القابلية للإستعباد

سرعان ماكشفت ثورة 30 يونيو المجيدة!!!! عن روح الاستعباد الكامن داخل نفوس الكثيرين منا نتيجة الاستبداد الذى عاشته مصر خلال عدة عقود مضت،وبالرغم من ثورة 25 يناير وما أحدثته من آثار لايمكن إنكارها فى تحرير الإنسان المصرى ماديا ومعنويا من قيود الاستبداد وتمتعه بحرية غير مسبوقة إلا أن الفترة الزمنية القصيرة التى أعقبت ثورة 25 يناير حتى الانقلاب العسكرى لم تكن كافية لمحو آثار الاستبداد الذى خلفته الأنظمة السابقة لذلك سرعان ما ظهرت روح الاستعباد الذى هو الأثر الأبرز للاستبداد فور وقوع الانقلاب العسكرى

وسارع البعض خاصة ممن يطلقون عليهم النخبة والمثقفين لتقديم خدماتهم للسادة الجدد وتسويغ وتبرير انتهاكات حقوق الإنسان وتكميم الأفواه وغلق القنوات المعارضة تحت حجج مختلفة كالظروف الاستثنائية التى تمر بها البلاد،وأن مايحدث مجرد إجراءات احترازية ولم يكتف البعض بذلك وسارع الى تقديم خدماته والمزايدة على المستبدين الجدد

وأتوقف هنا عند نموذجين من وزارة واحدة المفترض أنها من أهم الوزارات،والتى من المفترض التعويل عليها فى أى نهضة وتقدم لهذا البلد ليتضح لنا حجم الكارثة التى نحن مقبلون عليها إذا لم يتم التصدى لهذه الممارسات فنحن أمام نموذجين يسعيان بمبادرة منهما لتقديم خدماتهم لعودة الدولة البوليسية الأمنية مرة أخرى:.

        فوزير التعليم  يطلب من الأمن الوطنى (أمن الدولة) أن يرشح له اثنين من المستشارين على أن يكونا عسكريين فى استعادة للدور الذى كانت تقوم به أمن الدولة قبل 25 يناير فى التحكم فى تعيين القيادات،وقد تعدى هذا الوزير الانقلابى  – الذى يبدوا أنه فهم الفولة – ما كان سائدا قبل ثورة 25 يناير وهو طلب رأى أمن الدولة فيمن يتقدم لشغل المنصب أو ترشحه الجهة المعنية الى الطلب من أمن الدولة أن يرشح هو من يشغل المنصب وأن يكونا عسكريين .. فجمع الرجل بذلك بين الجيش والشرطة فى عملية الاختيار والتعيين بما أنهم إيد واحدة!!!

        أما الدكتورة بثينة كشك، مديرة مديرية التربية والتعليم في القليوبية أى أنها المسؤلة عن التربية والتعليم بالقليوبية وليس عن الداخلية فقد بادرت من تلقاء نفسها  بإبلاغ الجهات الأمنية عن المدرسين والإداريين المتغيبين عن العمل لفترات وصلت لشهر أو شهرين حتى من حصل منهم على أجازات اعتيادية، ومن المعروف عنهم انتماءات سياسية،وأكدت المديرة أن المديرية تنوي إبلاغ أسماء من سيتغيب من المعلمين أو الإداريين أولا بأول مع بداية العام الدراسي موضحة أنه «لم تأتنا تعليمات بهذا، لكنها إجراءات أراها ضرورية نظرًا للظروف الأمنية التي تمر بها البلاد؛ لأن الشرطة الآن يد واحدة مع الجهات الإدارية، من أجل مصلحة البلد» (موقع الشروق18 /9)

من الواضح أن الست بثينة تحولت الى مخبر بدرجة مدير مديرية فهى لم تكتف بالإجراءات القانونية التى تتخذ حيال أى موظف يتغيب عن عمله.. بل بادرت متطوعة من تلقاء نفسها دون أن يطلب منها أحد ذلك بالإبلاغ عن المدرسين والإداريين حتى لو حصلوا على اجازات اعتيادية وتعهدت بمواصلة المسيرة وأنها ستكمل المشوار بالإبلاغ عمن يتغيب مع بداية العام الدراسى أولا بأول.. وطبعا تبليغ الجهات الأمنية ليس لجميع من تغيب بل خاص بمن لهم انتماءات سياسية والعياذ بالله باعتبار السياسة رجس من عمل الشيطان وطبقا لنظرية احنا شعب وهم شعب!!!

والسؤال الذى يطرح نفسه كيف ستعرف الست بثينة من له انتماء سياسى ومن ليس له انتماء سياسى من السادة المتغيبين،وماهى الوسائل التى ستعرف بها هذا الانتماء،ومالمقصود باالانتماء السياسى،وهل كل من له انتماء سياسى أيا كان أم انتماء سياسى معين ؟!!!

