وقفات امام الانتخابات الرئاسية 2014
1. الانتخابات موسم تحول
تمثل الانتخابات الرئاسية عند المراقبين أحد أهم المواسم الدعائية للأفكار والمشاريع وللأشخاص والبرامج ، كما تمثل عند آخرين أهم محطة من محطات التغيير التي تُقرُّها نُظم المنهج الديمقراطي الجمهوري ونظم الملكيات الدستورية ، وكما تعتبر من جهة ثالثة امتحانا سياسيا للافراد والجماعات التي تبغي تمثيل الراي العام وقيادته ، وهي بذلك فرصة متجددة لبناء الثقة بين الشعب ومكونات المنظومة السياسية ، وهي أيضا الاسلوب السلمي للاختيار في مواجهة الاساليب العنيفة والانقلابية ، وهي الوسيلة المباشرة لإجراء القياس حقيقي لتوجهات للراي العام وهي بكل ذلك يمكن اعتبارها التطبيق العملي المعاصر لمبدأ الشورى الأصيل الذي يفعّل دور عامة الشعب وخاصته لإعادة صياغة التحالفات ورسم الخرائط السياسية.
2. لا يلدغ من الجحر مرتين:
لقد شهدت الانتخابات غموضا كبيرا جدا اعاد مشاهد سيناريوهات 2004 التي تغير فيها بعض الممثلين الثانويين أو الكمبارس ، وبقيت مكونات السلطة المؤثرة في الفعل الانتخابي في اتجاه واحد ، وخاصة الادارة والاحزاب الرئيسية للسلطة بما تسيطر عليه من المجالس المحلية وبعض المنظمات الجماهيرية ، كما دخل “الاعلام الخاص” في المعركة بقوة وكانت عملية التموقع سابقة للانتخابات ، ولكنها في المراحل الحاسمة استطاعت التأثير المباشر على الساحة كما لعبت “قوى المرأة ” التي استهدفت بالإصلاحات منذ العهدة الثالثة ، وقوى الشباب الذي هو جيل لا يرتبط بالمأساة الوطنية أدوارا متقدمة في حسم المعركة الانتخابية، كما
سهلت “عملية المقاطعة” وتغييب المراقبين عن المراكز الانتخابية ناهيك عن الصناديق وقد سهلت الاتجاه الواحد للناخبين لان معركة الصوت هي معركة آنية في التجربة الانتخابية للتعددية.
3. الانتخابات خيارات وأهداف:
كانت أطراف كثيرة من الساحة السياسية تريد من الانتخابات عدم تزكية الفساد ، وعدم الانخراط في المقاطعةحمايةً للوحدة الوطنية وطلبا للعافية وخوفا من تعريض البلاد لأي انزلاق وحمايتها من الانتقام و العداوات والتجاذبات السلبية والتوجه لاحترام إرادة الشعب وخياراته الحامية للجزائر وثوابتها.
كما كان ان تيار العهدة الرابعة يريد أن يستمر في الحكم بل أصبحت الانتخابات تشكل لدى هذا الفريق قضية حياة أو موت وقد حققوا هدفهم المشترك. كما
كان التيار المنافس للرئيس يريد العودة الى الساحة السياسية من الباب الواسع ، جريا على قاعدة إذا هبت ريحك فاغتنمها أو من خلال العمل على التموقع للمستقبل الذي يراه انتقال بين الاجيال وقد حقق جزءا من أهدافه.
كما أن الجيش كان يسعى الى الاستقرار ، والابقاء على وحدة القرار الوطني ، والخروج الامن نحو تمدين النظام ، وبناء مؤسسة جيش استراتيجة ، تبقي لها الادوار والقرب الذي يمكنها من حماية الجزائر بنظامها المستمر ،وقد تحققت نسبة هامة من هذه الأهداف.
أما منظمة المجاهدين فقد كانوا يعلمون أن مرحلة الشرعية الثورية قد انتهت وولت، ولهذا حرصوا منذ البداية على نظافة السجل ، والخروج من عنق الزجاجة التي فرضتها الانتخابات الاخيرة ومرض الرئيس.
أما المقاطعون فكانوا يريدون إعادة رسم الخارطة السياسية من خلال إسقاط النظام بالشارع أو بالأحرى التموقع في الشارع استعدادا للتحولات والمواعيد القادمة، فتتشكلت بينهم تحالفات النقائض وبدأ الصراع الإيديولوجي يتراجع إلى الصف الثاني في مقاييس اللعبة السياسية لصالحالاستقواء بالآخر وقيادة المعارضة المشتركة في اتجاه الجمهورية الثانية.
وقد حققت كل الاطراف غاياتها بنسب متفاوتة ستعمل على استثمارها في المستقبل القريب لتبقى العشرية القادمة فضاء التدافع الناعم، ويكون التغيير الحقيقي في الفترة التي تليها إما بتشكل قوى شعبية واعية، أو تحالفات تتداول السلطة، أو الاتجاه نحو الحسم بالشارع في ظل التحول الكلي الذي سيحدث في الأمة خلال العقد القادم ، ويؤسس لمرحلة دولة الشعوب والقيم.
