الأخ المجاهد محفوظ نحناح

 


ولد الشيخ محفوظ نحناحيوم 12-11942م، وكان مولده في أثناء الحرب العالمية الثانية،

حيث بدأت التحولات السياسية والفكرية في الجزائرتتحدث عن مرحلة ما بعد الاستعمار ببداية اندحار فرنسا المستعمرة أمام دول المحور وانكشاف عورة الاستعمار الفرنسي وبداية العد التنازلي لفكرة الاستعمار الاستيطاني.

وكان مولده بمدينة “البليدة” في الجزائر، وسط عائلة محافظة، ونشأ في أحضان القرآن الكريم، واللغة العربية، ودرس في المدرسة الإصلاحية، التي أنشأتها الحركة الوطنية، وأكمل مراحل التعليم الابتدائي والثانوي والجامعي في الجزائر،

حيث حصل على ليسانس لغة عربية، ثم سجَّـل في جامعة القاهرةقسم الدراسات العليا”، وفي فترة دراسته الجامعية بالجزائرساهم مع إخوانه في فتح مسجد الطلبة، حيث كان أول من خطب الجمعة بالمسجد المذكور. وساهم مع إخوانه محمد بوسليمانيو بومهديسنة 1962مفي ثورة التحرير الجزائرية وهو في ريعان الشباب، حيث كان عمره 20 عاماً.

نشاطه العملي والدعوي: اشتغل الأخ نحناح في حقل الدعوة الإسلامية لأكثر من ثلاثين عاماً بدءاً من سنة 1964مبالتعاون مع رفيقه الشيخ محمد بوسليماني، حيث وضعا اللبنة الأولى للجماعة الإسلامية في الجزائر.

وقاوم المد الثوري الاشتراكي والثقافة الاستعمارية الفرنسية. وكان من أشد معارضي التوجه الماركسي والفرنكفوني والعقائد الضالة والأخلاق المنحرفة، مما أدى إلى اعتقاله سنة 1975م، وحكم عليه بالسجن خمسة عشرة سنة، كانت فرصة للتزود بالعلم والتفرغ للعبادة، كما كانت سبباً في هداية الكثيرين من نزلاء السجن إلى طريق الحق والاستقامة على منهج الإسلام.

وبعد وفاة الرئيس “هواري بومدين” يوم 27-121979موبعد زلزال الأصنام في 10-101980، حيث كان سجيناً هناك أطلق سراحه بعد أن قضى خمس سنوات فقط.

وقد ساهم في تأسيس رابطة الدعوة الإسلامية مع صفوة من علماء الجزائرودعاتها منهم الشيخ أحمد سحنونرئيس الرابطة، والشيخ عبد الله جاب الله، والشيخ علي بن حاجوالشيخ محمد بوسليماني، والدكتور عباسي مدني، وغيرهم، كما ساهم في تأسيس جمعية الإرشاد والإصلاح سنة 1988ممع زميله الشيخ محمد بوسليمانيالذي اغتالته جماعة مسلحة سنة 1994م.

ويمتاز الشيخ نحناحبقدرة هائلة على الاتصال والتنقل، فقد زار القارات الخمس داعياً وحاملاً رسالة الوسطية والاعتدال، كما طاف كل محافظات الجزائروأسس فيها أنشطة دعوية وتربوية وخيرية متنوعة.

كما أنشأ الشيخ النحناح “حركة المجتمع الإسلامي” سنة 1991موانتخب رئيساً، وقد تغير اسمها إلىحركة مجتمع السلمبعد صدور قانون جزائري يحظر استعمال وصف “إسلامي” على الأحزاب. ولقد كانت مواقف الشيخ نحناحتتسم بالاعتدال والتوازن، فقد عارض موقف الحكومة من الانتخابات، كما اعترض على دعاة العنف وحمل السلاح.

