يا سيادة الرئيس النمر مستفز بطبعه للدكتور صفوت حسين

لقد شاء قدرك أن تتولى شئون البلاد في ظروف غاية فى التعقيد، وفى ظل تركة ثقيلة من البطالة والديون والأمراض، وتهالك المرافق العامة، والفساد الضارب أطنابه فى كافة أنحاء المجتمع، والبيروقراطية المتفشية في جميع قطاعات الدولة، والتي تشكل عقبة كأود في طريق أي إصلاح الى غير ذلك من المشكلات التي يزخر بها المجتمع منذ سنوات طويلة في الوقت الذي ارتفع فيه سقف التطلعات والتوقعات عند الناس، وهى تطلعات لا تتناسب مع الواقع الذي نحياه بكل تعقيداته بعد الثورة التي ظن الكثير أنها تحمل عصا سحرية قادرة على حل جميع المشكلات، وتلبية كل الطموحات فور قيامها . فانطلقت المطالب الفئوية التى قد يكون الكثير منها معبراً عن مطالب ربما تكون مشروعة لكن ظروف الدولة لا تتحملها، والبعض الأخر يتسم بالانتهازية واستغلال الظروف التى تمر بها الدولة من ضعف وكانت استجابة الدولة فى عهد المجلس العسكرى للكثير من هذه المطالب دافعا للمزيد من المطالبات والاحتجاجات والاعتصامات التى لاتتوقف، وتحمل الدولة أعباء مالية أثرت على الاحتياطى النقدى وموازنة الدولة فى الوقت الذى تعمل فيه قوى الثورة المضادة فى الداخل والخارج بدأب لإجهاض الثورة التى تمثل هاجسا لبعض القوى الدولية والاقليمية التى لاتريد لهذا البلد الخير والاستقرار، وكذلك بعض الدول العربية التى تخشى وصول رياح الثورة اليها،وفى الداخل تعمل القوى التى تضررت مصالحها بقيام الثورة، والتى تخشى فتح ملفاتها – والتى بدأت تفتح بالفعل – على عرقلة الثورة من خلال سيطرتها على وسائل الإعلام، وإنفاق المال على البلطجية ،وإثارة أعمال العنف ونشر الفوضى . ولم تقف المشكلات الثقيلة عند هذا الحد بل نجد كثيرا من قوى المعارضة تعمل جاهدة على نشر الفوضى وعدم الاستقرار والمشاركة فى أعمال العنف، وتقديم الدعم السياسى له فى إطار المناكفة والكيد السياسى بعيدا عن كل قيم الديمقراطية التى تدعيها بعد أن جعلت عداءها للتيار الإسلامى بصفة عامة والاخوان بصفة خاصة سواء حقدا على من كانوا بالسجون أومطاردين بالأمس ثم تبوءوا السلطة اليوم، أو معارضة لفكرهم، أو لإحساسهم بأنهم لم ينالوا شيئا من حصاد الثورة – يعلو على مصلحة البلاد فسعى البعض لإشعال الحرائق وإصطناع الأزمات لإفشال الرئيس والبعض يغازل الجيش ويعمل على جره لساحة العمل السياسى مرة أخرى، والبعض يطالب بانتخابات رئاسية مبكرة، وهى دعوى لا معنى لها إلا نشر الفوضى وتغيير الرؤساء كما نغير ملابسنا. وسط هذه التركة والإرث الثقيل تقع على عاتقك مسئولية الخروج بالبلاد من هذا النفق المظلم، وهى مسئولية عظيمة تتطلب الكثير من العمل والجهد والمتتطلبات الذى يجب أن تتحلى بها القيادة السياسية التى تتولى الزعامة فى تلك الظروف العصيبة والاستثنائية التى تمربها الأمة عقب الثورة وعلى رأس تلك المتتطلبات المصارحة والوضوح والحزم فى معالجة الأمور، ولقد ضرب لنا التاريخ نماذج للعديد من الزعماء الذين ألقى علي عاتقهم تحديات كبيرة ومسئوليات جسيمة فى مراحل معينة من تاريخ بلادهم فضربوا المثل فى القدرة على الاستجابة لهذه التحديات، وتحقيق طموحات شعبهم دون أن يبالوا بالعقبات التى اعترضت طريقهم، والتى حاولت أن تصرفهم عن تحقيق أهدافهم. لقد تولى المستشار الألمانى بسمارك منصب رئيس الوزراء فى بروسيا” وسط تحديات خطيرة تحول