أيها المؤمنون / بما أننا مقبلون على حدث سياسي هام يتمثل في انتخابات الرئاسة المقبلة , فإنه يحسن بنا أن نتوقف عند هذا الحدث . لا من أجل أن نوجه الناس على أن تنتخب أو لا تنتخب , ولا على من يجب أن تنتخب ولا على من يجب أن تجتنب , فلكل حسناته وسيئاته ولكل منافعه وأضراره . ولكن من أجل أن نبين أهمية هذا الحدث الذي لا ينبغي أن يمر مرور الكرام – كما يراد له – فهو يتعلق بمصير بلد افتك استقلاله وحريته بملايين الشهداء وأنهار من الدماء لا من أجل أن يأكل ويشرب ويتمتع ولا يهمه بعد ذلك إن حكم زيد أو عمرو . ولكن كل تلك التضحيات كانت من أجل إقامة دولة العدل والإحسان , دولة لا يظلم فيها إنسان , دولة يؤدي فيها الناس واجباتهم ويحصلون على حقوقهم بلا مزية من أحد ولا واسطة من أحد . دولة حارسة للقيم والمبادئ ومشجعة للقيم والفضائل . دولة تسهر على حرمات الله أن تنتهك وعلى حدوده أن تُتَعدى وعلى فرائضه وواجباته أن تؤدى .
ومن ناحية أخرى فإن هذا الحدث يتعلق بمصير ست وثلاثين (36) مليون إنسان يعيشون في هذا البلد , كل واحد منهم له حاجات يجب أن تقضى وطموحات ينبغي أن تراعى . ومن يتقدم لمثل هذا المنصب الخطير إن كان مستشعرا ضخامة المسؤولية وعظمة الأمانة وخطورة التبعات ثم هو يصر على هذا المنصب ويلح على الناس أن ينتخبوه فهو مصيبة على البلد , ومن ينتخب عليه شريك له في هذه المصيبة . ولا تجد رجلا عاقلا يدرك مقدار هذا الخطر ثم يلح عليه . وإن كان غير مدرك لضخامة المسؤولية وعظمة الأمانة وخطورة التبعات وفي الوقت ذاته يلح على الناس أن ينتخبوه فالمصيبة فيه أعظم والخطب فيه أفدح .ومن ينتخب عليه شريك في هذه المصيبة . ومن هنا ندرك أهمية قول المصطفى “صلى الله عليه وسلم” لأبي ذر “رضي الله عنه” : ( يا أبا ذر . إنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة ..) , وأهمية بدء النبي ” صلى الله عليه وسلم” بالإمام العادل حين قال : ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل , أو إمام عدل ..) , وندرك أيضا أهمية مقولة عمر بن الخطاب “رضي الله عنه” والذي يضرب به المثل في العدل : ( لو عثرت بغلة في العراق لخشيت أن يسألني عنها ربي يوم القيامة . لِمَ لمَْ تسوِّ لها الطريق يا عمر .) .
وإذا كان الأمر بهذا السوء وبهذه الخطورة قياسا بالموازين الأخروية فما العمل وما المخرج ؟ هل نشارك في هذه العملية أو لا نشارك ؟ وإذا شاركنا هل نؤجر ونقول : لقد أدينا عملا وواجبا , أم هل نؤثم ونقول : لقد ساهمنا في مصيبة . وإذا لم نشارك وقعدنا في بيوتنا هل نؤثم لأننا تركنا الآخرين يفصلون في الأمر بدلا منّا . أم هل نؤجر لأننا لم نشارك في اختيار من سيكون بلاء ومصيبة .
إن هذا التساؤل وهذا التريث نحسبه علامة صحة وعلامة وعي لمسلم يهمّه أمر بلده ويهمّه قبل ذلك أنه سيقف بين يدي ربه فردا ليسأله عن كل صغيرة وكبيرة تهمه وتهمّ أمته ودينه من قريب أو من بعيد . والله نسأل أن يرينا الحق حقا وأن يرزقنا اتباعه .
وما دامت الأمانة ثقيلة والمسؤولية عظيمة فإنه لا يصلح لها إلا رجل قوي أمين , يكون الضعيف عنده قويا حتى يأخذ الحق له , والقوي عنده ضعيف حتى يأخذ الحق منه . رجل يحكم بالعدل ولا تأخذه في الله لومة لائم , رجل يعلم علم اليقين أنه سيقف بين يدي ربه ليحاسب على النقير والقطمير وعلى الصغير قبل الكبير .
ولا شك أن هذه المواصفات تكاد تكون نادرة إن لم تكن منعدمة في زمننا هذا , فقلما يجتمع خوف من الله وتقوى في قلب رجل يحرص على المنصب ويتطلع إلى الدنيا .
والواجب على الأمة والحال هذه أن تعمل على إيجاد ذلك الرجل القوي التقي الصالح المصلح الذي لا تغريه دنيا ولا يغره منصب ولا يحرص على مسؤولية . فإذا ما وجد وتوسمت فيه الأمة الخير والقوة والصلاح والأمانة فوضته شؤون أمورها راضية مرضية وأعانته على ذلك ولم تبخل عليه في سراء ولا ضراء , وكان لها نعم الحاكم الصالح . كما الحبيب المصطفى “صلى الله عليه وسلم” : ( خير أولياء أموركم الذين تحبونهم ويحبونكم وتدعون لهم ويدعون لكم ) .فاللهم ول علينا خيارنا ولا تول علينا شرارنا , اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا . اللهم احفظ هذا البلد واجعله سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين .
بقلم المحب / أبو طارق
في: 08/04/2014