فوز المبادئ ..ألايعرف فوزا

قد تفشى في جل حياتنا اليومية سواءً في أعمالنا الوظيفية وغيرها من المعيشية أو التربوية أن الحكم بالنجاح على ظواهر الأمور من حيث النتاج البارز, وهذا لاينافي العقل, ولكن الناظر في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم يجد أنه لا يكتفى بهذا معياراً فقد لا يصل الفرد دوماً لمبتغاه , أو لم يحالفه فوز أو انتصار ولكن مبدأه كان يقظاً فشفع ذلك في فوزه.

فهذا حاطب لما وقع في وقعته المعروفة والتي حكم عليه من أجلها بالنفاق زكاه الرسول صلى الله عليه وسلم.

وذلك لمبدأه – حب الله ورسوله – , وأذكر رجلاً حضر ليجري مقابلته الشخصية في أحد الوظائف التعليمية وقد تقدم لها خلق كثير وبعضهم فاقه علمياً إلا أنه قال في نهاية المقابلة أسألكم بالله إذا رأيتم عدم صلاحيتي لأبناء المسلمين ألا تحرجوا أنفسكم وأن تختاروا لهذه الوظيفة من يستحقها, فأشادت اللجنة بمبدئه وقدمته على غيره, لأنه بهذا المبدأ سيستفيد ويفيد.

وهذا ما نجده في جل معايير المقابلة الشخصية وهو اختبار القيم والمبادئ والصفات الشخصية للمتقدم ليس قياس علميته أو مستواه التحصيلي, فماذا يراد بمن علا مستواه ولكنه يأنف من التوجيهات والنصائح؟ جزماً لن يرتقي مستواه بخلاف الآخر.

وهذا آخر تقدم لأحد الجامعات وهو في المقابلة الشخصية وجهوا له أسئلة في التخصص المتقدم عليه فلم يجب فضحكوا وهزؤوا به(اختباراً لشخصيته) فابتسم وقال : أتيتكم لأستفد منكم , وأتعلم المزيد, ولو كنت عالماً لكنت معكم فسروا به وتم قبوله.

وشخص آخر تم إجراء المقابلة له في وظيفة راقية (معلم في الهيئة الملكية) قام المقابلون بمفاجئته بسؤال فيه أنه سوف يصعد مع الطلاب في الحافلة ويقوم بتقديم بعض البرامج المناسبة, فأظهر إعجابه وقال:يكفيني أنها نقلة تربوية في حياتي ليستمر عملي مع الطالب منذ إتيانه المدرسة وحتى عودته لمنزله,فما كان من أولئك إلى أن أشعوره بقبوله,نعم لقد فازت القيم هنا.

إن علاقة المربي مع المتربي أيا كان معلماً أو والداً لابد أن يضفي اهتماماً واسعاً بتنشئة المتربي على القيم والمبادئ العليا, فعندما يكذب المتربي ولكنه تعلم قيمة الصدق بطريقة لاتندرج في قائمة التوبيخ والعقاب البدني فهذا يعد انجازاً عظيماً, وتجده كذلك في علاجه مع بعض الأخطاء لا يبدأ بالعلاج قبل أن يعرف السبب لأنه يؤمن بأن خلف كل سلوك نية إيجابية.

فهذا عمر بن الخطاب –رضي الله عنه-عندما أتاه ابنه عبد الله وحدثه أنه كان يعلم بالشجرة التي سأل عنها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تشبه المؤمن وكان في المجلس أبا بكر وعمر وكبار الصحابة فسكت ابن عمر حياءً من أولئك الكبار فرد له أبوه: ليتك قلتها. نعم رضي عمر القيمة التي أتى بها ابنه ومن ثم ولم يعاتبه عليها, ثم أرشده لما هو أفضل –في نظر عمر.

وهكذا نجد أن جل البرامج التربوية (الناجحة) تنبع من قيم واضحة, ويأتي دور الوحدات التربوية من دروس ومطويات,ولوحات وبرامج حوارية لتغذية تلكم القيم ويتطلب هذا وقتاً وكيفاً رهيباً,فكيف بمن ظهر له قيمة فيمن يعول ويهتم به ثم لايعزز ذلك ولا يدعمه أولا يشيد به.

نحن نعلم أن التربية تدور في ثلاث محاور( التعزيز-التعديل-التقويم ) فالمربي الواعي يلعب دوراً كبيراً بين المحاور السابقة ولا يركز على التعديل مثلاً دون غيره,ونجد المصطفى صلى الله عليه وسلم قد قام بذلك كله فهو يقوم أداء قيام الليل لابن عمر( نعم الرجل عبد الله لوكان يقوم من الليل ) فذكر ايجابية لابن عمر , وألمح لموطن ضعفه “.. لو كان يقوم من الليل “, و عزز سلوك أحد أصحابه “إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة “, بل وتحدث عن أهل اليمن ” الإيمان يمان والحكمة يمانية”، ويعدل سلوك أحدهم ” إنك امرؤ فيك جاهلية ” ويحرص على تأدية خلاد بن رافع الصلاة على وجهها الصحيح في حديث المسيء صلاته المشهور.

إن اعتدادنا بفوز المبادئ وانتصار القيم حتى وإن لم يخالطها فعلاً يفي بقدرها سلفاً سيخلق لدينا مجتمعاً يؤمن بأهمية المبادئ ومن ثم ترقى فيه الفضيلة لاشك.                                       سعيد بن محمد ال ثابت

                       

اترك تعليقًا