إن الموت حقيقة لا بد منها، فقد مات خير البشر صلى الله عليه وسلم، وموته ليس كموت أحد من الناس، و مات بعده حملة دعوته من بعده لذلك كان لا بد أن ننظر في موتهم ونأخذ منهم العبر والعظات، لنستفيد منها في واقع حياتنا، بأن نستلهم العبر و الدروس من وفاة الرسل و الدعاة و القادة
فأول العبر المستفادة أن تتجه وأن تستقيم على مبدأ الثبات على طريق الدعوة كما تبت حبيبنا محمدا صلى الله عليه و سلم و صحابته بعده و من سلك طريقه من الدعاة وفي هذا يقول الإمام البنا طيب الله ثراه : ( وأريد بالثبات : أن يظل الأخ عاملاً مجاهدًا في سبيل غايته مهما بعدت المدة وتطاولت السنوات والأعوام ، حتى يلقى الله على ذلك وقد فاز بإحدى الحسينيين ، فإما الغاية وإما الشهادة في النهاية ، ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ (الأحزاب:23)، والوقت عندنا جزء من العلاج ، والطريق طويلة المدى بعيدة المراحل كثيرة العقبات ، ولكنها وحدها التي تؤدي إلى المقصود مع عظيم الأجر وجميل المثوبة.
وذلك أن كل وسيلة من وسائلنا الست تحتاج إلى حسن الإعداد وتحين الفرص ودقة الإنفاذ ، وكل ذلك مرهون بوقته ﴿ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا ﴾ (الاسراء :51 انتهى كلام الإمام رحمة الله عليه .
و من العبر المهمة أن التربية هي الأسلوب الأمثل في التعامل مع الفطرة البشرية توجيها مباشرا بالكلمة، وغير مباشر بالقوة، وفق منهج خاص، ووسائل خاصة، لإحداث تغيير في الإنسان نحو الأحسن ” وقد انتهجها الرسول صلى الله عليه و سلم و ظهرت ثمارها يوم وفاته من خلال معدن التربية الذي ظهر به أبو بكر الصديق رضي الله عنه في ثبات حمى به الدعوة بجملها في نقاط :
· وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. و تثبيت الفاروق رضي الله عنه فكان ثباتا لجموع المسلمين جميعا .
· ارتداد قبائل من العرب بالكلية من الإسلام، وارتداد بعضهم جزئيا برفضهم لدفع الزكاة و القصة موثقة و معروفة
· ظهور بعض المتنبئين كمسيلمة الكذاب وسجاح، وقد جمعوا حولهم أتباعا.
ويحضرني قول الإمام علي بن المديني – و هو أحد شيوخ البخاري – : ” إن الله أعز هذا الدينبرجلين ، أبو بكر الصديق يوم الردة و أحمد بن حنبل يوم المحنة “فهم الرواحل و هم صمام آمان الجماعة في أوقات المحن و النكبات و حاجة الدعوة إليهم ماضية إلى يوم الدين و إهمالها يعد خسارة عظمى .
و من العبر أيضا والعبرة: أن الرسالة باقية، وأن هذا الدين لا يموت، برحيل أهله،و موت قادته لأن الله تكفل بحفظ رسالته
قال الله: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ
[الحجر:9].ومع هذا فبذل الجهد مطلوب حتى لا نحرم الأجر و التواب فعلى الداعية أن لا يبالي الأجل في بذل الجهد في تضحية كما بين الإمام الشهيد في رسالة التعاليم بقوله وأريد بالتضحية: (بذل النفس والمال والوقت والحياة وكل شيء في سبيل الغاية. وليس في الدنيا جهاد لا تضحية معه. ولا تضيع في سبيل فكرتنا تضحية، وإنما هو الأجر الجزيل، والثواب الجميل.. ومن قعد عن التضحية معنا فهو آثم.
قال تعالى: )إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة([1][1].
وقال عز وجل: )قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحبَ إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين([1][2].وقال تعالى: )ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطؤن موطئاً يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح
([1][3].وقال تعالى:)فإن تطيعوا يؤتكم الله أجراً حسناً([1][4].وبذلك تعرف معنى هتافك الدائم: (والموت في سبيل الله أسمى أمانينا). و قد كان الإمام البنا رضي اله الله عنه دائم ترديد هذه الأبيات الشعرية للإمام علي كرم الله وجهه
أي يوميَّ من الموت أفِرْ يوم لا يُقْدَرُ أو يوم قدِرْ
يوم لا يُقْـدَرُ لا أرهبه وإذا قدِّر لا ينجي الحذر
وكان معاوية يتمثل بهذين البيتين:
كأن الجبانَ يرى أنه سيقتل قبل انقضاء الأجلْ
وقد تدرك الحادثاتُ الجبان ويسلم منها الشجاعُ البطلْ