المخاض و المولد

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام على الرسول الأمين محمد وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين.

في رحاب المولد النبوي الشريف وبداية العام الميلادي الجديد تمر الأمة الإسلامية بأحداث جسام تكتنفها من كل جانب ليس لها من دون الله كاشفة إذ بيده الأمر من قبل ومن بعد واليه ترجع الأمور ومن ارجع الأمر إلى الله كفاه ” أليس الله بكاف عبده” وهو القائل سبحانه وتعالى :

” وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ”

سورة النور الآية 55

” ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ”

سورة القصص الآية 5-6

المخاض العسير

إن حال الأمة اليوم هو حال المخاض العسير لولادة نهضتها وبداية انعتاقها وتحررها

وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق

* فالدماء السلمية التي تضرج الأيادي المتوضئة إنما هي مهر الحرية وثمن التحرر وحقوق الشعوب والأفراد وإيذان بزوال الظلم والظالمين ” إن ربك لبالمرصاد ” للذين طغوا وتجبروا وأكثروا في الأرض الفساد.

* والصبر الذي صاحب الابتلاءات إنما هو تمسك بالهدي النبوي في قول الحق للسلطان الجائر الذي يصل به الظلم إلى قتل النفوس البريئة وإهدار الحقوق العامة للناس.

* والمدافعة بالتي هي أحسن إنما هي الثبات على المنهج الوسط الذي لا يبيح الاعتداء والظلم ولا يتجاوز في ردود الأفعال ولا يتخلى عن السلمية مهما كانت الاستفزازات لان هدم الأوطان وتدمير الحضارة إنما هو فعل الطغاة والبغاة والله عز وجل قال ” ولا تطغوا”.

* وعدم الركون إلى الذين ظلموا منهج قرآني عاصم من العذاب قال تعالى “ولا تركنوا إلى الذين ظلموا” وهو الذي يفعله الأخيار الثابتون على الحق في هذه الأوضاع التي ألمت بالأمة الإسلامية وداهمت المشروع الرسالي فيها بعد أن اخرج شطأه فاحتاج إلى السقي بالدماء السلمية ليشتد عوده ويستغلظ ويستوي على سوقه.

* و الانتصار لقضايا الشعوب و التخندق معها هو صورة من صور تحول الجماعة من الفئة إلى الشعب ومن الخاصة إلى العامة و هو دليل علي قبول وضعه الله للجماعة و المشروع الإسلامي في قلوب الناس فالتفوا حوله و ضحوا من أجله و شدهم إليه ما رأوه من تضحيات

حاملي رايته و الدعاة إليه و إنما ذلك رمز من رموز النجاح و الانتصار الذى يخلد الرسالة و الفكرة باستشهاد حامليها كما فعل أصحاب الأخدود.

* و الحملة العدوانية التي تظاهر فيها الشرق و الغرب علي الإسلام وأيدتهم في ذلك بعض الأنظمة الجائرة في الأمة العربية بالمواقف المخزية وإنفاق المال لإجهاض الشرعية إنما ذلك علامة من علامات الاصطفاء والتميز بين الخبيث والطيب و من كان الله وليه وعاداه أولياء الشيطان فان الله تعالى قال:

“إن كيد الشيطان كان ضعيفا” سورة النساء الآية 76

وقال تعالى:

“ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين” سورة الانفال الآية 30

عام العسر و الولادة

إن الفجر لا يبزغ إلى من وسط غاسق الظلام و اليسر ينبعث من وسط العسر “إن مع العسر يسرا” و أن ما حدث في أرض الكنانة من أحداث متسارعة بدأت بثورة الشعب على نظام ظالم غاشم و انتهت بانقلاب عسكري ظالم متربص على شعب مسالم و استمرت ممناعة هذا الشعب سلما ضد الطغيان بدفع ضريبة الدم و الوقت و الجهد لحماية شرعيته دون تدمير مكتسبات دولته مع قلة النصير و كثرة العدو وتنوعه, و ما حدث في أرض البنغال من إعدام الشهيد عبد القادر الملا رحمة الله عليه , و ما يحدث في تونس من انقلاب على أهل الدعوة وأصحاب الشرعية , و ما يحدث في ليبيا و اليمن من تناحر و اقتتال و اضطراب و هرج ومرج , و ما يحدث في السودان من اضطراب و صراع و ما حدث في مالي و ما يحدث في باكستان و أندونيسيا كل ذلك وقبله ما يحدث في أفغانستان و إيران و لبنان و العراق و سوريا حيث تستهدف أرض السنة و الشيعة معا على السواء و تستباح دماء أهل الإسلام على اختلاف مذاهبهم لكي تبقى فلسطين حبيسة الاستعمار الصهيوني كلما ثارت ثورة أبنائها لتحرير القدس واسترداد الحق المغصوب كلما شهدت أمتنا أحداثا جساما صرفتها عن مد العون إلى الجهاد المستمر في فلسطين الشاهدة وتثبيت أهل الرباط في الأقصى وأكناف الأقصى.