4. معركة المصداقية :
لقد تفننت الانظمة خلال العقود الاخيرة في التحايل على إرادة الشعوب وتزوير خياراتها ، فبعد أن انتهت حقبة الانقلابات يمكننا القول أن الربع قرن الأخير هو “مرحلة التزوير” الذي تفننت فيه الإدارات والسلط الحاكمة واستسلم الشعب امام عملية تشويه الفعل الانتخابي بالتزوير وفقدت الشرعيات المنبثقة عن الانتخابات في عالمنا العربي والثالث عموما مصداقيتها الكاملة مما أدى الى استخدام القوة لقمع المعارض أو رشوة المجتمع وشراء الذمم لاحتواء المخالف،
وخاضت الطبقة السياسية مجتمعة أو كل من جهته معركة طويلة ضد التزوير منذ التعددية السياسية التي جاءت قبل ثلاثين عام بانهيار الاتحاد السوفيتي ، وتفكك روابط الدول الدائرة في فلكه وانتفاضة الشعوب على الأحادية، و كانت الأحزاب السياسية كلما حققت نصرا على مستوى تمكين السلطة المضادة من موقع متقدم إلا وكانت مخابر التزوير قد ابدعت في مواجهتها أساليب جديدة للإلتفاف على الإرادة الشعبية اصطلح عليها بالتزوير الذكي الذي سخر أهم العوامل الاساسية في التحكم في الانتخاب ممثلة في الادارات والسلط القائمة ثم القوى الامنية المؤثرة في القرار السياسي ورسم الخارطة السياسية في البلاد ، ثم وظف المال الذي بدأ في السنوات الاخيرة يلعب دورا متقدما في صياغة المجالس المنتخبة ، وبرزت فيه شخصيات سياسية هامة مثل الحريري في لبنان نموذجا لها.
وأما الشخصيات السياسية والاحزاب بدون هذه السلط فإن تزويرها يظل محدودا مهما كان شكله ، وقد سجلت لنا الاحداث قوى حزبية مختلفة مارست التزوير من موقع السلطة فلما اختارت موقع المعارضة كانت من أول ضحاياه رغم علمها السابق بالوسائل والاساليب التزويرية القديمة ،وذلك أنها افتقدت القوة والادارة ، ولم تستطع ان تحسم المعركة المالية لصالحها.
5. التدخل الدولي في الانتخابات:
يكاد الاعتراف الدولي بالسلط والأنظمة في العصر الحديث يكون من أهم عوامل الحكم عليها بالشرعية ، ولذلك أصبحت القوى الدولية تنتهز الفرص الانتخابية لتمرير سياساتها وترتيب أوراق مصالحها وابتزاز الجهات المحتاجة إلى المصداقية لافتقادها إلى الاكتفاء بالمصداقية الشعبية لنقص المشاركة الشعبية أو لحصول التلاعب بالنتائج الانتخابية أو لغياب المعايير الدولية عن الاستحقاق.
كما أصبح المراقبون الدوليون لازمة انتخابية في كل المناسبات لأن التسليم بالنتائج لم يعد سهلا في ظل أنظمة الدول العربية ودول العالم الثالث على حد سواء ، واحتاجت الانتخابات دوما إلى الشهود الذين يشهدون بالحق حينا ، وبالزور أحيانا ، ولا يرون من القمر وجهه المظلم لأن أسلوب الانتخاب وجغرافيته أكبر من مجال رؤيتهم خصوصا اذا ثارت أدخنة الفتن والاضطرابات وضباب الشتاء الانتخابي.
كما أصبحت دويلات النفط تتدخل مباشرة في التحولات التي تحصل في الأمة العربية وتستخدم الضخ المالي من أجل اعادة بعث الانظمة المتهالكة أو الانقلاب على الانظمة الشعبية الجمهورية أو اعاقة التيار الاسلامي من الوصول إلى الحكم لأن ذلك سيشكل تحديا فكريا وسياسيا لها ويهدد طبيعتها الملكية القائمة على حكم العائلات.
6. الاسلاميون وتحديات المرحلة:
يشكل الاسلاميون أكبر القوى السياسية في البلاد وقد جعلتهم التجارب والتطورات خلال العشرين سنة الأخيرة من أهم مكونات الحراك السياسي ، ولكن الانقسام الذي تشهده الحركة الاسلامية في الجزائر يبقى أهم عامل معطل لأي تأثير لها في الساحة بل سيجعل قوى أخرى تستخدم أدواتها الفكرية في التمدد داخل الشعب مما يفرض عليها إعادة القراءة للأحداث والتحولات والتفكير المشترك الجماعي في المسالك المستقبلية وانعكاسات الأوضاع على مشروعها والحذر من الاحتواء في مشاريع الاخرين
7- الاصلاح بعد الانتخابات:
إن الاصلاحات هي من أوجب واجبات المرحلة لأنها أجلت من خلال تأجيل التعديل الدستوري الذي هو الوثيقة الحقيقية لأي مشروع إصلاحي جاد ، والاصلاحات تحتاج إلى رؤية عامة وإلى تفاصيل جزئية .
