دور المجتمع المدني في تحقيق التنمية الشاملة الجزء الأول


الأستاذة: أسمهان مقران

عضو الأمانة الوطنية للمرأة بحركة البناء الوطني

عضو بالمجلس الشعبي الوطني

الجزء الأول
مقدمة :
أدت عديد من العوامل الموضوعية إلى طرح رؤى جديدة حول مفاهيم المشاركة والمناهج المختلفة للتنمية، فليس للتنمية طريق واحد، ولكن طرق متعددة. وقد كان مصطلح الشراكة وليد هذه الظروف، وتعبيرا عن فهم جديد لأهمية المنظمات غير الحكومية ودورها في التنمية. ولذلك أعيد إحياء مصطلح العقد الاجتماعي ولكن بمفهوم جديد، قائم على أنه من خلال عملية ديمقراطية لابد من تأسيس مثلث فاعل، أضلاعه الحكومة والمجتمع المدني والسوق، مهمته الأساسية تحقيق التنمية في المجتمع، وهكذا أصبح من المتداول الحديث عن ثلاثة قطاعات أساسية فى مجال التنمية: القطاع الأول المتمثل فىالحكومة،والقطاع الثاني وهو القطاع الخاص، والقطاع الثالث وهو المنظمات غير الحكومية أو مؤسسات
المجتمع المدني .
. ماهية المجتمع المدني :
-1-1 تعريف المجتمع المدني:
يعرف المجتمع المدني بأنه جملة المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعمل في ميادينها المختلفة من أجل تلبية الاحتياجات الملحة للمجتمعات المحلية وفي استقلال نسبي عن سلطة الدولة وعن تأثير رأسمالية الشركات في القطاع الخاص، حيث يساهم في صياغة القرارات خارج المؤسسات السياسية ولها غايات نقابية كالدفاع عن مصالحها الاقتصادية والارتفاع بمستوى المهنة والتعبير عن مصالح أعضائها، ومنها أغراض ثقافية كما في اتحادات الأدباء والمثقفين والجمعيات الثقافية والأندية الاجتماعية التي تهدف إلى نشر الوعي وفقًا لما هو مرسوم ضمن برنامج الجمعية
-2-1 عناصر تكوين المجتمع المدني :
أ – يمثل العنصر الأول بفكرة “الطوعية” أو بكلمة أخرى المشاركة الطوعية التي هي بالأساس الفعل الإرادي الحر أو الطوعي. 
ب – العنصر الثاني هو أن المجتمع المدني منظم: وهويتشمل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ج- العنصر الثالث يتعلق “بالغاية” و “الدور”: التي تقوم به هذه التنظيمات، والأهمية الكبرى لاستقلالها عن السلطة وهيمنة الدولة. من حيث هي تنظيمات اجتماعية تعمل في سياق وروابط تشير إلى علاقات التضامن والتماسك أو الصراع والتنافس الاجتماعي.
د – آخر هذه العناصر يكمن في ضرورة النظر إلى مفهوم المجتمع المدني باعتباره جزءًا من منظومة مفاهيمية أوسع تشمل على مفاهيم مثل: الفردية، المواطنة، حقوق الإنسان، المشاركة السياسية، والشرعية الدستورية…الخ 
-3-1 العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني :
إن الأصل في العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني إنها علاقة تكامل واعتماد متبادل وتوزيع للأدوار، وليست علاقة تناقض أو خصومة، فالمجتمع المدني ما هو إلا أحد تجليات الدولة الحديثة التي توفر شرط قيامه عن طريق تقنين نظامٍ للحقوق ينظم ممارسات كافة الأطراف والجماعات داخل المجتمع. كما أن المجتمع يعتمد على الدولة في القيام بوظائفه الأساسية الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية من خلال ما تضعه من تنظيمات. فالدولة والمجتمع المدني متلازمان، لا دولة من دون مجتمع ولا مجتمع من دون دولة، بل إن المجتمع المدني هو وليد قوة الدولة ومن أجل موازنة قوتها ، لقد كان المجتمع المدني والدولة القوية حصيلة التطور المتوازي. كما أن الدولة تستطيع أن تسهم في تقوية المجتمع المدني أو في تطور مجتمع مدني صحي من خلال وضع قوانين واضحة قابلة للتطبيق لعمل هذا المجتمع، وأيضًا تقديم حوافز له.وعلى الصعيد المقابل فإن منظمات المجتمع المدني تصبح أكثر فعالية في المشاركة في عملية صنع السياسة، إذا كانت الدولة تتمتع بسلطات متماسكة قادرة على وضع السياسات وتنفيذها.
-4-1 المجتمع المدني في الوطن العربي :
