لا تستهينوا بدماء الشهداء

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

1    في شهر فيفري تتعانق ذكريات التضحية والشهادة وتحتفل الجزائر في 18 فيفري بيوم الشهيد هذا اليوم العظيم لرمزية الشهادة التي تظل أقوى القيم في الدنيا والآخرة , ففي الدنيا تكسر الشهادة جبروت الطواغيت وتسقي دماء الشهداء حرية الشعوب وتضيء تضحيات الشهداء طريق الأجيال نحو العزة والكرامة ويعلمونهم أن الحياة تذبح قربانا للحرية فيعلق أصحابها أوسمة الشهداء ولذلك جعل العارفون بالله الشهادة أمنية حياتهم بل وضعوها في مصاف أسمى الأماني لأنها اقرب أبواب الوصول إلى الله القائل سبحانه وتعالى : من كان يريد لقاء الله فان اجل الله لآت ” إشارة إلى طمأنة نفوس المشتاقين إلى ربهم ولكن الشهداء يعاندون الانتظار فيبادرون بوضع أنفسهم على طريق التضحية, مسارعين إلى لقاء الله لذلك تصنع الشهادة الآن والسلمية أروع الأمثلة في حماية الحق، دون التورط في الظلم بعدما صنع الظالمون بحور الدماء في اغتصاب الشرعية في مصر مثلا وفي الآخرة : ” ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون “.

2     وفي فيفري حدثت أحداث ساقية سيدي يوسف التي امتزجت فيها دماء الإخوة الجزائريين بدماء إخوانهم التونسيين في وجه الظلم والاستعمار تعبيرا عن تجاوز حدود التراب إلى آفاق العقيدة وتعبيرا على أن فرنسا الاستعمارية لم تكن تفرق بين من يقولون لا اله إلا الله محمد رسول الله ويرفضون استعمارها سواء أكانوا تونسيين أم جزائريين.

3     وإذا كانت أحداث ساقية سيدي يوسف علامة على اختلاط  الدماء الزكية في وجه التحديات فاليوم تتشكل في تونس دولة جديدة تكتنفها التحديات من كل جانب وعلى الأشقاء الجزائريين أن يقفوا  إلى جانبها سياسيا باحترام الشرعية ودعم استقرار تونس بمساعدة حكومتها على النجاح في مهامها التأسيسية للشرعية الشعبية والاستقرار التنموي لان الديمقراطية والاستقرار في تونس هما شقيقا الاستقرار والديمقراطية في الجزائر , ومساعدتها اقتصاديا بتفعيل معاهدات التعاون وعوامل الشراكة والتبادل الاستثماري الرسمي والشعبي , ومدها بالقروض الحسنة لإنقاذها من مخالب صندوق النقد الدولي والضروريات من الطاقة العاصمة من تكرار الاضطراب السياسي الأخير الذي وقع على مرمى حجر من حدودنا الشرقية , وتساعدها امنيا بالتعاون بعيدا عن تكرار الأخطاء وحماية تونس الحديثة من انعكاسات الاضطراب الموجود في جنوبها سواء في مالي أو في ليبيا وتحرير سيادتها من التدخلات الخارجية التي أصبحت ترى في الديمقراطيات الإسلامية تهديدا لمصالحها الإستراتيجية , والجزائر هي الأخت الكبرى لتونس وعليها مسؤولية سيكتبها التاريخ وستشهد عليها دماء ساقية سيدي يوسف التي سكبت في فيفري من عام 1956 عندما امتزجت دماء التونسيين بدماء شهداء الجزائر في مواجهة الاستعمار الفرنسي المشترك.

 

4. وفي فيفري أيضا تأتي ذكرى التجارب الإجرامية النووية التي قامت بها فرنسا في رقان بولاية ادرار, وإذا كانت فرنسا الاستعمارية هي التي أجرمت فان الجزائر المستعمرة هي التي وقع عليها الإجرام , وإذا كان أحفاد الجزائر يدفعون اليوم ضريبة التجربة النووية الفرنسية من أنفسهم فان أحفاد فرنسا يجب أن يتحملوا مسؤولية أجدادهم التاريخية فالحق لا يسقط بالتقادم والجريمة ضد الإنسانية ندينها في كل مكان وأصحابها يجب أن يقفوا أمام محكمة التاريخ , وفرنسا التي تنبش كل يوم في ملف الأرمن في تركيا وملف تيبحيرين في المدية مطلوب منها أن تقلب صفحات أرشيفها في رقان فضحايا تيبحيرين هم ضحايا الارهاب الذي ليس له حدود أما ضحايا رقان فهم ضحايا إرهاب دولة فرنسا المسئولة.

5     وفي شهر فيفري تمت عملية تأميم المحروقات التي تحييها الجزائر كل عام في الرابع والعشرين من الشهر لتعيد تذكير الأجيال باسترداد السيادة على المحروقات كرمز لتحرير الثروات الوطنية التي كانت فرنسا تستغلها لمصالحها الأساسية على حساب الشعب الجزائري مما يدعونا باستمرار إلى مواصلة استرداد كل ما يرمز إلى السيادة ومن ذلك أن نستثمر المحروقات لبناء اقتصاد حر غير مرهون للتبعية للبترول الذي لا تزال الجزائر تقتات منه إلى اليوم في الوقت الذي جدد العالم مصادر طاقته ومظاهر اقتصاده لان الطاقة الحقيقية هي طاقة الإنسان والعلم والتكنولوجيا وتنويع مصادر الرزق واستغلال ما فوق الأرض بدل الاحتباس الاقتصادي في العيش على ما تحت الأرض.

 

6      وفي شهر فيفري الذي نسميه شهر الشهداء لا تزال اليوم الجزائر حبيسة على مرمى حجر من استحقاق الرئاسيات وهي لم تحسم بعد في العديد من الملفات المتعلقة بتأمين الديمقراطية وطمأنة الشعب للمشاركة الجادة في اختيار مستقبله المتعلق بالحاكم وطبيعة الحكم وإذا كنا ندعو الشعب إلى تفعيل مظاهر المواطنة الصادقة الايجابية فإننا أيضا ننتظر من السلطة والطبقة السياسية أن تكون في مستوى الحدث فلا تحبس مؤسسات الدولة ولا مؤسسات السلطة ولا مؤسسات الطبقة السياسية في حالة الانتظار والاستقطاب والشخصانية مع فلان  او ضد  علاّن لان الجزائر التي عُجنت تربتها بدماء الشهيد لا تستحق هذا المستوى من العبثية السياسية.

7       وإذا كان الاستحقاق الرئاسي موعدا هاما  فانه ليس نهاية المسار السياسي في البلاد , ولكنه إذا وجد الوطنيين الصادقين قد يكون بداية عهد جديد ينتظره الشباب الجزائري منذ أمد بعيد ولا تتحمل حالة المواطن ولا حالة الوطن المغامرة نحو المجهول مرة ثانية , ولا الاحتباس الذي يمكن أن تكون آثاره السيئة وعواقبه غير المحمودة خطيرة في تقلبات المستقبل السياسي في البلاد ,  وعلى المخلصين في هذا الوطن كل من موقعه أن يدعو إلى خير أو يأمر بمعروف أو ينهى عن منكر ” والله غالب على أمره “.

 

فالمتربصون بالجزائر شرا كثيرون و الوعي بالمرحلة واجب الوقت.

 

 

أخوكم مصطفى بلمهدي

                                                                                                       ربيع الثاني 1435

اترك تعليقًا