رجل لا قلب له!

رجل لا قلب له!

سيدي وأستاذي: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد هل أتاك نبأ الرجل لا قلب له ؟ عفوا، إذا كان القلب هذه الكتلة العضلية من اللحم الأحمر، التي تقبض الدم وتبسطه ، فهو يملكه بلا ريب بدليل حياته ، وأما إذا كان هذه العاطفة الجياشة، والإحساس الصقيل ، والشعور الحي فأسفا! هو يفطن إلى معالم الحسن الدقيقة بالنظرة الخاطفة ، كما يدرك مواطن القبح الخفية باللحمة العابرة. وهو يقرأ أخلاق الرجل في وجهه ، مصيبا إلى حد بعيد،كما يشير

إليه الرمز، ويرمي الإيماء. وبالرغم من ذلك هو لا قلب له ! هو يلقى الصديق بعد غياب طويل ،فيهز يده في قوة ، بل ويعانقه ، ولكن قلبه جامد لا يختلج ولا يضطرب. هو يهتف في الناس: أن كونوا وكونوا ، ويدلل ويحتج ولكن قلبه متصلب لا يهتز. هو يهتف في الناس:أن كونوا وكونوا ،ويدلل ويحتج،ولكن قلبه متصلب لا يهتز! هو يتلقى الخبر السار فيبتسم،والنبأ المحزن فيقطب،ولكن حزنه وسروره آليين،وقلبه ساكن لا يضطرب! وهو يعلن للشخص حبه أو بغضه ،

ثم يلتفت إلى قلبه فيجده صامتا لا يُبين! هو يقف للصلاة ويلم فيها شتاته ، ويتلو القرآن ويحصر فيه انتباهه ، ثم يصلي ويتلو بنبرات قالوا: إنها شجية خاشعة، ولكنه يتحسس قلبه فيجده خواء أصم لا يخشع، وإن كان يفقه! هذا وصف حق يا سيدي ، لم أتزيَّد عليه أو أتنقص فيه شيئا ، فهل تجد لديك القدرة على الاعتراف بأن هذا القلب كسائر القلوب ؟؟! لقد أوتيتُ العقل ، وسلبتُ القلب ، فطالما أحسستُ بفكري يتأجج ويعمل ويحيا ويثبت وجوده ، ولكن عبثا حاولت أن أثبت هذا لِقلبي. أظنك إلا سائلا عن مبلغ عقيدتي ودرجة إيماني.وأجيبك صريحا ،فأقول : إن عقلي أثار أمامي مشكلات ومعضلات تتعلق بهما،  فانهار ما لُقِّنْتُهُ في الصِّبا، ورُحتُ أحاج وأجادل فما عدت بِطائل ، وألفيتني في ظلام قاتل ، فدفنت شكوكي ، ووأدْتُ حيرتي، وارتددت إلى عقيدتي الصمَّاء، وعدت إلى إيماني العاجز كملايين الناس الذين عاشوا وماتوا وآمنوا وستخلفهم الملايين والملايين! أنا أُصلِّي لأن ديني يطلب هذا، وهكذا أصوم وأؤمن بملائكة الله وكتبه ورسله . ولقد اندمجت في القطيع المسوق إلى حتفه، لا ينظر إلا إلى الأرض وفوق السماء ولكنها لا تعنيه، ولا هو يفكر يوما في أن يُعْنى بها . وأخيرا : ولقد أتاك نبأ الرجل لا قلب له! هو شاب قد بايعك، وأخذت منه ميثاقا غليظا، فهل يرضيك أن يحيا أحد جنودك بلا قلب؟! يا ذا القلب الكبير:

إني أستجيدك قبسا مما يضطرم في قلبك أُلقيه على هشيم قلبي الميت، علَّه يبعث فيه الحياة . إني أسألك يا سيدي وميضا مما سطع في قلبك

أُسَلِّطه على دياجير (ظلام) قلبي الكريهة،عَلَّه ينشر فيه النور . أنت رجل ممتاز وعنصر جبار، نهض في جيلنا المتداعي، وأنا أحمل لك ما أحمله للوجوه البارزة التي تُطل على الدنيا فتهزها وتخضعها لإرادتها، وأنا أُجِلُّك كما أُجِل عزيمة عاتية سيطرت على عنان الزمن، ووجهته إلى حيث تريد . وأنا مطمئن إلى سيري في موكبك ، ولكني أحتقر عقلية القطيع احتقارا شديدا، حتى أنْقِم على كل شعوب الأرض انقيادها لقادتها انقيادا يجرّها إلى الانتحار ، أنا أمقت

عقلية الجماعات هذه أشد المقت ، وأحتقر نفسي وأطلب لها الهلاك إن قلت قولا لا يُقِرُّني عليه عقلي، ويدفعني إليه قلبي . فهل لك في أن تحيي قلبي حتى يؤمِّن على ما يقوله اللسان بالخفقان والإحساس والشعور؟ . هذه علّة أحد جنودك سيوجعك أن تعرفه، لذلك أمسك عنك اسمه حتى أُهَنِّئك بشفائه فأُصرح لك باسمه. وأما العلاج فمتروك لطبيبي الرحيم ، فإما على أمواج حديث الثلاثاء، وإما على صفحات الجريدة ، وإما ضمن رسالة تنشر لعل أحدا يعاني ألمي، ويشكو علتي. والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. الرد على هذه الرسالة في المرة القادمة بإذن الله

اترك تعليقًا