سنة التدافع و التداول

 

 

التدافع والصراع بين الحق والباطل سنة أزلية، كانت ومازالت وستبقى إلى يوم الدين. والحياة سجال يوم لك ويوم عليك. فلما يستجمع أهل الحق شروطا محددة يكون النصر حليفهم، وحينما تغيب مثل هذه الشروط، أو لحكمة يعلمها الله عز وجل…تكون الغلبة الظرفية وتميل الكفة لأهل الباطل حينا من الدهر، وبالكذب والتدجيل والتدليس وقلب الحقائق يلتبس الأمر وتغيب الحقيقة على بعض الناسي إلى درجة الافتتان بما يزينه المرجفون، والتصديق بما يروجه المبطلون. ولكن هيهات فإن للباطل جولة ستزول بعد حين، وإن للحق صولة بجهود الصالحين المصلحين، وبتوفيق رب العالمين.

يقول الشيخ محمد الغزالي-عليه رحمة الله:” إن تاريخ الحياة مؤسف، فمنذ هبط آدم وبنوه في الأرض، ثم بعد أن شب بهم الزمن واطرد العمران، وتشعبت الحضارات وأدبرت أجيال وأقبلت على أنقاضها أخرى، منذ ذلك الحين السحيق والناس أخلاط متنافرون، لا تستقيم بهم السبل يوما إلا شردت أياما. ولا يشيمون بوارق الحق حينا، إلا أٌطبقت عليهم ظلمات الباطل أحيانا.”( فقه السيرة للغزالي) قال تعالى: “…وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا.”(آ72 الأحزاب) قال الشاعر الحكيم :”والظلم من شيم النفوس فإن ***  تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم”

أحيانا يضعف الحق، ويعز التمسك به، ويقوى فيه الباطل وتكثر المغريات على مصادقته أو مهادنته، ويتمكن الطغاة المستبدون، ويركبهم غرور القوة، قوة الظلم والبطش، فيعيثون في الأرض فسادا، وينكلون بالأبرياء والمستضعفين، ولايرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة. ومن حق أهل الحق وحراس العقيدة أن يستميتوا في الدفاع عن الحياض، وأن يتشبثوا بحقهم مهما غولبوا وحوربوا. قال تعالى:” إن تمسسكم حسنة تسؤهم، وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها،  وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا، إن الله بما يعملون محيط.”(آ120 آل عمران) وقال تعالى:” ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع، ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة، وأولئك هم المهتدون.”(آ157 البقرة) إن الإصابة بالخوف والجوع، ونفص الأموال والأنفس والثمرات ليس شرا يراد بالمؤمنين، إنما هو ابتلاء ينال الصابرون عليه صلوات الله ورحمته وهداه. فالله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور.” إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور.”(آ38 الحج)

 يقول سيد قطب عليه رحمة الله:” الحقيقة التي يؤكدها القرآن دائما ويقررها وهي حقيقة الصلة بين الله والمؤمنين، إنه يجعل صفهم صفه، وأمرهم أمره، وشأنهم شأنه، يضمهم سبحانه إليه، ويأخذهم في كنفه، ويجعل عدوهم عدوه، وما يوجه إليهم من مكر موجها إليه سبحانه، وهذا هو التفضيل العلوي الكريم، والذي يسكب في قلب المؤمن طمأنينة لا حد لها حيث يرفعه إلى جواره الكريم، فماذا يكون العبيد وكيدهم وخداعهم وأذاهم الصغير؟ وهو في ذات الوقت تهديد للذين يحاولون خداع المؤمنين والمكر بهم، وإيصال الأذى إليهم، وأنهم إنما يحاربون الله حين يحاربون أولياءه، وإنما يتصدون لنقمة الله حين يحاولون هذه المحاولة اللئيمة. وهذه الحقيقة من جانبيها جديرة بأن يتدبرها المؤمنون ليطمئنوا ويثبتوا ويمضوا في طريقهم، لا يبالون كيد الكائدين ولا خداع الخادعين، ولا أذى الشريرين، فهم في كنف الله وهو حافظهم من هذا الخداع اللئيم.”(تفسير الظلال)

إن الله عز وجل يمهل ولا يهمل، ويعطي المخطىء والظالم فسحة وفرصة ليتوب، وإلا أخذه أخذ عزيز مقتدر. قال تعالى:” ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون، إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار.”(آ42 إبراهيم) وفي الحديث الشريف:” إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما، فلا تظالموا.” إن الباطل مهما انتفخ وارتفع صوته وقوي جانبه، لابد أن ينتفش ويضعف فيسقط. ” والله لا يهدي القوم الظالمين.”(258 البقرة) قال تعالى: “قد نعلم أنه ليحزنك الذي يقولون، فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون.”(آ33 الأنعام) ويكفي الظالم ذما وقدحا وإنزالا في المرتبة، وكفاه سحقا وبعدا وصرفا أن الله لايحبه. ” والله لا يحب الظالمين.”(آ57 آل عمران) وأن لعنة الله تلاحقه أينما حل وارتحل ” فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين” (آ44 الأعراف ) وأن الضياع والشقاوة والخسارة مآله مهما بلغ من القوة ” إنه لا يفلح الظالمون”(آ21 الأنعام) وأما ما أعده الله من وعيد للظالمين فتنفطر له القلوب الحية والفطر السليمة عند سماعه. قال تعالى:” وبئس مثوى الظالمين”(آ151 آل عمران)  وقال تعالى أيضا: ” إن الظالمين لهم عذاب عظيم.”(آ22 إبراهيم). وقد علمنا القرآن وعلمتنا الحياة أن  إرادة الخير هي المنتصرة في الأخير، وأن العاقبة للمتقين، ” ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر، أن الأرض يرثها عبادي الصالحون.”(آ105 الأنبياء)

فالله تعالى يبتلي عباده بالهزيمة والابتلاء ليتبين المؤمن من المنافق،  والصادق في دعواه من الكاذب، وصاحب المبادىء من طالب المصالح، حيث يتبين المؤمن حقيقة الذي يرغب في الإسلام في السراء والضراء، واليسر والعسر ممن ليس كذلك. وتلك أيام يصرفها الله بين الناس، نصر مرة وهزيمة أخرى، حتى يظهر ما علمه الله في الأزل، ليميز الخبيث من الطيب. ويكرم أقواما بالشهادة، لأنها من أكرم المنازل ومن أعظم القربات، فالتضحية بالنفس من أعظم غايات الجود.”إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله، وتلك الأيام نداولها بين الناس، وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء، والله لا يحب الظالمين.”(آ140 آل عمران)

اللهم إنك تعلم أن هذه القلوب قد اجتمعت على محبتك، والتقت على طاعتك، وتوحدت على دعوتك، وتعاهدت على نصرة شريعتك، فوثق اللهم رابطتها، وأدم ودها، وأهدها سبلها، وأملأها بنورك الذي لا يخبو، واشرح صدورها بفيض الإيمان بك، وجميل التوكل عليك، وأحيها بمعرفتك، وأمتها على الشهادة في سبيلك، إنك نعم المولى ونعم النصير. “يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ويضل الله الظالمين، ويفعل الله ما يشاء.”(آ27 إبراهيم)                                

-عماري جمال الدين/

اترك تعليقًا