وهو الذي صاغ بيان التجمع الإسلامي الكبير سنة 1980م، كما نظم أول مهرجان إسلامي سنة 1988م، ونادى بإنشاء رابطة تجمع كل الدعاة من أجل الحفاظ على الهوية الإسلامية سنة 1989م، كما أنه انضم إلى علماء العالم الإسلامي في توقيع وثيقة ترفض التنازل عن أي شبر من أرض فلسطينواعتبرها وقفاً إسلامياً.

ويعتبر محفوظ نحناحأول زعيم حركة إسلامي في العالم العربي يتقدم للترشح لرئاسة الجمهورية. والحق يقال: إن الشيخ محفوظ نحناحفيه من مواصفات الزعامة والقيادة ورباطة الجأش وقوة التحمل والصبر على المكاره ما يرشحه للأمور العظيمة والأحداث الجسام.فهو كفء لذلك، وأهل تحمل التبعات التكاليف لأنه من فرسان هذا الميدان.

أفكـاره وطروحاتـه:

من أهم الطروحات التي يدافع عنها الشيخ محفوظ نحناحهي: الشورى، والديمقراطية، والتطور، والتسامح، والتعايش، والاحترام المتبادل، واحترام حقوق الإنسان، ومشاركة المرأة في مجالات الحياة، وحوار الحضارات، واحترام حقوق الأقليات، وتوسيع قاعدة الحكم، والتداول السلمي للسلطة، واحترام الحريات الشخصية والأساسية، والوسطية والاعتدال، وتجسير العلاقة بين الحاكم والمحكوم.

وكان يرى ضرورة تغليب المصلحة الوطنية على المصلحة الحزبية والشخصية، ويدعو إلى التمييز بين ضرورة وجود الدولة وتقويتها ومنافستها ومعارضتها والمطالبة بخلعها وذهابها عند إساءتها، ويرى أن المشاركة في قاعدة الحكم أولى من الروح الانسحابية أو المعارضة الراديكالية.

وكان موقفه واضحاً من وقف المسار الانتخابي بالجزائرويعتبره خطأ كبيراً من الحكومة بحمل السلاح وجز الرقاب والحقد والتدمير. وفيما يتعلق بالغزو الأمريكي للعراق، فقد كان واضحاً غاية الوضوح، حيث دعا إلى بلورة موقف متقدم لقوى الأمة العربية لضمان حركة المعارضة للاحتلال الأمريكي للعراقومواجهة استراتيجيات الهيمنة على الأمة العربية والإسلامية.

وقد طالبت حركته “مجتمع السلم” بفتح قنوات الحوار أمام الجميع وإيقاف حملات العنف والعنف المضاد، والتكفل بالعائلات المتضررة من جراء المأساة الوطنية ورفع العقوبات التعسفية التي طالت بعض المواطنين من جراء انتماءاتهم السياسية، وتعويض المتضررين منهم، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وسجناء الرأي، بالتوازي مع إقامة محاكمات عادلة للمتورطين في الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان وكرامة المواطنين

والعمل الجاد والعودة بالبلاد إلى الوضع المستقر الآمن الذي يعيش فيه المواطن وهو آمن على نفسه وأهله من تغوّل السلطة أو استهداف المخرِّبين. وضرورة انصراف الحكومة إلى تأمين احتياجات المواطنين الجزائريين ورفع العنت والظلم عنهم وتيسير سبل الحياة الكريمة لهم، ولكل طبقات الشعب دون استئثار أو تفضيل لطبقة على طبقة أخرى، أو الاهتمام بشريحة من المواطنين دون أخرى، فالحكومة مسئولة عن جميع المواطنين دون استثناء أو تمييز.

شيوخـه

لقد تأثر الشيخ محفوظ نحناحبـ “مدرسة الإرشاد” التي هي مدرسة الحركة الوطنية، وشعارها: “الإسلامديننا، والعربية لغتنا، والجزائروطننا” كما تأثر النحناح بـ “جمعية العلماء المسلمين” التي هي جزء من الحركة الوطنية، إلا أنها تتميز بالإسلامية التي جعلتها نموذجاً آخر غير النموذج العادي في الحركة الوطنية.

