أ.جمال الدين عماري:ً حاجة البشرية إلى محمد صلى الله عليه و سلمً

حاجة البشرية لرسالة محمد(ص)

الحمد لله الذي” نزَل القرآن على عبده ليكون للعالمين نذيرا.”(آ1 الإسراء) وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. أكرمه ربه فشرح صدره، ورفع ذكره ووضع عنه وزره، وجعله سراجا منيرا. فأخرج به الناس من الظلمات إلى النور، وهداهم إلى صراطه المستقيم. قال تعالى :” وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين.”(آ107 الأنبياء) فهو عز وجل يحصر الرسالة رسالة المصطفى في الرحمة العالمية. إنه نبي الرحمة القائل: “الراحمون يرحمهم الرحمان، ارحموا أهل الأرض يرحمكم أهل السماء. فقد اقتضت حكمة الرحمان الرحيم أن يكون القرآن رحمة، ومحمد رحمة، والإسلام كله رحمة، كيف لا وهو الدين الحق الذي ارتضاه الله لعباده، “اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام دينا.”(آ3 المائدة) فهو صلى الله عليه وسلم صاحب الشمائل الزكية والأخلاقالعلية، مما أهله لنيل الثناء والمدح من فوق السبع الطباق:” وإنك لعلى خلق عظيم.”(آ4 القلم)

ولم يكن ذلك صدفة بل كان تقديرا إلهيا وتدبيرا ربانيا لرجل اختاره الله لأعظم مهمة على مر الدهور، مهمة الرسالة الخاتمة والرحمة الشاملة. ويكفي ليدرك المنصف أيا كان دينه أن ينظر في أحوال العرب قبل نزول هذا الوحي على قلب نبينا ثم لينظر مرة أخرى في أحوالهم بعد ذلك وسيجد البون شاسعا والفرق كبير. إن النبي الأمي استطاع في أقل من ربع قرن أن يجعل من رعاة الغنم قادة للأمم. ولعلى الكلمة التي تقدم بها الصحابي الجليل جعفر بن أبي طالب أمام النجاشي ملك الحبشة تبين  النقلة والتحول الذي حدث في حياة  القوم. حيث قال : “أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، حتى بعث الله إلينا رسولا منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم، وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور، وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات، فصدقناه وآمنا به، واتبعناه على ما جاء من ربه فعبدنا الله وحده ولم نشرك بيه شيئا ، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا، فعذبونا وفتنونا ليردونا إلى عبادة الأوثان، وإلى ما كنا عليه من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلادك ورغبنا في جوارك، ورجونا ألا نظلم عندك.”

وأيضا ما قاله ربعي بن عامر لرستم ملك الفرس حين سأله: وما جاء بكم؟ فقال له: إن الله ابتعثنا وجاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه.”

إن حوارا وحديثا مثل هذا الذي صدر من هذين الصحابيين الكريمين- رضي الله عنهما- يدل بوضوح أنه صلى الله عليه وسلم أحدث تغييرا كبيرا في حياة الناس، وأنه غير القلوب والعقول والنفوس قبل كل شيء، فتغيرت حياتهم من حال سيء إلى حال أحسن. لقد أعاد صياغة وتشكيل العقلية والنفسية للإنسان العربي من منطلقات ومباديء قرآنية جديدة جاء بها نبي الرحمة. فكان المعلم الحكيم والمربي الوقور والمرافق النصوح، يحتضن الجميع يربي ويعلم، يوجه وينصح، ويرشد الكل، الرجال والنساء الكبار والصغار، الأغنياء والفقراء الأقارب والأباعد، برفق وشفقة ورحمة وحب. هكذا كان ديدنه صلى الله عليه وسلم حتى ارتحل من هذا العالم. قال تعالى:” هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم، يتلو عليهم آياته، ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين.”(آ 2 الجمعة) فصنع منهم رجالا عظاما وفاتحين بارزين وقادة كبار وعلماء أجلاء وفقهاء جهابذة، مازالت مآثرهم حية إلى يوم الناس هذا، بل وإلى يوم الدين.

