية تفعيل المؤسسة العائلية بصاحب قوة وأمانة بل أنها كانت أقرب وأكرم عندما عرض أبوها على النبي موسى عليه السلام الزواج منها مقابل مهر هو عشر سنوات من العمل الذي يعادل مهرا غاليا قلّ شبيهه في المهور ليعطى لنا صورة أخرى لقيمة المرأة في القرآن هذه القيمة التي أكدتها المرأة التي راجعت أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما أراد تحديد المهور وحاججته بالقرآن فأقر لها بالصواب قائلا أخطأ عمر وأصابت المرأة

 المرأة الصالحة في المحيط الفاسد
وهي الصورة التي تركها لنا القرآن الكريم من خلال قصة آسيا رضي الله عنها والتي وصفها بإمرة فرعون، المرأة التي احتضنت مستقبل الرسالة ممثلا في موسى عليه السلام حيث كانت البيئة الفاسدة تصل إلى حد إعلان زوجها أنه الرب الأعلى وإرغام الناس على عبادته من دون الله واستبداده ضد أصحاب الرسالة إلى الحد الذي يقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ويصلبهم على جذوع الشجر، ومع ذلك لم يمنعها الخوف ولا متاع الدنيا من أن تكون الحاضنة المؤتمنة على الرسالة والدعوة وأن تفتح المجال واسعا لموسى عليه السلام ليكون في أنسب وضع يخدم الدعوة ويربط العلاقات الواسعة داخل محيط الملأ الفرعوني ويصبح له أتباع يكتمون إيمانهم قد تكون آسيا عليها رضوان الله هي النواة الأولى في تشكيل خليتهم التنظيمية
ثم يعطينا القرآن صورتها وهي تختار جوار الله على كل ما كانت تتمتع به في مملكة تتوفر على كل زخرف الدنيا وسلطتها المادية والمعنوية.

نساء النبي صلى الله عليه وسلم وبيت الرسالة بهن يتم إكمال رسالة المرأة الخالدة
لقد وجه القرآن رسالة واضحة للمرأة المسلمة من خلال خطابه لأمهات المؤمنين ذلك الخطاب الواضح التوجيه والذي يتطلب منا أن نعتبر به اليوم ونضع توجيهاته نصب أعيننا كقواعد عمل أو مرتكزات للدعوة والدعاة

يا نساء النبي: القدوة لنساء المؤمنين
– (
يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ
فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ
وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً،
-(
وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ
ولا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى
وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ
وَآتِينَ الزَّكَاةَ
وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ.
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً،
وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً)الأحزاب32، 33، 34.
-(
يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً)الأحزاب30
-(
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً) الأحزاب28.
-(
وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخرة فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً }الأحزاب29.
إن مضاعفة العذاب في حالة الفساد ومضاعفة الأجر في حالة الصلاح لنساء النبي يعود لانتسابهن لبيت الدعوة وهو عين الالتزام وثمنه.
فالمرأة الملتزمة ليست كغيرها لها تبعات الالتزام تتمثل في القدوة لغيرها من النساء تستطيع بقدوتها الحسنة هدايتها، كما أنها تستطيع بقدوتها السيئة المخالفة للالتزام تضليل وإفساد غيرها وتكون محل نفور الناس من دعوتها
إن هذه النصوص هي دستور عمل المرأة القرآنية الربانية ومن خلاله يمكننا أن نصنع القيادة والريادة ونعيد الاستاذية الغائبة
الأدوار المطلوبة


إن الحديث عن المرأة القرآنية يدفعنا إلى الحديث عن بعض الأدوار الضرورية لتحقيق معاني وقيم هذه الصفة حيث أننا نسعى لتحقيق المطلوب منا تجاه القرءان ورسالة القرءان ولعل الحديث يطول في هذا المقام ولكننا نقف على ثلاث محطات أساسية فقط هي للاسترشاد وليس للحصر.
 
 1- الارتباط بالتلاوة، حيث أن المرأة القرآنية لابد وأن تكون مرتبطة بتلاوة القرءان تلاوة دائمة تلاوة فهم وعمل  تجعلها على علاقة حيوية مع القرآن وأجواء القرآن التي هي في حد ذاتها الأساس الأول لإيجاد المرأة القرآنية.
 
 2-الفهم العميق للتوجيهات القرآنية باعتبارها منهجا حركيا يمكننا الاعتماد عليها في شأننا الحركي كله، واستخلاص دروس القرآن التي يعرضها علينا سواء من خلال التجارب السابقة أو من خلال التشريعات والتوجيهات العقائدية والاجتماعية وغيرها.
3 –
تحديد الصفات الأساسية للمرأة الصالحة في القرآن الكريم ودورها الدعوي والرسالي الذي حدده القرآن للأمثلة والنماذج التي عرضها علينا 

اترك تعليقًا