دعوا الشعب يتذوق طعم نصره

منذ اكثر من خمسين سنة دخل ال19مارس الى التاريخ الجزائري من بوابة النصر و أصبح اسمه عيد النصر لأن النصر كان نهاية حرب تحريرية ومقاومة طويلة الأمد واسعة الانتشار كما كان نتاج حركة وطنية ضمت كل اطياف الشعب الجزائري و حساسياته قادها حزب الشعب و جمعية العلماء وشارك في صناعة أسس النصر مئات الزوايا وعشرات الآلاف من بيوت الرحل و أكواخ الطين ليتحرر الشعب معا و ينتصر معا .
ولكن الشعب الذي تحرر لم يسمح له الى اليوم بتذوق طعم النصر لأن حلاوة النصر سلبتها منه مرارة الاستبداد و الحقرة و المحسوبية و الاستغلال و المساومة على الكرامة و المن و الأذى على كل حق يأخذ قسطا منه بل ان المقومات الاساسية لبناء الدولة والوطن قد خلطها ما اخل بها وشابها ما يسوء الشعب فيها مما حرم الشعب من ان يتذوق طعم الانتصار الى اليوم

1. ان الشرعية الثورية ما كانت لتكون لولا الشرعية الشعبية فالشعب هو الذي فوض الثوار وأطعمهم و آواهم و نصرهم و تظاهر لأجلهم و باسمه كانوا يتكلمون ويفاوضون و لكن الشرعية الثورية استبدت بالحكم و لم تسمح لأية شرعية أن تشاركها القرار رغم أنها لم تكن اصلا بل كانت فرعا من فروع الشرعية الشعبية حرمت الشعب من تذوق طعم النصر و الحرية والاختيار و حب الوطن بل ان التعبير الحر لم يعد متاحا للناس واتُّهم الذين رفضوا الاحادية بانهم غير وطنيين ولا تزال عمليات القمع لمظاهرات التعبير السياسي السلمي تقمع لا لسبب الا لرفضها مصادرة الشرعية الشعبية بشكل اوبآخر

2. ولقد كان الإسلام منطلق المقاومة و الرفض و الثورة فكانت جهادا ضد الاستعمار والقتيل كان شهيدا.تزغرد عليه النساء لأنه يرتقي الى الله بالشهادة و يشفع في اربعين من اهله , و بيان اول نوفمبر كان خياره ان اطار الدولة و مبادئها هي المبادئ الإسلامية و لكن فرنسا التفّت علي الإسلام و التيار العلماني في البلاد حرم الشعب من تذوق النصر في إسلامه في حين ما زالت اطراف تجادل حول مشروع المجتمع و هويته و ثوابته و لا يزال ابناء الجزائر محرومين من أخذ قرض حلال ليس اعتباطا و انما رفضا للمنظومة الإسلامية و لو بالخسارة التي تعود على الأرض و الشعب و مازلنا لا نستحي بمسؤول لا يفرق بين اية قرآنية و بيت من الشعر
3. وأما التوزيع العادل للثورة فقد كان حلما كبيرا للمجاهدين و الشهداء و كان يوم النصر انتصارا على ارادة الاستعمار في التفرد باستغلال الثورة و مصادرة حق الشعب فيها و لكن ما بعد يوم النصر زادت معاناة الشعب بسبب الأساليب المشوهة في الرؤية الاقتصادية و زادت آلامه أكثر و هو يتجرع مرارة الفساد الذي اغتصبت بسببه ملايير الدولارات دون حياء أو خوف في الوقت الذي يحاكم شباب ( لونساج ) على التأخر في تسديد قروضهم الصغيرة
4. ان التعددية كانت حقيقة اجتماعية في الواقع السياسي الجزائري قبل الاستعمار ثم اجلت كلّية و ذاب الجميع في جبهة واحدة للتحرير و ليس للتحزيب و لكن عيد النصر أتى و لم يتذوق بعده الشعب طعم التعددية أكثر من ثلاثين سنة و كان من أول ضحايا التعددية مفجر الثورة محمد بوضياف والمجاهد حسين آيت احمد , وكريم بلقاسم الذي اغتيل بعد ثلاث سنوات على تأسيسه حزبه الحركة من اجل الدفاع عن الثورة الجزائرية ثم في وقت لاحق أحمد بن بلّه و بن خدّه رحمهم الله , و لما جاءت التعددية لم تتجاوز كونها واجهة قانونية لم تتحول إلى الفعل السياسي لأن ارادة حرمان الشعب من تذوق طعم النصر لا تزال مهيمنة , والدولة و الثورة لا تزال محتكرة و قد عاشت الجزائر سنوات طويلة حتى بدون دستور ينظم حياتها بل كان لكل رئيس دستور وربما دساتير
5. ان الجزائر كانت قبلة الاحرار ومضرب الامثال في ثورتها التي تحرر بسببها العديد من الدول واستلهم منها احرار العالم كيف يدق باب الحرية باليد المضرجة بالدماء وكيف تنال الشعوب كرامتها وحريتها وكان يوم انتصارها يوم انتصار للأحرار في العالم كله لان دبلوماسية الثورة كانت تعبيرا كبيرا عن روح الشعب الجزائري ولكننا اليوم نتخبط في علاقاتنا الدولية وتتراجع مواقعنا في افريقيا وحتى في المغرب العربي حتى لا نتكلم عن الامة العربية التي تقودها قطر او مصر ويقضى الامر والجزائر غائبة ولا تُستأذن وهي شاهدة ولا يزال الجزائري يحن الى يوم كان محل التقدير والتأثير في حركة الحياة
6. ان الوحدة الوطنية كانت محورا اساسيا في الثورة ولم يتم الانتصار إلا بعد التأكد من سلامة كل التراب الوطني الذي رسمت حدوده بالدم الذي سكبه قرابة 3 ملايين, ومن اجل المحافظة على الوحدة تحملت الثورة سنوات اطول من الحرب من اجل الرد على مشروع فرنسا لفصل الجنوب , وكان الوفاء للشهداء وراء استمرار اللحمة الوطنية , واليوم بدأت المخاوف الحقيقية من تقسيم الوطن بشكل او آخر بعد تقسيم العديد من دول الامة وظهور النزعات التقسيمية في المجتمع باثارة النعرات العرقية واللغوية والجغرافية من اجل المصالح الفئوية والاجندات المشبوهة مما يدفع احرار الجزائر الى الحذر الشديد تجاه هذه المخاطر

ان عيد النصر ياتي الآن ونحن نسجل كل يوم آلاما جديدة ومخاوف عديدة تستهدف هذا الوطن الذي ظل محروسا باحتساب اهله ودماء شهدائه ومداد علمائه ودموع اوليائه وتطلعات ابنائه المخلصين والله خير حافظا للبلاد والعباد في ظل الاسلام الوارف وشجرة الثوابت الفيحاء العميقة الجذور, وعزة هذا الشعب الشامخ الاصيل

قال سيدي عبد الرحمن الثعالبي
ان الجزائر في امرها عجب فلا يدوم بها للناس مكروه
ما حل عسر بها او ضاق متسع الا ويسر من الرحمن يتلوه

قال سيدي عبد الحميد بن باديس
من كان يبغي ودنا فعلى الكرامة والرحب
اوكان يبغي ذلنا فله المهانة والعطب

وليس ينفعنا اعظم من قول تعالى:

” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا () يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا () إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا () لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ” سورة الاحزاب

اترك تعليقًا