دون تحقيق الشعب الالمانى لطموحه فى الوحدة فأعلن بسمارك أن الوحدة لن تتحقق إلا بالقوة واتبع سياسة الحديد والنار حتى استطاع بعزيمة قوية لا تلين تحقيق الوحدة الالمانية متخطيا كل الصعوبات والعراقيل . وتولى” تشرشل” الحكم فى بريطانيا أثناء الحرب العالمية الثانية فى وقت عصيب وسط الهزائم التى لحقت بالحلفاء على يد هتلر والغارات الجوية الألمانية التى تدك لندن فكان فى غاية الصراحة والقوة معلنا للشعب البريطانى الحقيقة كاملة “ليس لدى ماأقدمه سوى الدم والعرق والدموع هدفنا العسكرى النصر مهما كانت التكاليف النصر مهما طال المدى ومهما كان الطريق اليه شاقا تعالوا نمشى الى النصر متحدين” وكانت عزيمتة القوية وسط الأخطار والهزائم أحد أسباب النصر على المحور. سيدى الرئيس لا سبيل إلا بمصارحة الشعب فهو السند لك بعد الله، وهو الذى سيتحمل فاتورة الإصلاح ،وهو الذى سيتصدى لكل محاولات الإرباك والإفشال وإشعال النار هنا وهناك.. فقط الشعب يريد أن تصارحه بحقيقة الأوضاع فى لغة بسيطة وسهلة بحقائق الوضع فى كافة المجالات، وألا تتركه نهبا للأقاويل و الشائعات التى يختلط فيها الحق بالباطل. الشعب يريد منك – وليس من أحد آخر – معرفة حقيقة الوضع الإقتصادى ، ويريد الإجابة على الكثير من الأسئلة الحائرة فما هى قيمة أموال الصناديق الخاصة ؟ ولماذا لا تضم الى ميزانية الدولة ؟ ولماذا لايطبق الحد الأدنى للأجور وما العوائق التى تحول دون ذلك؟ وكم عدد المستشارين بالحكومة ؟ وما الأموال التى يتقاضونها؟ وما أسباب أزمات السولار والبنزين والكهرباء؟ الشعب يريد أن يعرف الأيدى التى تعبث فى مصر؟ ومن الذى يدبر المؤامرات فى الداخل والخارج ؟ الى غير ذلك من الأسئلة المتداولة على الساحة . يمكن تفهم أنه ربما قد تكون هناك حسابات دقيقة تحول دون الكشف عن هذه المؤامرات فى الوقت الحاضر، وأن الكشف عنها قد يكون ضرره أكثر من نفعه، وأنه ربما قد تكون الإشارة اليها كافية لردع البعض عن التمادى إلا أنه فى النهاية فإن الأمن القومى لمصر ومستقبل 90 مليون مصرى يجب أن يعلوا على أى اعتبار أخر مهما كان هذا الاعتبار ومهما كان تبعاته الشعب يريد أن يعرف الأجهزة التى تتأمر والتى تتراخى عن القيام بمهامها، والتى تعمل على ازدياد الأوضاع سوءً هناك الكثير والكثير من الأسئلة التى تحتاج الى اجابات تشفى الصدور من المسئول الأول عن البلاد. الأمر الأخر هو الحزم فى معالجة الإنفلات الذى ساد حياتنا فى شتى المجالات، وبسط سلطة الدولة وهيبة القانون، وهذا لايحتاج الى إجراءات استثنئاية ، بل يحتاج الى تفعيل القانون، فالقانون لايقر محاولات اقتحام المنشأت والمبانى العامة أو الخاصة، والقانون لايقر استخدام المولوتوف، والقانون لايقر قطع الطرق والسكك الحديدية، والقانون لايعرف من يقوم بالإضراب على حساب المؤسسة التى يعمل بها ، ويمتنع عن العمل بالأيام والأسابيع ثم يذهب ليتقاضى المرتب والحوافز والبدلات، ولايعرف القانون من يجبر زملاءه على الاضراب ،ويقوم بغلق المنشأت بالجنازير الى غير ذلك من الممارسات التى ترسخت بعد قيام الثورة تحت مسمى حق التظاهر والاضراب دون أن يوضح لهم أنه لايوجد حق مطلق، وأن هناك قواعد لممارسة هذه الحقوق فى أعتى الدول الديمقراطية، وأنه لايشترط تلبية جميع مطالب المضربين دون مراعاة لقانونيتها وظروف البلد . ففى بريطانيا التى تتمتع نقابات العمال فيها