و من لم يجعل الله له نور فما له من نور

{…  وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ }

قبل مجيء الإسلام وبعثة النبي الخاتم “صلى الله عليه وسلم”كانت البشرية تعيش في جاهلية جهلاء وفي ضلالة عمياء , القوي فيها يأكل الضعيف والغني يستعبد الفقير والرجل الطويل العريض يقتل ولده وابنته خشية الفقر أو العار . وهكذا .. فلما جاء الإسلام وأراد الله بمن شاء منهم الخير والهداية  أحياهم بعد ممات وأخرجهم من الظلمات وجعل لهم نورا يمشون به في الناس . فعرفوا ربهم بعد جهل واهتدوا بد ضلال وأبصروا طريقهم بعد طول ضياع . وهاهو القرآن يتنزل على قلب الحبيب “صلى الله عليه وسلم” مذكرا بهذه الحقائق : {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }الأنعام122 .

فالإسلام نور والإيمان نور والقرآن نور والصلاة نور والصبر ضياء . وفي مقابل هذا النور هناك الحياة الدنيا بشهواتها وشبهاتها , بملذاتها وأهوائها , بزينتها وزخارفها كلها ظلمات في ظلمات . لا يبصر طريقه فيها ولا يخرج منها إلا من كان له نور رباني وكتاب سماوي . وفي هذا يقول الله تعالى ممتنا على عباده المؤمنين :{ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ{15} يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }المائدة16

وبالله عليكم- يا من منّ الله عليكم بنعمة الهداية والإيمان .هل يستوي أهل الأنوار مع أصحاب الظلمات ؟ هل يستوي من يعبد الله الواحد الأحد . الفرد الصمد .الذي {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }يس82 . مع من يعبد آلهة من دون الله . لا تسمع ولا تبصر ولا تملك لنفسها ولا لأصحابها ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا .؟ هل يستوي من يعرف طريقه وغايته والمطلوب منه ويعرف من أين جاء وإلى أين هو ذاهب ولماذا هو هنا . مع من ضل طريقه ولم يهتد إلى غايته ولم يعرف ما المطلوب منه ولماذا هو هنا ؟ { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ }الزمر9.{أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ{19} الرعد . هل يستوي من شرح الله صدره للإسلام ونور قلبه بالإيمان فهو يرى بنور الله . مع الذين صدورهم ضيقة حرجة كأنما يصعدون في السماء . { أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ{22} الزمر .

لئن كنا في هذا المكان وتحت هذا السقف من هذا البيت المبارك الذي تحفه ملائكة الرحمن نتذاكر مثل هذه المعاني . فإن الكثير الكثيرَ من عباد الله في أرض الله الواسعة لا يعرفون الله الواحد الأحد ولا يعرفون إليه طريقا ولا يهتدون إليه سبيلا وهم يخبطون خبط عشواء في : { ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ{40}النور . مما يحتّم على العلماء الربانيين والدعاة المخلصين في هذه الأمة النهوض بواجب تبليغ الرسالة وإيصال النور إلى هؤلاء المحرومين .

وفي الأخير نختم بهذه القصة الحقيقية الشيقة من زمن النور الذهبي . حيث في إحدى الليالي المظلمة من ليالي المدينة المنورة التي لم يكن بها كهرباء ولا إضاءة . صلى الصحابة الكرام خلف رسول الله “صلى الله عليه وسلم” صلاة العشاء وسمعوا القرآن منه غضا طريا فامتلأت قلوبهم نورا وضياء وخرجوا إلى بيوتهم . وترافق أُسيد بن حضير وعُبادة بن بشر “رضي الله عنهما” والسرور يملأ قلبيهما وهما يحمدان الله على نعمة الإسلام ونور الإيمان . وإذا فوق رأسيهما مثل المصباح ينير لهما طريقهما ويضيء لها دربهما في تلك الليلة الشاتية التي لم يكن بها قمر ولا نجوم . فارتاحت أنفسهما لهذا النور وعلموا أن العناية الإلهية ترعاهما وتحفظهما . وأنه لولا هذا الدين وهذا القرآن لما كان هذا النور .

ويا للعجب لما افترق كل منهما إلى بيته وواصل طريقه بمفرده انقسم هذا النور نورين وذاك المصباح مصباحين حتى دخل كل منهما إلى بيته .وإنها لكرامة عاجلة لمن صدق في إيمانه وإسلامه . والكرامة الحقّة يوم القيامة  يوم تبلى السرائر وتكشف الحقائق . يوم لا يكون هناك نور إلا نور المولى سبحانه جل في علاه – القائل في كتابه الكريم :{يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ{12} يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ{13} يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاء أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ{14} فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ{15} الحديد.

فاللهم ارزقنا الصدق في السر والعلن والإخلاص في القول والعمل  . وأحينا على الإسلام وتوفنا على الإيمان واجعلنا هداة مهتدين .{رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ{8} رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ{9}آل عمران.

بقلم/ المحب أبو طارق

في : 26/04/2014

                                                                                               

اترك تعليقًا