بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على اشرف المرسلين
ندوة الوفاق الوطني بين الأمس و بين مطلب تنفيذها اليوم
إن لجزائر اليوم :
– دستور ينظِّمُ العلاقة بين السلطات ،
– والبلد به السلطات الثلاثة التي ينص عليها ذلك الدستور .
– و بها كذلك برلمان منتخب بغرفتيه ( المجلس الوطني الشعبي ومجلس الأمة )
– بها مؤسسة رئاسة جمهورية ، و يرأس السلطة التنفيذية رئيس جمهورية منتخب .
– بها حكومة تعتبر جزء من السلطة التنفيذية إختارها رئيس الجمهورية وعرضت برنامجها على البرلمان بغرفتيه ونالت الثقة منه حسبما ينص على ذلك الدستور .
– بها سلطة قضائية ، حسب منطوق الدستور و القانون الناظم لها تتمتع بصلاحيات ، مستقلة نظرياً عن توجيهات وتدخلات السلطة التنفيذية والتقاضي فيها يخضع للاستئناف حسب الدرجات الثلاثة المتعارف عليه دولياً .
بالبلد مجلس دستوري يمارس صلاحية مراقبة مدى مطابقة مشاريع القوانين والأوامر الرئاسية مع بنود الدستور ومواده .
– بها مجالس محلية بلدية وولائية منتخبة .
رغم ذلك يتابع المراقب مواقف الكثير من الاحزاب والشخصيات التي تنادي بضرورة التقاء الجميع في ندوة للوفاق الوطني تؤسس لمرحلة إنتقالية ، ومجلس تأسيسي ، وكتابة دستور جديد او إصلاح عميق للدستور القائم ، وتنظيم عمل القضاء ، وإنشاء حكومة توافق وطني من القوى المشاركة في الندوة وغير ذلك مما ينبثق على تلك الندوة .
و تتراوح المواقف في من يرى بان تبادر بالدعوة لهذه الندوة وتحميها المؤسسة العسكرية وتضمن التوافقات فيها بين مختلف الفرقاء ، وفي من يراها تتم بالتنسيق و التوافق التام مع المؤسسة العسكرية ، وبين هذا وذاك تدور باقي المواقف .
ان جميع الداعين لها يروها ضرورة حتمية و عاجلة وهي من باب سد الذرائع خوفاً من إنزلاق الشارع ، و تفكك النسيج الاجتماعي الوطني و سفك الدم الجزائري و تمزيق الوحدة الوطنية .
و كل تلك المواقف والمقترحات والمبادرات المختلفة من الاحزاب والشخصيات مبنية على تخوف وإستباقاً لحدوث الخطر و الاحتياط من الوقوع فيه .
وجميعهم يرونها تتم عبر التوافق الذي يتجاوز كل الحياة المؤسساتية القائمة التي أشرت لها سابقاً ( بغض النظر عن مدى شرعيتها نظراً للتزوير الذي طبع مختلف الاستحقاقات الانتخابية ) اي بتعبير آخر ان الندوة وعن طريق التوافق يكون من نتائجها أن :
– يلغى الرئيس المنتخب ويعوض بمعين .
– يلغى الدستور ويتوافق على آخر .
– يلغى المجلس الدستوري الحالي .
– يحل البرلمان ويحل محله مجلس تأسيسي .
– وهكذا الأمر ينسحب على كل المجالس والمؤسسات بحلها وتعويضها بأخرى معينة .
بالأمس القريب عُقِدتْ ندوة للوفاق الوطني سنة 1994 وكانت حالة المؤسسات كالاتي :
– سنة 1991 مجلس شعبي وطني منتهي الآجال ومنعدم الصلاحية ( مجلس 1986 ) .
– تجميد العمل بالدستور سنة 1992 الذي صوت عليه الشعب في اول استفتاء حر و نزيه من طرف المجلس الأعلى للأمن .
– و بتعطيل العمل بالدستور ، غاب المجلس الدستوري الذي يمارس صلاحية مدى مطابقة الأوامر والقوانين لبنود الدستور .
– اول برلمان تعددي منتخب ( انتخابات ديسمبر 1991 ) نالت فيه الجبهة الاسلامية للإنقاذ المرتبة الأولى ألغيت نتائجه حتى قبل إجراء الدور الثاني .
– رئيس جمهورية( الشاذلي بن جديد رحمه الله ) مستقيل حسب تصريحه ، او مقال حسب المعارضة حل محله مجلس أعلى للدولة معين من طرف المجلس الأعلى للأمن .
