الجزء 2 : رجل لا قلب له
رد الإمام البنا
يا أخي :
وعليك السلام ورحمة الله وبركاته
قرأت خطابك متأثرا أعمق التأثر، بصدق لهجتك، وروعة شجاعتك ….ودقة يقظتك ، وحياة قلبك.
لست عزيزي ميت القلب كما تزعم لنفسك ، ولكنك شاب مرهف الحس ، صافي النفس ، دقيق الشعور، ولو لم تكن كذلك ما اتهمت نفسك، ولا أنكرت حسك ، ولكن بعد همتك ، وتنائي غايتك ، يجعلك تستصغر الكبير من شأنك ، وتتطلب المزيد لوجدانك ، ولا بأس عليك في ذلك ، فهكذا يجب أن تكون .
وسأجاريك فيما زعمت وأسايرك كما سرت ، وسأحاول أن أتقدم إليك ببعض النصائح، فإن أفادتك ورأيت في العمل بها إرواء لعلتك : فالحمد لله إلى توفيقه. وإن لم يكن كذلك : فيسعدني لقاؤك ، لنتعاون في تشخيص الداء ووصف الدواء.
صحبة أهل الخشوع والتأمل، وملازمة أهل التفكير والتبتل ، وملازمة هذا الصنف من الأتقياء الصالحين الذين تتفجر جوانبهم بالحكمة ، وتشرق وجوهم بالنور، وتدان صدورهم بالمعرفة –وقليل ما هم- دواء ناجع، فاجتهد أن يكون لك من هؤلاء أصدقاء تلازمهم ، وتؤدي إليهم ، وتصل روحك بأرواحهم ، ونفسك بنفوسهم ، وتقضي معهم معظم وقت الفراغ ، واحذر من الأدعياء ، وتحر من ينهضك حاله ، ويدلك على الخير فاعله ، ومن إذا رأيته ذكرت الله .
هذه الصحبة من أنفع الأدوية ، فالطبع سراق ، والقلب يتأثر بالقلب ، وتستمد الروح من الروح ، فاجتهد أن تجد لك من الأرواح الصالحة صاحبا .
والفكر والذكر في أوقات الصفاء وساعات الخلوة والمناجاة ، والتأمل في هذا الكون البديع العجيب ، واستجلاء سر الجمال والجلال منه ، وإجالة النظر في هذا القلب واللسان بآثار هذه العظمة الساحرة ، والحكمة البالغة ….. كل ذلك : “إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب” – آل عمران:190-
ثم التفكير في هذا المجتمع الإنساني ، واستطلاع مظاهر بؤسه وسعادته ، وشقائه وهناءته ، وعيادة المرضى في أسرتهم ، ومواساة البائسين في نكبتهم ، وتعرف الأسباب النفسانية لهذا الشقاء بين الناس من جحود وكفران ، وظلم وعدوان ، وأثرة وأنانية ، وانخداع بالأعراض الفانية ، هذه كله ضربات على أوتار القلوب تجمع شتاتها وتحيي مواتها ، فاجتهد أن يكون في وجودك عزاء للبائسين ، ومواساة للمنكوبين ، وليس أعمق أثرا في المشاعر من إحسان إلى مضطر ، أو إغاثة لملهوف ، أو مشاركة لبائس حزين.
وبعد …. يا عزيزي : فالقلوب بيد الله وحده يصرفها كما يشاء ، فألح عليه في الدعاء أن يمد قلبك بالحياة ، ويشرح صدرك بالإيمان، ويفيض عليك من برد اليقين ، فضلا منه ونعمة ، وتخير لذلك أوقات الإجابة ، وساعات السحر، فدعوة السحر سهم نافذ لا يقف دون العرش، وما أشك في أنك مخلص في غايتك، صادق في دعوتك. و “إنما يتقبل الله من المتقين” –المائدة:27-
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
أخوك
حسن البنا