بقوة ونفوذ كبير رفضت مارجرت تاتشر بصلابة وقوة استحقت عليها لقب المرأة الحديدية الاستجابة لمطالب عمال المناجم الذى استمر اضرابهم لأكثر من عام وانتهى دون أن يحقق أى نتائج عام 1985 يجب التصدى بقوة وحزم للممارسات الخاطئة والمجرمة قانونا التى سادت بعد الثورة، والتى ازدادت وأصبحت نموذجا يحتذى به من جانب الغير حتى أصبح أسهل شىء الآن أن تقوم مجموعة صغيرة لها بعض المطالب، أو تحتج على شىء معين بقطع الطرق يجب أن يعلم الجميع أن القانون سيطبق بكل حزم، ويجب أن تقوم النيابة بدورها واتخاذ الاجرات القانونية بصورة أسرع فى القضايا التى انتشرت بعد الثورة بصورة كبيرة مثل البلطجة وقطع الطرق والاختطاف وسرقة السيارات بالاكراه وتهريب السولار والبنزين . ويجب مخاطبة المجلس الأعلى للقضاء لتخصيص دوائر لمحاكمة الجناة فى مثل هذه الجرائم، ونشر هذه المحاكمات على أوسع نطاق حتى تكون زاجرا لغيرهم ، فليس من المعقول فى الأزمة الخانقة للسولار والبنزين التى تستنزف موارد الدولة لصالح أصحاب السوق السوداء أن يتم التعامل مع من يقبض عليهم بالتهريب بالصورة التقليدية التى قد تستغرق شهورا وسنين . كما يجب التعامل مع موظفى الدولة المتقاعسين عن أداء عملهم بل ويشجعون الأعمال الخارجة على القانون، ويتغاضون عن التفاعل الإيجابى مع مشاكل المواطنين مما يؤدى الى تفاقم الاحتجاجات – وبعضهم يعلن صراحة أنه فى أجازة لمدة أربع سنواتبكل حسم وقوة ويجب المبادرة بإقالة من يثبت عليه ذلك بقرار جمهورى، وينشر على أوسع نطاق لتكون رسالة للمتأمرين والمترددين عن القيام بواجبهم أنه لامكان لهم فى مصر الثورة وأن التطهير سينالهم. على الجانب السياسى يجب التفرقة الواضحة بين المعارضة السياسية وأعمال العنف وإثارة الشغب فلايجب التهاون مع أعمال العنف، ولا مع من يحرض عليه مهما كان اسمه ووضعه ،أما المعارضة فيجب فتح باب الحوار الجاد والمخلص معها، ويخطىء من يضع الجميع فى سلة واحدة تماما مثلما تفعل القوى الأخرى مع الإسلاميين . لاشك أن بعض فئات المعارضة تنبع مواقفها من رفض رئيس الجمهورية والتيار الذى يمثله – بصرف النظر عن سياساته – ولها مواقفها المعروفة والرافضة له حتى من قبل انتخابه وهى لن ترضى عن أى موقف تأخذه وتعمل جاهدة على افشاله والنيل منه والتربص به، وهى فى مواقفها تشبه جحا وابنه وحماره فهى لن ترضى عنه فى كل الأحوال ،ويصدق عليهم قول ماوتوسنج لا تتحدث عن استفزاز النمر فالنمر مستفز بطبعه أما فئات المعارضة الأخرى التى ليس لها موقف عدائي مبدئي من الرئيس،والتى تعترض على سياسته ومواقفه فيجب فتح حوار معها،ولا يجب أن يكون مقتصرا فقط على الأحزاب بل يشمل الشباب والحركات والائتلافات الشبابية والإعلاميين والمثقفين والشخصيات العامة، وأن تكون أجندة الحوار مفتوحة، وأن توضع كل الموضوعات على دائرة البحث دون أى قيود أو شروط من أحد المتحاورين للتوصل الى تفاهمات وحلول وسط بين وجهتى نظر الجانبين دون محاولة أحد الأطراف فرض شروطه لأن ذلك سيكون عملية إذعان غير مقبولة ،ويجب الأخذ فى الحسبان أن رئيس الجمهورية فى النهاية هو الذى سيتحمل مسئولية أى قرارات تتخذ، وهو الذى سيتعرض للمحاسبة من جانب الشعب، كما يجب أن تكون نتائج الحوار التى يتم الاتفاق عليها معلنة وملزمة لكل الأطراف. *مدرس التاريخ الحديث والمعاصر كلية التربية – جامعة دمنهور


 

اترك تعليقًا