– مندوبيات تنفيذية معينة من طرف الادارة حلت محل المجالس المحلية ( الولائية والبلدية ) المنتخبة .
– محاكم خاصة أحكامها غير قابلة للاستئناف و التقاضي يكون فيها او في المحاكم العسكرية .
و بعد اجهاض اول تجربة ديمقراطية بإلغاء نتائج الدور الأول لإنتخابات البرلمان دخلت البلاد في مسلسل من التدمير والحرق والتفجير والقتل وشاعت الكراهية و عمت الفوضى ، حتى كادت الدولة ان تنهار وأصبحت الدولة عاجزة عن الإيفاء بالتزاماتها تجاه الشركاء ، غير قادرة على تسديد خدمات الدين العام ، كانت حينها تصنف كدولة فاشلة إقتصادياً ، و وجهة سفر ذات المؤشر الاحمر شديد الخطورة إذ أن اغلب الدول الغربية تحذر رعاياها من السفر لها ، غلقت الكثير من الدول سفاراتها والبعض الاخر خفض عدد الموضفين الديبلوماسيين للحد الادنى، البعض يصفها بانها تعيش حرب أهلية ،.
في مثل هذه الظروف كانت حلة البلد بل وأقسى !!!! ، و الأقسى من ذلك هو ان دماء الجزائريين كانت تسيل كالوديان الجارفة ، بهذه الاجواء عُقِدت ندوة الوفاق الوطني برزنامة تؤسس للعودة بالعمل للحياة الدستورية الطبيعية و بناء المؤسسات ذات الصلة بها ، وتشرع السلطة المنبثقة عنها في إ جراءات تهدئة و حوار بين أطراف الأزمة من أجل حقن دماء الجزائريين . فكانت مواقف الاحزاب والزعامات السياسية منها متباينة :
– الحسين آيت احمد ( جبهة القوى الاشتراكية آلافافاس ) كان اول من عارض نتائج فوز الجبهة الاسلامية للإنقاذ بمسيرة كان عنوانها ( لا للدولة البوليسية ولا للدولة الأصولية كناية على فوز الفيس ) و ذلك قبل إجراء الدور الثاني ديسمبر 1991 اي قبل إلغاء المسار الانتخابي ، كان موقفه الرفض وعدم الحضور للندوة .
– عبدالحميد مهري رحمه الله ( جبهة التحرير الوطني ) موقف الحزب الرسمي المقاطعة وعدم الاعتراف بالسلطة القائمة ، بينما جميع المنظمات الجماهيرية والاتحادات الوطنية والتي تعتبر قيادات وطنية في الجبهة شاركت في الندوة وفي المؤسسات التي انبثقت عنها ، نذكر من الأسماء الأمين العام الحالي للجبهة عمار سعيداني كان رئيس لجنة في احد مؤسسات المرحلة الانتقالية ( المجلس الوطني الاقتصادي و الاجتماعي ) ، وكذا الوزير جمال ولد عباس القيادي في المكتب الوطني للجبهة حاليا كان رئيس لجنة في المجلس الوطني الانتقالي وهكذا الأمر بالنسبة لاغلب قيادات اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني كانوا اكثر الممثلين لمؤسسات المرحلة الانتقالية رغم المقاطعة الرسمية من طرف الأستاذ عبدالحميد مهري .
– الجبهة الاسلامية للإنقاذ كانت محلة بحكم المحكمة ، ولم تكن مدعوة للندوة ، وأفرادها بين معتقل ومهجر ومشرد وحامل للسلاح بالجبل و القليل مُسْتقطب بمنصب وزاري او استشاري .
– الشيخ عبدالله جاب قاطع الندوة و لكن الرابطة الوطنية للطلبة شاركت بوفد في ندوة الوفاق كما أنها مُثِّلتْ في المجلس الوطني الانتقالي بالأستاذ والصديق لمنور عمار .
– حزب العمال قاطع الندوة ودعت زعيمته لمقاطعتها بقوة ، وكانت حينها أكبر المدافعين !!!! على المفقودين وعلى طروحات الجبهة الاسلامية للإنقاذ ، كما أنها ومن المفارقات كانت أكبر المعارضين لهم بعد نزولهم من الجبال وتسليم السلاح في إطار قانون السلم والمصالحة .
– نورالدين بوكروح إلتحق حزبه بالمجلس الوطني الانتقالي بعد ترشحه في الانتخابات الرئاسية سنة 1995 .
– الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله تعامل مع السلطة الحاكمة حينها كسلطة الأمر الواقع و بإعتبارها تتقارب مع احكام الأمير المتغلب ، فشارك في الندوة الأولى وانسحب منها واضعاً بعضاً من الشروط للعودة للثانية منها حقن الدماء والمحافظة على ثوابت الامة و تقصير مدة المرحلة الانتقالية للحد الادنى وغيرها من الشروط ، وبعد الاستجابة له شارك في الندوة الثانية و انخرط الحزب في مؤسسات المرحلة الانتقالية ( المجلس الوطني الانتقالي ) وفي الترشح للانتخابات الرئاسية سنة 1995 و دخول الحكومة جانفي 1996 والانتخابات التشريعية سنة 1997.
ان كل الاحزاب المؤيدة والمقاطعة لندوة الوفاق الوطني انخرطت في بعض قراراتها و نتائجها ومن نتائجها الانتخابات التشريعية والولائية والبلدية وبعض المقاطعين شارك حتى في الحكومة بعد الانتخابات والبعض الآخر المسلح والمسيس للجبهة انخرط في التحاور مع السلطة القائمة وراجع مواقفه و ثوابته في العودة من الجبال !!!
تلك كانت اهم مواقف الشخصيات والأحزاب من عقد ندوة للوفاق الوطني بين الأمس و اليوم .
إن هذه الندوة تعارضها السلطة واحزابها المتقاسمة الريع فيها وان كان من حقها رفض الاستجابة لعقد ندوة للوفاق الا انه ليس لها الحق في ان تغلق باب الحوار والتواصل مع المعرضة كما ليس لها الحق ان تحكم البلد عن طريق السطو على إرادة الشعب وتزوير إرادته ، وليس لها الحق مطلقاً بان تخون من يدعوا لندوة الوفاق الوطني إذ لولا وطنيته وتخوفه على الوطن لما دعى للوفاق من أجل حمايته .
ان من يتخوف الان من الانزلاق والتدخل الأجنبي وهو محق في تخوفه نتيجة حبه لوطنه ، رغم انطلاق البعض من خلفية جني مصالح ذاتية او حزبية أحياناً !!!! ، ويدعو بقوة لعقد ندوة وفاق ، قاطع نظيرتها بالأمس وقد تكون مبررات مقاطعتها لها بالامس مقبولة رغم ان دماء الجزائريين كانت حينها تسيل في الشوارع والتدخل الاجنبي في أوجِه ، الا ان غير المقبول هو مهاجمة وتخوين من شارك فيها !!!!!!! و دون ان أصادر على صاحب رأي رائيه ……
ان مجرد الخوف رغم انه مشروع يتركك تلغي وتهدم الموجود الشرعي ( نسبياً ) و تطلب الاستعانة بالجيش لتنفيذ مطلبك ، ذلك لا يتوافق مع رفضك الاستجابة لدعوة الجيش لوقف النزيف ووضع رزنامة بناء المؤسسات سنة 1994 ، رغم انه لايحق لي ان اتهم اي احد ، إلا إنها مفارقات عجيبة بين الأمس واليوم !!!
لكن ما يمكن قوله ان ذاك اجتهاد والآن هناك تراجُع من البعض على ذلك الاجتهاد السابق !!!! والوقت جزء من العلاج .
لكن تأكد ياأخي وياأختي أبناء الحركة الواعية أنه عندما :
تغيب الحقائق على الأبناء !!!
ويتقاعس بعض الرفقاء !!!
و تتداخل حسابات الخلفاء !!!
وتغيب الأقلام الموضوعية !!!
ويعجز البشر !!!!!!
لرد مظلمة أصحاب الاجتهادات والمواقف الوطنية المشرفة !!!!
ينتصر الحق سبحانه وتعالى لصاحب الحق المهضوم ( وهو في قبره يتنعم ) ، من مواقفه الشرعية والوطنية و الواقعية الذي كان من اؤكد الواجبات على الخلفاء و أضعف ايمان الوفاء أن يؤصلوا لها لا ان يتملصوا ويتبرؤ منها او من بعضها خاصة خاصة خاصة ان اغلبها أيدها الواقع وكلها اتخذت بمواقف شورية ملزمة بالاجماع واحياناً بالاغلبية الساحقة و الوقت جزء من العلاج
رحمة الله عليك من ولي صالح و شيخ صاحب رؤية شرعية أصولية واستشراف فريد انتصر لك الحق عندما هُضِمَ الحق