عجيب أمر الأفالانيين، تحرّكهم المطامع والوزارات والمناصب والترشيحات، ويتهافتون في التغيير الداخلي بشكل لا يسبقهم فيه أحد، ولكنهم في القضايا المبدئية لا نكاد نسمع صوتا أو نرى أثرا منهم.
فها هي فضيحة أمين عام جبهة التحرير، ولا أقول حزب عمارة بن يونس أو حزب سعدي أو حتى حزب الفيس، قد تداولتها التحقيقات الصحفية المعروفة بمهنيتها، وأكدت أن الأمين العام لديه إقامة عشر سنوات في فرنسا، وأنه عومل بطريقة خاصة واستثنائية ولا أحد تحرك أو سجل موقفا مستنكرا لهكذا فضيحة.
فجبهة التحرير التي ترمز لاسم وتاريخ وبرنامج، وأنها قاومت الاحتلال الفرنسي وحاربته من أجل الحرية والاستقلال، ولا زالت تمثل رمزا للمقاومة، ولذلك نجد كثيرا من الوطنيين حتى وإن اختلفوا مع توجهات الحزب ومواقفهم، إلا أنهم توقفوا عن التحامل على الحزب أو على مواقفه، نتيجة الرمزية التي يمثلها، بل إن كثيرا ممن نعرفهم لازالوا يعتبرون العهد المقدم في النشيد الوطني “قسما” ملزما لهم، حينما قال الشاعر فيه “جبهة التحرير أعطيناك عهدا“.. نعم، إنه عهد الحفاظ على أمانة الشهداء وعلى تضحياتهم، عهد الاستمرار والوفاء على ما ماتوا عليه، العهد الذي يترجمه المقطع الآخر في النشيد الوطني، حينما يقول “يا فرنسا قد مضى وقت العتاب واستعدي وخذي منا الجواب“، هذا المقطع الذي هز عرش حمروش من قبل، حينما قرر حذفه من النشيد الوطني وكلفه غاليا.
وها نحن اليوم نتفرج ولا أحد يتحرك، لا بوتفليقة المجاهد، ولا منظمة المجاهدين، ولا القايد صالح قائد الأركان المجاهد ولا أي شخص، وكأن الأمر لا يهم أحدا.
نعم من حق عمار سعداني المواطن، بل حتى رئيس المجلس الشعبي الوطني السابق أن يتخذ من فرنسا، بل حتى من تل أبيب مقرا لإقامته، ولكن ليس من حق أيٍّ كان يتولى منصب أمين عام جبهة التحرير، أن يحصل على وثيقة إقامة في فرنسا.
أما إنّ هذا قد حصل، فيصبح من حقنا أن نطالب بإحالة جبهة التحرير إلى المتحف، بل يصبح مطلبا وطنيا وفاء للشهداء والمجاهدين المخلصين وللشعب الجزائري، الذي احتضن الجبهة في فترة الاحتلال، ثم أكثر من خمسين سنة بعد الاستقلال.
إن مطلب تنحية أمين عام جبهة التحرير ليس مسؤولية حزبية فقط، بل هي مسؤولية وطنية يتقاسمها الجميع، ولا يمكن أن أقبل هذه المرة رفضا من إدارة بلعيز، أو ممن يتقاسمون معه المسؤولية لتنحية المواطن المقيم في فرنسا سعداني عمار…