والغريب أن الست قامت وستقوم بهذه الأعمال المباحثية التى تستحق عليها بدل جهود غير عادية متبرعة حسبة لله تعالى دون أن يطلب منها أحد ذلك استشعارا منها لطبيعة المرحلة وحرصا على مصلحة البلاد والعباد فى ظل هذه الظروف الدقيقة التى تمر بها البلاد رافعة شعارا جديدا يستحق أن يسجل باسمها حفاظا على الملكية الفكرية وهو “الشرطة والجهات الإدارية إيد واحدة”!!!

ولم تكتف الست المديرة بهذه الأفكار والافتكاسات  التى انفردت بها دون سائر نظرائها على حد علمنا – مالم يكن منعهم بعض الحياء أن يعلنوا أنهم قاموا بمثل هذا العمل أو سارعوا فور تصريحاتها باتخاذ نفس الخطوات لإثبات أنهم لايقلون عنها وطنية وحرصا على مصلحة البلاد والعباد !!! – بل سارعت بكل همة ونشاط لتنفيذ قرار وزير التربية والتعليم (دخلت على موقع الوزارة لأ تأكد أن اسم الوزارة مازال يحمل كلمة التربية!!! ) بمنع الحديث فى السياسة فى المدارس.. فقد سارعت السيدة الهمامة حسب تصريحاتها لاستقبال المدرسين والإداريين المعروفين بانتمائهم إلى جماعة الإخوان المسلمين، الذين وعدوها بأن لا يروجوا “انتماءاتهم السياسية” داخل المدارس..وهو مايوضح بجلاء أن المقصود بالموظفين المتغيبين الذين لهم انتماء سياسى والذين تم الإبلاغ عنهم هم الإخوان وأنهم المستهدفون بالقرارالعجيب  بعدم الحديث فى السياسة،وإن كنت لا أعرف ماهى الانتماءات السياسية للإخوان التى تحدثت عنها وكم عدد هذه الانتماءات لديهم بالضبط!!!  كما ذكرت أنها “ستستبعد من التدريس كل من يثبت تورطه في الكلام في السياسة داخل المدارس”

وقرار وزير التعليم بعدم الحديث فى السياسة وتوقيع العاملين بالتربية والتعليم على إقرار بذلك هو أمر مضحك.. فإذا نحينا جانبا الحديث عن انتهاك حقوق الإنسان وحرية التعبير وتعاملنا مع القرار كأمر واقع فكيف يمكن تطبيق هذا القرار ومعرفة من يتكلم فى السياسة.. هل سيتم عمل تنظيم طليعى جديد داخل المدارس للتجسس على العاملين بها وتصنيفهم وفق نظرية الأخ على الحجار،وهل يتم فتح الباب لعودة البصاصين وكتبة التقارير داخل المؤسسات التعليمية.. ومع ذلك كيف يمكن إثبات جريمة الكلام فى السياسة على المتهم بعد أن أصبح الكلام عليه جمرك على عكس القول الشائع؟!!!

ثم ماهو الكلام الذى يدخل فى باب السياسة وماهو الكلام البعيد عن السياسة فعلى سبيل المثال لو اشتكت إحدى المدرسات الى زميلاتها من ارتفاع الأسعار وانقطاع التيار الكهربائى لساعات طويلة،ونقلت العصفورة هذا الكلام للإدارة فهل هذا يدخل فى باب السياسة أم لا؟.. أليس من الواجب وضع تعريف محدد لمفهوم الكلام فى السياسة والمحظورات التى يتجنب الكلام فيها لتجنب الوقوع فى هذه الجريمة !!!!

وإذا تجاوزنا العاملين بالمدارس الى التلاميذ والطلبة فما العمل معهم وسط هذا الزخم والحراك السياسى الذى لا يتوقف والذى يشمل جميع فئات الشعب بحيث أصبح الحديث فى السياسة هو الخبز اليومى للمجتمع المصرى بمختلف أعماره السنية،وبعد أن نال الاعتقال والقتل الأطفال فى مراحل التعليم المختلفة من رياض الأطفال حتى المرحلة الثانوية.. وماذا  يفعل المدرس إذا سأله أحد الطلبة سؤالا يتعلق بالشأن السياسى خاصة فى المواد التى لها علاقة بالسياسة كالتاريخ والتربية الوطنية هل يقول له عيب نحن من مدرسة محافظة لاتتكلم فى هذه الأمور!!أو يقول له نعوذ بالله من السياسة وساس يسوس أو بلاش الكلام فى هذه المسائل عايزين نأكل عيش متودنيش فى داهية!!!

إن معنى تطبيق هذا القرار هو إيجاد جو فاسد من الشكوك والظنون المتبادلة بين زملاء المهنه، واتهام الزميل أو الزميلة الفلانية بأنها العصفورة التى تنقل الكلام وتمشى بالفتنة داخل المدرسة  .. كما أنه قد يكون وسيلة لتصفية الحساب والانتقام من بعض المنتمين للتيار الإسلامى أو حتى لأغراض شخصية وقد يجعل من المدرس عرضة للعقاب بسبب كلمة قد ينطق بها عن غير قصد بسبب وشاية طالب لايرتاح لأحد المدرسين لأى سبب من الأسباب.. فهل هذا ماتريده المجيدة أقصد ثورة 30 يونيوالمجيدة!!!

                        د صفوت حسين

اترك تعليقًا