تشكل المنظمات غير الحكومية في الوطن العربي أو ما يطلق عليها الجمعيات الأهلية العربية،العمود الفقري للمجتمع المدني. ورغم نشأة هذه المنظمات في كثير من البلدان العربية منذ زمن بعيد،فإن العقود الأخيرة من القرن العشرين شهدت صحوة ملحوظة ونمو غير مسبوق في تأسيس المنظمات غير الحكومية. وقد كان ذلك في الواقع نتاج متغيرات عديدة سياسية واقتصادية واجتماعية بعضها لها لمسة عالمية والأخرى محلية. يمكن تحديد ثلاث مجموعات من العوامل أسهمت في هذه الصحوة :
أولها السياسات الاقتصادية التي اتبعتها معظم البلدان العربية منذ منتصف الثمانينيات والتي تمثلت في التحرير الاقتصادي وتخلي الدولة عن جزء كبير من الدور المحوري التي كانت تشغله اقتصاديًا واجتماعيًا. وقد كان وراء ذلك تفاعل الضغوط القادمة من المؤسسات المالية الدولية مع الأزمة الاقتصادية التي أمسكت بخناق غالبية الأنظمة السياسية العربية.
أما المجموعة الثانية من المتغيرات فمرتبطة بالتحولات الديمغرافية والاجتماعية التي شهدتها تلك البلدان مثل تزايد عدد السكان وما يفترضه ذلك من احتياجات جديدة .
تدور المجموعة الثالثة من المتغيرات حول الدور الذي لعبته المؤسسات المالية الدولية .ولا يفوت في هذه النقطة الإشارة إلى الدور الذي لعبته أيضًا منظمة الأمم المتحدة في مؤتمراتها المختلفة من خلال تأكيدها على ضرورة مشاركة المنظمات غير الحكومية في صنع السياسات وصياغة خططا لتنمية.كل هذه المتغيرات مهدت الطريق إلى تحولات جذرية على مستوى الكم والكيف في أوضاع المنظمات غير الحكومية العربية. فقد تزايد عدد هذه المنظمات بنسب كبيرة في بعض الأقطار العربية مثل مصر واليمن وتونس والجزائر والمغرب. يقدر عدد المنظمات غير الحكومية وفقًا إلى التقريرالذى أصدرته الشبكة العربية للمنظمات الأهلية عام ب 230 ألف منظمة في عام 2002
لم تقتصر التحولات على النمو الكمي في أعداد المنظمات غير الحكومية، لكن تجاوز ذلك إلى تحول كيفي يتعلق بأنشطة وفعاليات هذه المنظمات. فقد برز جيل من المنظمات الدفاعية التي تقوم بدور تنويري وتنشط في مجال حقوق الإنسان والمرأة والطفل والفئات المهمشة. إلى جانب ذلك وضح الاهتمام بمكافحة الفقر وتبني منهجٍ جديدٍ للتعامل مع هذه المشكلة، يستند إلى فكرة التمكين وليس مجرد تقديم المساعدات الخيرية. كما احتلت قضية مكافحة البطالة مكانة أساسية في بعض الدول العربية مثل مصر والأردن والمغرب من خلال تركيز المنظمات غير الحكومية في هذه البلدان على التدريب والتأهيل والمشروعات الصغيرة. كما ظهرت أنماط جديدة من المنظمات التي هدفت إلى ملء الفراغ الذي تركته الدولة وخاصة في مجالات الصحة والتعليم وغيرها من الخدمات الاجتماعية بالإضافة إلى ذلك نشطت منظمات أهلية جديدة في مواجهة ظواهر اجتماعية سلبية مثل عمالة الأطفال وأطفال الشوارع والإدمان، بل وسعت إلى وضع هذه القضايا على أجندة الحكومات فىبلدان مثل مصر والسودان والمغرب 
خلاصة القول أن هناك مؤشرات إيجابية تمثلت في النمو الكمي في أعداد المنظمات غير الحكومية والنقلة الكيفية في مناهج واقترابات هذه المنظمات في التعامل مع الواقع. وجدير بالذكر أن هذه التحولات صاحبها خطاب سياسي داعم لهذه المنظمات ودورها في التحول الاقتصادي. بل بدأت إرهاصات بناء شراكة بين المؤسسات الحكومية والمنظمات غير الحكومية،والتي كانت أبرز تجلياتها قيام الحكومات بإسناد عديد من المشروعات للمنظمات غير الحكومية لتنفيذها.
ورغم كل ما سبق من تطورات فإنها لا تمثل توجهًا عامًا ولكن مجرد حالات أو استثناءات لم تصل إلى حالة القاعدة العامة، فما زالت التوجهات الخيرية لها الغلبة على نشاط المنظمات الأهلية العربية،فحوالى نصف المنظمات غير الحكومية العربية يعمل في الأنشطة الخيرية 
ومع ذلك يمكن رصد بدايات لدور تلعبه المنظمات غير الحكومية في صنع السياسة وبالتحديد السياسات المتعلقة بالرفاهة الاجتماعية.

 

اترك تعليقًا