الرؤية العامة :
تتمحور في رؤية التحول الإصلاحي حول قاعدة المصلحة العليا ؛ فالجزائر قبل الجميع وأي تحول فيها يجب أن يحمي مستقبل الوطن والشعب وهي تنتظر إصلاحا آمنا يصنع أبناؤها فيه مستقبلهم بأيديهم في ظلال الحكمة والإحترام والعزة والكرامة ، والذكاء السياسي والثقة بالله سبحانه وتعالى.
ويحتاج نجاح التحول أن يكون هادئا وجماعيا ومرحليا و معلوم البداية والمآل ويؤسس لشرعية شعبية تنهي المراحل الانتقالية، وتتيح الفرصة لجميع الجزائريين ليساهموا في جزائر جديدة لايقصى فيها أحد ، ترتكز على التاريخ وتستند على القيم ، وتعتمد على الاقتصاد والتنمية ، وتتطلع لمستقبل يقوده العلم والمعرفة والكفاءة في ظل التعددية والحريات ولا يتم ذلك الا من خلال قواعد واضحة وأسس صلبة تتمثل في معالم واضحة.
8. المعالم الاساسية للتحول الاصلاحي الجاد تتمثل في قضايا أساسها :
• أن تتجسد قاعدة الشرعية الشعبية أساسا للحكم بشكل يقنع المواطن ويعبئه وراءها.
• أن يعتمد مشروع المجتمع الذي فصل فيه نوفمبر فلا مجال للتراجع عن خيارات الشهداء.
• أن يكون الاختيار الحر هو وسيلة الفصل الآمنة الممثل لإرادة الشعب عبر الشفافية.
• أن لا تبقى الحريات شعارا أو مزاجا بل هي قانون يحترمه الجميع ولا يمنّ به أحد على أحد.
• أن تكون الوحدة الوطنية غاية دائمة يتوخاها كل مشروع لحل أزمة الجزائر.
• أن تعتبر الثروة ملك لكل الشعب لا بد أن يتوقف استنزافها ويُرشّد توزيعها.
• أن يظل اعتباره استقلال القضاء وفصل السلطات صمام أمان ورشادة الحكم.
• أن تزول مرحلة الهيمنة الإدارية على القرار السياسي احتراما للدستور والقانون.
• أن تكون مشاركة الجيش الوطني الشعبي تؤمن المستقبل في إطار قوة الحق وليس حق القوة.
• أن الإعلام شريك أساسي في إدارة التحول الآمن بانحيازه للحق وربط الشعب بالحقيقة.
• أن سيادة الجزائر يجب أن تبقى مقدسة ولا مجال للسماح بانتهاكها أو تعريضها للمساواة.
• أن الحوار المؤسس والشفاف والبعيد عن لي الأذرع هو العتبة الأولى للتحول الآمن.
9. الجدار الوطني مشروع أصيل:
اذا كان الاستقلال عاد بالشعب من خلال الجدار الوطني الذي مثلته الجبهة والثورة ، فالشعب يبقى هو الأقدر على مواجهة عملية الركود التي أصبحت عليها الساحة وذلك من خلال حضوره السياسي الفعال وليس الحضور الانتخابي المحدود ، لأن الفعل السياسي المستمر لمكونات الشعب ونخبه هو الأداة الاساسية لتحقيق آماله من خلال تنظيم نفسه ، وتفعيل أدواره التي تبقى مسؤولية الطبقة السياسية أساسية بل أسمنت للجدار الوطني في كل خطواتها ومراحلها.
10. الاستقرار مقدمة الإصلاح:
إن الاستقرار والأمن كانا غايتين نبيلتين في هذه المرحلة، ولكن الاستغلال السياسوي لهما حوّلهما إلى المتاجرة الانتخابية التي دفعت بجزء هام من الشعب ليصوت من أجل الاستقرار وليس خيارا حزبيا أوشخصيا خصوصا أولئك الذين يهدد الانزلاق حياتهم العادية، ومصالحهم البسيطة ، التي لم يحصلوا عليها إلاّ بشقّ الأنفس والانتظار الطويل
ولا يمكن أن يكون الاستقرار إلا في مصلحة التنمية والاصلاح وإلا كان سببا في تغير النعم فالله لا يغير نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، ولأن النعم رحمة من بلاء أو عافية ورزق من شكر وحمد فقد من الله على قريش بالنعم في الأمن والقوت وطالبهم بأداء مقتضاها “فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف “
ولكن لا تؤخذ الدنيا إلا غلابا في عالم الأسباب ، وهو ما يلزمنا التربية للأفراد والشعوب باستكمال البناء وصلابته ، والنفع العام لخلق الله لأن البناء الصلب على العقيدة هو فقط حصن النصر، وقوة التدافع ومنه إصلاح الامم والتطلع للغاية الكبرى والاستئناس بالفتح من عنده سبحانه ” فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ” وذلك سرور أهل الخير “وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْر مِنْ اللَّه وَفَتْح قَرِيب “.