ها هي ذكرى تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين تتجدد، حيث يكون قد مر على تأسيسها ثلاث وثمانون سنة كاملة، حيث تأسست منذ 05 ماي 1931م، والذكرى 74 لوفاة مؤسسها ورائد نهضتنا الفكرية الإمام الشيخ عبد الحميد بن باديس _رحمه الله- ذلكم الرجل الفذ والعلامة الجهبذ والمصلح الفريد الذي لم أر جزائريا فرى فريه، والذي أدرك بحق مغزى قول الإمام مالك بن أنس-رحمه الله- :(لا يصلحُ آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها)، مما جعله يستلهم كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم في بعث هذه الجمعية من عدم، ليردّ من خلالها الشعب الجزائري إلى منابع الدين الإسلامي الصحيح، ففسر لهم القرآن، وشرح لهم السنة، وحملهم على العمل بهما، وحارب فيهم اليأس والقنوط، وبعث فيهم الرجاء، وجعلهم يدركون بحق، معنى قوله تعالى :{إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}، فبادروا بالثورة على واقعهم الذي عاثت فيه فسادا سلبيات كثيرة كالنزاعات الدينية المذهبية، والخلافات السياسية، والفقر والجهل، والتخلف المقيت، وحثهم عبر المجالس التي كان يعقدها، والمقالات التي يكتبها، والدروس التي كان يُلقيها، على الأخذ بأسباب الحياة الكريمة الشريفة، والتمسك بها ومجاراة العصر في تطوره ورقيه، وتحمل مسؤولياتهم قِبَل أنفسهم، وقِبَل وطنهم، بمثل قوله: (حافظ على عقلك فهو النور الإلاهي الذي مُنِحته لتهتدي به إلى طريق السعادة في حياتك فاحذر كل (مُتًعيلٍم) يُزهِّدُك في علم من العلوم، فإن العلوم كلها أثمرتها العقول لخدمة الإنسانية ودعا لها القرآن بالآيات الصريحة: (حافظ على حياتك ولا حياة لك إلا بحياة قومك ووطنك ودينك ولغتك وجميل عاداتك، وإذا أردت الحياة لهذا كله فكن ابن وقتك، تسير مع العصر الذي أنت فيه بما يناسب أسباب الحياة وطرق المعاشرة، والتعامل، كن عصريا في فكرك، وفي تعاملك، وتجارتك، وصناعتك، وفلاحتك، وفي تمدنك، ورقيك…)·
كما بصّرهم بواجبهم نحو وطنهم فقال: (والنسبة للوطن توجب علمَ تاريخه، والقيام بواجباته، من نهضة علمية، واقتصادية، وعمرانية، والمحافظة على شرف اسمه وسمعة بنيه، فلا شرف لمن لا يحافظ على شرف وطنه، ولا سمعة لمن لا سمعة لقومه)·
كما دعا إلى تعليم المرأة، والعناية بها، فقال بمناسبة الرد على دعاة السفور (أنتم تفكرون في نزع حجابها وخلطها بالمجتمعات إذا أردتم الإصلاح الحقيقي فارفعوا حجاب الجهل عن عقلها قبل أن ترفعوا حجاب الستر عن وجهها، فإن حجاب الجهل هو الذي أخرها، فأما حجاب الستر فإنه ما ضرها في زمان تقدمها، فقد بلغت بنات بغداد، وبنات قرطبة، وبنات بجاية، مكانا عليا في العلم وهن متحجبات)·
ذلكم هو الإمام الشيخ عبد الحميد بن باديس الذي احتفينا بذكراه في الشهر الفارط، وذلكم هو الطود الشامخ الذي أسس لنا هذه الجمعية الميمونة وجعل منها قلعة حصينة لاذ بها الجزائريون والجزائريات، يدافعون من خلالها عن ثوابتهم، فوقفت صامدة أما هجمات المستعمر الفرنسي فتكسرت على أسوارها كل مؤامراته من فرنسة وتنصير وإدماج·