لذلك هيأه الله عز وجل ورباه لتحمل هذه المهمة فاتصل بالناس وعرك الحياة بمرها ومرراها، وخلا بربه عز وجل ليصفو قلبه من أدران الكون فيتهيأ عقله وتستعد روحه للتلقي عن المكون عز وجل. ومن هنا كانت رسالة المصطفى هدفها المحوري هو الارتقاء بالبشرية والصعود بالإنسانية من المستوى البهيمي إلى المستوى الإنساني. إذن فالإنسانية التائهة والبشرية الضائعة وجدت ضالتها في بعثة النبي من حيث السمو والرفعة والأمان. لأن الهدف هو الإنسان والغاية هي سعادته ونجاته

وللإنسان تساؤلاته الكبرى منذ أن وجد على ظهر هذه الأرض: من أنا؟ ومن أين أتيت؟ وكيف أتيت؟ ولماذا أتيت؟ وإلى أين المصير؟ وما الغاية؟ لقد أعيت هذه الأسئلة ومثيلاتها كبار الفلاسفة قديما وحديثا، وقد عجزت المسيحية وكانت اليهودية أعجز في الإجابة عن هذه الأسئلة إجابة كافية وافية.

ورحمة بالخلق تكفلت رسالة محمد بالإجابة عن كل هذه الأسئلة إجابة كافية شافية وافية كي تطمئن الإنسان وتريحه، وتحل له ألغاز الوجود، وتنقذه من عذاب التساؤلات، وظلام الحيرة وقلق الشك، لأنه كلما ابتعد الإنسان عن منارة الوحي هاجمته شكوكه وأقبلت عليه وساوسه، واستبد به شياطين الإنس والجن، وأحدق به أنصار الشر والفساد. فأراد الله لهذه البشرية الحائرة رسالة خالدة. ” قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين، يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام، ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه، ويهديهم إلى صراط مستقيم.”(آ 15 المائدة) ومن نعم الله عز وجل ورحمته أنه تفضل عليها بالقرآن ومثله معه” ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه.”

رسالة هادية تُخرج الناس من الظلمات إلى النور، من ظلمة الجهل إلى نور العلم، ومن ظلمة الكفر إلى نور الإيمان، ومن ظلمة المعصية إلى نور الطاعة، من ظلمة الشك إلى نور اليقين، من ظلمة الخوف إلى نوزر الرجاء والأمان، ومن ظلمة الجور إلى نور العدل والقسط، ومن ظلمة العصبية الجاهلية إلى نور الأخوة الإنسانية. واضحة بينة ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. لا لبس فيها ولا غموض، إنها أجلى من الشمس في رابعة النهار، غير أن الأعشى لا يراها، والأعمى لا يستفيد من نورها. إنها رسالة محمد، رسالة الإنسان، رسالة السعادة، رسالة الحرية، رسالة العدالة، رسالة الحضارة، رسالة الرحمة.

وفي كثير من الأحيان يجهل الإنسان بدوافع من رغباته وأهوائه كم هو محظوظ! لأنه يتقلب في ربيع النعمة الإلهية والبركة المحمدية. فيُعرض الإنسان فردا أو جماعة عن الاحتماء بمظلة الإسلام. ويَهيم في الأرض مُلاحقا شهواته في فيافي الأوهام ومَفاوز الآثام، ولا يَكتشف ضلالَه وضياعَه إلا بعد فوات الأوان، وكان يَكفي الإنسان لكي يقي نفسَه هذا الضلال والتيه أن يثق بربه عز وجل، ويقبل رسالتَه الهادية، ويقبل رسولَه المُبلغ المُبشر، ويعتصم بحبله المتين ونوره المبين، فيوفر على نفسه ألوانا من الضنك وأشكالا من الخيبة في مسيرة الحياة.

لقد كان صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في كل شيء، والأسوة الحسنة لمن يبحث عن الحق والحقيقة، لمن يطلب الأمن والأمان، لمن يريد النجاة والنجاح والفلاح والسعادة في العاجل والآجل. إن صاحب كل فطرة سليمة يرغب ويحب الكمال، وخير من جسد الكمال الإنساني – والكمال لله- نبينا محمد الرسول الخاتم. ولذلك قال أهل العلم تأمل اسم محمد فحرفا الميم والدال معناهما محا الله به الظلمة، والميم والدال مد به الخير والهداية والصلاح في ربوع الأرض. إنه يجسد الإنسانية في أرقى صورها، وقالوا أيضا:  عن الميم في كلمة محمد هي رأس الإنسان، والحاء الجناحان أو الطرفان العلويان، والميم الثانية تمثل وسط الإنسان، والدال يمثل الرجلين أي الطرفان السفليان. فهو النموذج والقدوة لكل من يحترم إنسانيته، ويريد أن يرتقي إلى مستوى الإنسان الرسالي خليفة الله في أرضه، الصالح المصلح في هذه الحياة الدنيا. ” وفي أنفسكم، أفلا تبصرون.”(آ 21 الذاريات)

اترك تعليقًا