ومن زعماء هذه المدرسة الشيخ عبد الحميد بن باديسالزعيم الروحي للجزائر، والمفسر للقرآن والمصلح والداعية الذي كان سلفي المنهج، صوفي السلوك، مجاهداً ضد الاستعمار، ومن زعماء هذه المدرسة أيضاً الشيخ البشير الإبراهيميالعالم الفذ في الأدب واللغة والإصلاح والفكر، وصاحب الصولات والجولات الذي نقل حقيقة الثورةالجزائرية، وهموم الجزائرإلى كل أنحاء العالم الإسلامي، ومن زعماء هذه المدرسة أيضاً الشيخ الفضيل الورتلاني الذي تجاوز حدود الوطن ليصبح مصلحاً عالمياً وهو قرين الشيخ الإبراهيمي وأحـد السياسيين المحنكين والعلماء الفطاحل والمصلحين المجددين، ترك آثاراً وبصمات في مصرواليمنوسوريةوتركياوالجزائر.

وهؤلاء العلماء الثلاثة من جمعية العلماء المسلمين كان لهم التأثير الكبير في شخصية الشيخ محفوظ نحناح، بالإضافة إلى الأستاذ مالك بن نبيوالإمام الشهيدحسن البنا، والشيخ محفوظي الجزائريوالشيخ محمد متولي الشعراوي، والشيخ محمد الغزالي، فضلاً عن المؤلفات القيمة للإمام ابن تيمية التي نهل منها الأستاذ النحناحودأب على دراستها.

هذه الشخصيات والمدارس الفكرية كان لها أبرز الأثر في تكوين شخصية الشيخ محفوظ نحناحوتحديد مسارها وانطلاقها في حقل الدعوة الإسلاميةالمعاصرة.

فالإمام الشهيدحسن البنامجدد القرن الرابع عشر الهجري، الذي نقل فكر الإسلاممن النظرية إلى التطبيق، وعمل على وحدة الأمة الإسلامية وتخليصها من الاستعمار بكل أشكاله، كان له تأثير كبير جداً على الشيخ محفوظ نحناححيث سلك طريقه ومنهجه وأسلوبه في الدعوة إلى الله، لأن الإمام حسن البناليس رجلاً محدود العمل في دولة أو قطر، بل كان يملك نظرة عالمية، تجمع بين المعاصرة والأصالة وهذا ما سار عليه الشيخ محفوظ نحناحوبخاصة بعد ارتباطه العضوي بحركة الإخوان المسلمينالعالمية.

وكان يفقه مقولة الإمام الشهيدحسن البنافي توجيه الشباب حق الفقه ويضعها نصب عينيه إذ يقول الإمام البنا: “ألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول، وأنيروا أشعة العقول بلهب العواطف وألزموا صدق الحقيقة والواقع، واكتشفوا الحقائق في أضواء الخيال الزاهية البراقة، ولا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة ولا تصادموا نواميس الكون، فإنها غلابة، ولكن غالبوها واستخدموها وحولوا تيارها واستعينوا ببعضها على بعض، وترقبوا ساعة النصر وما هي منكم ببعيد“.

مواقفــه:

لقد كان للشيخ محفوظ نحناحمواقف كثيرة تدل على أصالته وصدق لهجته وعمق فهمه للأحداث وطرح المفاهيم المستقاة من الإسلامكتاباً وسنة، والمأخوذة من مواقف السلف في معالجة ما يستجد من أحداث وقضايا ومشكلات في حياة الناس والمجتمعات وطرح الحلول الناجعة لعلاجها والتصدي للآراء المنحرفة والأفكار البعيدة عن المنهج الإسلامي الصحيح.