و لكن إن تكثر الآلام و المحن فإن منهج الإسلام يدعو إلي رؤية تلك الآلام منحا يبرق برق أنوارها الزاهية في ظلمات الليالي الحالكات، فإنما هي عقود عجاف أكلت سنين سمان يأتي بعدها بإذن الله عام فيه يغاث الناس و فيه يعصرون و نرجو أن يكون هذا العام عام الغوث الرباني الذي تفرج فيه الكروب وينبلج فيه الصبح و تنطفئ نيران الشرك و الظلم و الاستبداد كيف لا وقد صادف أول هذا العام دخول شهر ربيع الأول الوعاء الزمنى لولادة المصطفي صلى الله عليه وسلم التي انطفأت لها نيران المجوس وانشق لها إيوان قيصر و الذى يضل ميلاده تذكيرا للأمة بالرحمة المهداة و الرسالة المزجاة للعالمين.

فقد كانت ولادة رسول الله صلي الله عليه و سلم في ظل نظام دولي ثنائي القطبية بين فارس و روم و لم تمض إلا سنوات قليلة حتى أصبح الإنسان حرا آمنا في عقيدته و حقوقه و حرياته و معاشه في النظام الدولي الجديد الذى حمل شعار”لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي” فرحب الناي برسالة الاسلام واتبعوا دين الله طواعية بعد قرون من الظلم و الإكراه و العبودية لغير الله.

واجبات الأمة في المرحلة

1- إن أمة الإسلام مطالبة بنصرة الحق قال تعالى “إن تنصروا الله ينصركم” و الحق أبلج واضح ناصع لأن الشعوب الإسلامية انتصرت من الظلم و هبت لإعلاء كلمة الحق و ثار عليها الظالمون و اغتصبوا حقها مرة أخرى و على كل فرد في أمتنا الإسلامية جمعاء واجب النصرة و “من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم” و “مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمى”.

2- الإنكار وعدم الاعتراف بالظلم و نتائجه و انقلاباته و مؤسساته فما نتج عن باطل فهو باطل وقد قال تعالى ” بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق” سورة الانبياء الآية 18

“أما الزبد فيذهب جفاء و أما ينفع الناس فيمكث في الأرض ” سورة الرعد الآية17

2- الانخراط في منهج السلمية في تغيير أحوال الأمة و التفنن في وسائله و أدواته حتى تزول السلط الظالمة و تبقي أرض الإسلام عامرة و ليست دمارا.

3- الخروج من مخلفات المذهبية و الطائفية و العرقية فإنما هي خناجر في خاصرة الأمة تبررها لأصحابها تفاصيل الأحداث فيذهلون عن أصل الدين و أسباب التمكين و يأكل ثورهم الأسود يوم أكل الثور الأبيض.

5- تعميق روح الجامعة الإسلامية و الحوار بين الجماعة الوطنية فقوة الأمة في رباط العقيدة وقوة الوحدة و صلابة جسمها في تماسك أوطانها و إنكارها علي من جاء إلى الأمة الواحدة يفرقها يساوي إنكارها على من خرج عليها يقتل برها وفاجرها.

6-رسالة الإسلام عالمية في رفع رايتها سعادة البشرية فلا يصح أن تكون لكل اديولوجية راية عالمية ولاتكون للإسلام راية عالمية فعزة المسلمين في وحدتهم وإقبار المذهبية والطائفية والعرقية فإنها خطوات الشيطان وسلاح أعداء الأمة.

ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين” سورة المنافقون الآية 08

اخوكم مصطفى بلمهدي

ربيع الاول 1435

اترك تعليقًا