حتى يغيروا ما بأنفسهم بقلم أبو طارق

ما أسهل أن يلقي الواحد باللائمة على غيره حين ينتقد أوضاع أمته وحال مجتمعه , وما يجب عليه أن يكون , وتجده بارعا في التجريح والتشريح . بل تجده خبيرا في التنصل من المسؤولية وإلقاء التبعات على الآخرين . وقلما تجد ناقدا أو ناقما يلقي بجزء ولو قليلا – على نفسه مما هو حادث وواقع . وقد علمنا القرآن الكريم أن لا نبرئ أنفسنا فقال تعالى : {52} وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ{53}.

 

وعليه نقول : لو خلا كل واحد بنفسه ساعة وصارحها قائلا : يا نفس . هل قمتِ بما هو واجب عليك وأديتِ ما هو مطلوب منكِ .؟ هل أحسنتُ في عملي وأتقنته ؟ أقول هذا وحديث المصطفى “صلى الله عليه وسلم “بين عينيّ ( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه ) , وحديثه ( إن الله كتب الإحسان على كل شيء ) . وهل أخلصت فيه واحتسبت الأجر من الله وحده وقلت : { هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ }النمل40

وها هو سيدنا أبو بكر “رصي الله عنه ” يخلو بنفسه ويقول : اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت .فاغفر مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ) .

لو وقف كل واحد يزعم الغيرة على أمته وعلى دينه – وقفة صادقة وقال : يجب عليّ أن أفعل ما في مقدوري وما في وسعي من أجل ديني وأمتي وبلدي . وتوكل على الله وشرع في العمل ولم ينتظر جزاء ولا شكورا ولا مدحا ولا إطراء من أحد . لرأينا الواقع المر يتغير والأرض الجدباء تخضر والآمال البعيدة تتحقق .أليس يقال : ( حقائق اليوم أحلام الأمس , وأحلام اليوم حقائق الغد ) . من كان من آبائنا وأجدادنا يحلم ويأمل بأن تتحرر البلاد ويعود الاستعمار مذؤوما مدحورا من حيث أتى  . إن الكثير منهم كان يرى زوال الحال من المحال وأن فرنسا قدرا مقدورا وأمرا مفروغا ومن يحاربها يحارب الله في سمائه .

وإننا اليوم إذ تمر بنا ذكرى يوم العلم , ذكرى وفاة العلامة عبد الحميد بن باديس رحمه الله وجعل الجنة مثواه – نذكر للرجل وقفته الشهيرة وهو بمدينة رسول الله “صلى الله عليه وسلم “ مع صاحبه البشير الإبراهيمي , وكان بإمكانهما أن يتخذا المدينة المنورة مستقرا لهما ويجاورا الحبيب المصطفى “صلى الله عليه وسلم ” فيها , ولا شك هي أمنية كل مسلم . ومع ذلك ضحوا بهذه الفرصة وتعاهدوا على العودة إلى الجزائر والنهوض بها وبأجيالها , خدمة للإسلام ولأمة الإسلام , وما هي إلا سنوات قليلة من التربية والتوعية والجهاد بالقلم والكلمة حتى أجمع الشعب كلمته ووحد صفه وخاض حربا ضروسا تدمر كل شيء من الاستعمار أتت عليه . هي حرب التحرير التي أعادت له حريته وحققت له حلمه في العيش بكرامة وعزة وحرية .

تُرى لو وقف الجميع مثل هذه الوقفة وعقدوا العزم على العمل من أجل صالح هذه الأمة وهذا البلد , لتغيرت الأحوال ولكانت بلادنا من أحسن البلدان , وإن كان هناك عيب أو نقص فهو فينا قبل أن يكون في بلدنا أو في غيرنا . وقديما قال الشاعر : نعيب زماننا والعيب فينا … وما لزماننا عيب سوانا .

وفي الأخير / إذا أردنا النهوض بأمتنا والنجاة بأنفسنا والمحافظة على الأمانة التي في أعناقنا . ما على كل واحد مهما كان موقعه – إلا أن يلتفت إلى نفسه وإلى المقام الذي أقيم فيه فيتقن عمله ويحسنه ويخلص فيه ويبتغي الأجر من الله عليه , ويعلم أنه سيقف بين يدي ربه ليسأله عما استأمنه عليه . حفظ أم ضيع . يقول المصطفى “صلى الله عليه وسلم ” : إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع ) ويقول أيضا : كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته . فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته , والرجل راع في أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته , والمرأة راعية فيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها , والخادم راع في مال سيده وهو مسؤول عن رعيته , فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ) .

بقلم/ المحب أبو طارق

في:  17/04/2014

اترك تعليقًا