ومن هنا نجد أنه بعد التشاور مع إخوانه وعرض وجهات النظر للقضايا والاستهداء بالكتاب والسنة وما أجمع عليه سلف الأمة، يكون اتخاذ القرار الحاسم في المواقف دون تردد لأنه يرى وإخوانه أن في ذلك مصلحة للأمن والوطن، ومن ذلك دخول الانتخاباتالتشريعية، بل إنه رشح نفسه لانتخاباتالرئاسة سنة 1995موحصل على المرتبة الثانية بأكثر من ثلاثة ملايين صوت حسب النتائج الرسمية المعلنة. كما شارك الأستاذ النحناحفي العديد من المؤتمرات والملتقيات الدولية في الدول العربية والإسلامية والآسيوية والإفريقية والأوروبية والأمريكية.

وكان مسار حركتهحركة مجتمع السلمنبذ العنف والحفاظ على قيم المجتمع الجزائري وتبني الإسلاموثوابت الأمة الجزائرية والسعي لإقامة السلم والوئام الوطني في الجزائروحماية حقوق الإنسان وكرامة المواطن. والحركة تعتمد على الحوار وعلى الحل السياسي وضرورة فتح قنوات الحوار أمام الجميع.

وقد أدان الشيخ محفوظالعنف بكل صوره وأشكاله سواء من الدولة أو من الجماهير، واعتبر أن هذا غريب عن منهج الإسلاموالمسلمين، وكرس جهوده للدفاع عن العقيدة الصحيحة وقيم الوسطية والاعتدال. وقد دفعت حركته ضريبة غالية من دماء أبنائها حيث ذهب أكثر من خمسمائة شهيد من إخوانه ومحبيه ومناصريه وعلى رأسهم رفيق دربه الشهيد الشيخ محمد بوسليمانيالذي اغتيل عام 1994معلى يد مسلحين تكفيريين.

وأذكر أن الشيخ بوسليمانيزارني في مكة المكرمة وشرفني في بيتي في نفس العام، حيث وجدت فيه الخلق الإسلامي والتواضع الجم، وإنكار الذات، والفهم العميق لدينه، والوعي الرشيد لمرحلة الدعوة، وأكبرت فيه فقهه لطبيعة المرحلة ومتطلباتها، ولا غرو في ذلك فهو من إخوان النحناحوأعوانه الخلص.

ولقد دخلتحركة مجتمع السلمالانتخاباتالنيابية وحصلت على 70 نائباً، كما شاركت في الحكومة بسبعة من الوزراء. ورغم التدخلات وخلط الأوراق فيما بعد، بقيتحركة مجتمع السلملها ممثلوها في البرلمان الجزائري وفي الحكومة، وإن كانوا بعدد أقل من السابق.

رحلاته ومحاضراتـه:

قد كانت للأخ محفوظعلى مدار العام رحلات طويلة وقصيرة طاف فيها أرجاء العالم العربي والإسلامي والعالم الغربي وإفريقيا وآسيـا، فقد زار الولايات المتحدة الأمريكية وسعدت بحضور محاضراته في دار الهجرة بواشنطن كما زار إسبانيا وفرنسا والسويد وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا وألقى فيها جميعاً محاضرات وعقد ندوات. كما تعددت وتكررت زياراته ومحاضراته وندواته في المملكة العربية السعوديةوالكويتوقطروسوريةوالأردنوالسودانوالمغربوليبياوغيرها.

وكان في معظم محاضراته يركز على ضرورة الالتزام بالمنهج الوسط والتدرج في الخطوات وعدم الانسياق وراء الدهماء والعوام لأن أهواء العوام لا تهادن كما يول شيخه محمد الغزالي. ورأى أن التطرف والغلو يعطي المسوغات للأنظمة الجائرة وأزلامها من العلمانية فرصة الانقضاض على الحصون الإسلامية.

ومن محاضراته التي ألقاها أثناء رحلاته محاضرة “الصحوة الإسلامية .. واقع وآفاق” ألقاها في المغربسنة 1990موكانت تتصف بالاتزان وتبشر بخيار المصالحة بين الأنظمة والحركات الإسلامية المعتدلة، فضلاً عن موقفه المؤيد لتسوية إيجابية لقضية الصحراء. وكان طيلة فترة توتر العلاقات المغربية الجزائرية صوتاً للحكمة والتعقل داخل الجزائر، داعياً إلى تسويتها بمنطق الحوار والتفاهم المتبادل للمصالح المشتركة. وكان حريصاً على التواصل مع القوى السياسية والوطنية بالمغرب.

