لن نبالغ إن اعتبرنا الانتخابات الرئاسية المقرّرة يوم السابع عشر أفريل القادم هي أخطر استحقاق انتخابي في تاريخ الجزائر، فخامس رئاسيات تعدّدية في البلاد يُنتظر أن تجري وسط ارتفاع حدّة (التخلاط الداخلي)، وفي ظلّ تزايد التهديدات والمخاطر الخارجية التي تتربّص بالجزائر منذ مدّة·
مع اقتراب الحملة الانتخابية للرئاسيات من نهاية يزداد (التصعيد السياسي) ويتسابق (الخلاّطون) ودعاة الفتنة و(بلطجية بركات) وغيرهم إلى تعفين المشهد السياسي، ولم تكن الأحداث المؤسفة التي شهدتها بجاية يوم السبت الماضي سوى جرس إنذار على درجة السوء التي يمكن أن يبلغها الوضع في ظلّ (التخلاط الداخلي) الشديد·
“تخلاط” في الداخل واستقواء بالخارج
لم يعد دعاة الفتنة (أهل التخلاط) يخفون أوراقهم هذه المرّة، فاللّعب صار على المكشوف، ولم يعد (الخلاّطون) يجدون حرجا في العمل على إفساد تجمّعات الحملة الانتخابية مثلما حصل يوم السبت الماضي ببجاية، ولم يعودوا يجدون أدنى حرج في دعوة الخارج إلى التدخّل في الشأن الجزائري، ولا عجب أن يتمنّى بعضهم عدوانا لحلف (الناتو) الصليبي على بلادنا، فمن أجل (حاجات في أنفسهم) يهون كلّ شيء ويصبح كلّ شيء مباحا· ومثلما أوردنا في أعداد سابقة فإن عبارة (الجزائر في خطر) تكاد تكون العنوان الوحيد الذي يتّفق الجزائريون جميعا على اختلاف ألوانهم السياسية وغير السياسية عليه هذه الأيّام، فكبار المسؤولين يردّدون أن البلاد تواجه أخطارا كثيرة (دواؤها الاستقرار)، وأبرز المعارضين للسلطة يقولون إن الجزائر أمام منعرج خطير، وأنه لا سبيل لتجاوزه بنجاح غير التغيير· وبين هذا وذاك تعيش الجزائر استقطابا داخليا حادّا تكرّسه حملات الشتائم والتخوين هنا وهناك وتعكسه نزعات الأحقاد والضغائن المتفشية في الساحتين السياسية والإعلامية· وعشية الانتخابات الرئاسية الأخطر في تاريخها تعرف الجزائر هذه الأيّام حالة من الاستقطاب السياسي وحتى الإعلامي لم تشهدها منذ الانفتاح السياسي والإعلامي الذي عرفته الجزائر مطلع تسعينيات القرن الماضي، وهو استقطاب تجلّى في أبرز صوره هذا الأسبوع من خلال شتائم يتبادلها سياسيون ويلوكها إعلاميون، وكذا من خلال محاولة بعض الجهات هنا وهناك إحياء النعرات الجهوية النتنة من غرداية إلى منطقة الأوراس·
إنهم يتربّصون بالجزائر··
إضافة إلى حالة (التخلاط الداخلي) القذر ووسط حاجة ماسّة إلى تقوية الجبهة الداخلية لم يعد الحديث عن وجود مخاطر خارجية تتربّص بالجزائر مجرّد (هوس) أو شمّاعة أو وسيلة لتخويف الجزائريين من جهة ما بقدر ما أصبح أمرا واقعا، خصوصا في ظلّ هشاشة الوضع الأمني بالعديد من البلدان المجاورة للجزائر، وخاصّة ليبيا وتونس ومالي·
إضافة إلى ذلك يسيل النفط الجزائري لعاب واشنطن التي تضع عينها بشكل ملحوظ على صحرائنا الشاسعة التي تكتنز ثروات كبرى، ولا تستبعد بعض الدراسات الغربية وجود مخطّط أمريكي للتدخّل في الجزائر ـ عند الحاجة ـ بهدف تأمين مصالح أمريكا والحصول على (مواقع جديدة)· وإضافة إلى فرنسا التي لم تكفّ يوما عن التحرّش بالجزائر والطمع في ثرواتها، يبرز في الآونة الأخيرة دور متزايد لأمريكا في منطقة شمال إفريقيا والساحل، ويبدو واضح أن كلاّ من واشنطن وباريس مستعدّتان للتقاتل على الجزائر بالنّظر إلى ثروات بلادنا وموقعها الهام جدّا· ولن نبالغ إن قلنا إن أمريكا وفرنسا تتقاتلان فعلا على الجزائر، لكن بطرق غير مكشوفة، بعيدا عن الأنظار· وإذا كانت باريس معروفة بأطماعها المقيتة في بلادنا فإن أطماع أمريكا بدأت تظهر للعلن، وفي هذا السياق أشار الموقع الإخباري الفرنسي (إيغالتي إي ريكونسيلياسيو) إلى أن أمريكا بدأت تنتبه إلى منطقة جنوب الجزائر الغنية بالبترول والغاز الطبيعي والمتاخمة للدول الإفريقية الغنية باليورانيوم·
وكان وزير الخارجية الرّوسي سيرجي لافروف قد أكّد وجود أطراف أجنبية تحاول زرع الفوضى في الجزائر من خلال التسويق لـ (ربيع جزائري)، وهي نفسها الأطراف التي فتحت عدّة جبهات على الحدود الجزائرية انطلاقا من ليبيا، تونس ومالي تقودها جماعات متشدّدة، محذّرا الجزائر من أن تقوم الأطراف ذاتها باستخدام نعرات الأقلّيات في هذا البلد كنواة لإحداث الفتنة· وفي ظلّ المخاطر الخارجية العديدة وحالة الاستقطاب والتشنّج الداخلي لن نبالغ إن قلنا إن الجزائر اليوم وبعد نحو عشر سنوات على إقرار مسعى المصالحة الوطنية الذي سمح بلملمة جراح المأساة الوطنية وأعاد ثلاثة آلاف مسلّح إلى أحضان مجتمعهم باتت بحاجة ماسّة إلى مصالحة جديدة من نوع آخر يتوقّف بموجبها الجزائريون ـ مهما كانت توجّهاتهم وانتماءاتهم ـ عن التراشق بقنابل الأحقاد