وقد سعدت بحضور محاضرة له في عمانبالأردنكان فيها واضحاً غاية الوضوح، وصريحاً غاية الصراحة، حيث لم يهادن أحد وهو يعرض الحقائق على الأرض بتفاصيلها ويشخص الوضع الجزائري بكل أبعاده ويصف الحرب المستعرة بين الحكومة وحملة السلاح في الجبال، وكيف أن الأفعال وردود الأفعال هي المسيطرة على دوام الاقتتال وذهاب الأرواح وتخريب البلاد.

وهذا الأسلوب يأباه الإسلاموترفضه تشريعاته وأحكامه، فإن الدم المسلم غال ومحترم، والنفس البشرية مصانة ومعصومة. وتلك ولا شك فتنة وبلاء، ومحنة ومصيبة، أحرقت الحرث والنسل، وولدت الشحناء والبغضاء، والخاسر فيها هو الشعب الجزائري والدولة الجزائرية على حد سواء، وحين سئل عقب المحاضرة عن الذي يجري في الجزائرأجاب: هناك تيار يريد ربط الجزائربباريس وتيار آخر يريد ربط الجزائربابن باديس.

فأدرك السامعون القصد وفهموا سر الصراع بين الإسلاميين والفرانكفونيين بالجزائر.

معرفتي بـه:

أول من حدثني عنه وذكر لي صفاته وأخلاقه، هو الأخ مصطفى محمد الطحانالذي التقاه بالرياض سنة 1972م، ثم التقيت به في الكويتوالمملكة العربية السعودية، والجزائر، وألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا، وتركيا، مرات عديدة وعلى سنوات متتابعة، حيث اللقاءات مع قادة الحركات الإسلامية في العالم كل عام تقريباً.

من أجمل تلك اللقاءات كان في ألمانيا وفرنسا، حيث اجتماعات مجلس الشورى العالمي للإخوان المسلمين. وكان في فترات الراحة نتجاذب أطراف الحديث ونتبادل المداعبات والطرف التي كان يتحفنا بها أستاذنا الحاج عباس السيسيالذي يعطر المجالس بطرفه ولطائفه ويدخل السرور على إخوانه، ويشاركه الأخ الدكتور الحبر نور الدايممن السودانوالأخ محفوظ نحناح.

ولقد تكررت اللقاءات في مكة المكرمة في مواسم الحج والعمرة في رمضان، حيث يزورني في البيت والرابطة وفي بيوت الإخوانومساكن الطلبة الجزائريين.

وكذا الحال أثناء زياراته للكويتلجمعية الإصلاح الاجتماعي والهيئة الخيرية الإسلامية العالمية ومنزل الأخ عبد الله المطوعوبقية إخواننا الكويتيين.

وكنت معجباً غاية الإعجاب بعصاميته وقوة شخصيته وفقهه الدعوي والسياسي وفصاحة منطقه وبلاغة عباراته ونبرات صوته وصدق تحليلاته وجرأته وشجاعته وصبره ومصابرته وقدرته على الحوار، وإقناع الآخر بوجهة نظره، وعمق إيمانه بدينه.

 

قالوا عنـه:

يقول عنه رفيق دربه الأخ المهندس مصطفى محمد الطحانالأمين العام للاتحاد العالمي للمنظمات الطلابية: “التقيته أول مرة سنة 1972مفي إطار لقاء الندوة العالمية للشباب الإسلامي في الرياض ..

وفي عام 1973مكنت في زيارة للمغرب، ثم الجزائر .. وعندما أنهيت معاملة الوصول وخرجت، وجدت الأخ محفوظ نحناحيستقبلني فاتحـاً ذراعيه ولا أنسى حرارة ذلك اللقاء وأهميته وفائدته، ذهبنا في سيارته الصغيرة “الفولكس واجن” إلى بلدته “البليدة” وأقمت عنده في بيت العائلة الواسع الكبير ..

وفي أحد مساجد العاصمة جلست أستمع لدرس الشيخ محفوظالذي كان كالنهر المتدفق .. كلمات واعية .. وإيماءات واضحة .. وتوجيه سليم .. وإخوة شباب يلتفون حولنا يسألون الشيخ عن درسه .. وعما بعد الدرس..

واستغربت أن يكون مثل هذا الطرح الجريء .. والأيام الحاكم فيها “هواري بومدين” والتوجه للدولة اشتراكي علماني ..

ويظهر أن شيخنا قرر أن يقول كلمة الحق واضحة ويعتصم بالصبر مهما تكن النتائج. وذهبنا إلى مسجد الطلبة بالجامعة المركزية الذي ساهم في فتحه الأخ محفوظوخطب فيه خطبة الجمعة، وكانت الأوضاع وقتها في الجامعة بعيدة كل البعد عن المظهر الإسلامي. وحين سألته: الأوضاع صعبة يا شيخنا.. أجابني: “ولتعلمن نبأه بعد حين”. وبعد هذا كنت أزور الجزائرمرة في السنة.

وفي مرة زرنا معاً القاهرة، وكنا على موعد مع رجالات الدعوة الذين خرجوا لتوهم من غياهب سجون عبد الناصرالتي قضوا فيها ما يزيد على العشرين عاماً. وكان لقاءً موفقاً سعد به الجميع أعقبه عهد وموثق. وفي سنة 1975متم اعتقال الشيخ محفوظ نحناحوالحكم عليه خمسة عشر عاماً بعد نشره بياناً بعنوان “إلى أين يـا بومدين؟

وفي عام 1990لقيت الشيخ محفوظ في طرابلس الغرب حيث كان الاجتماع لمناقشة قضية الاحتلال العراقي لدولة الكويتكان البعض يؤيد العراقوالآخر مع حق الكويتوحرية أبنائه .. ورأيت الشيخ محفوظيزأر كالأسد ويقول: كلكم مهتم بحفظ ماء وجه صدام حسين .. ولا أرى أحداً يهتم بدماء أهل الكويت ..

وكان آخر لقاء في إسطنبول بشهر يوليوسنة 2002م، حيث جاء مع أسرته لقضاء فترة نقاهة بعد آلام مبرحة ومعالجات طالت لم أعرف يومها ذلك، فقد كانت صلابة المجاهد تغلب عليه، خاصة عندما يتعلق الأمر بشخصه.

هذا، وقد أُلفـت عنه الكثير من الكتب من أهمها: “رجل الحوار محفوظ نحناح، و”خطوة نحو الرئاسة”. كما أن له الكثير من المحاضرات المطبوعة وأهم كتبه هو: “الجزائرالمنشودة المعادلة المفقودة: الإسلام.. الوطنية.. الديمقراطية“. وله أكثر من ألف شريط مسجل يضم المحاضرات والدروس وخطب الجمعة.

وفاتــه:

جاء نعيه على لسان الناطق الرسمي باسم الحركة الأستاذ سليمان شنين الذي قال: “ننعي إلى العالمين الإسلامي والعربي وفاة الشيخ محفوظ نحناحرجل الوسطية والاعتدال والتسامح الذي سيترك رحيله فراغاً كبيراً على المستويين الوطني والدولي“.

والشيخ محفوظرئيس حركة “مجتمع السلم” يتولى منصب المراقب العامللإخوان المسلمينفي الجزائرمنذ سنة 1981م.

وكان رحمه الله د قاسى المرض الخطير أكثر من سنة، حيث استقر في دمه وعظامه، ولكنه كان صابراً لا يشكو، وقد ذهب إلى فرنسا للعلاج، وبعد ثلاثة أشهر عاد إلى وطنه لتقرير الأطباء استحالة العلاج، فكانت وفاته بين أهله وإخوانه الذين يحبهم ويحبونه يوم 19-62003 م

رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقـاً. والحمد لله رب العالمين.

 

اترك تعليقًا