وَأَنَّ المَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً

(وَأَنَّ المَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً*)(الجن‏:18)

بقلم

الأستاذ الدكتور: زغلول راغب محمد النجار

في هذه الآية القرآنية الكريمة يأمر ربنا – تبارك وتعالي- خاتم أنبيائه ورسله – صلي الله عليه وسلم- أن يقول للناس جميعا‏:‏ إن المساجد لله – تعالي- وحده‏, فلا يجوز التوجه بالدعاء فيها لغير الله‏,‏ ولا الاستعانة فيها بغيره‏.‏

وهذا الأمر الإلهي هو من قواعد الإسلام الأساسية التي علمها ربنا – سبحانه وتعالي- لأبينا آدم -عليه السلام- لحظة خلقه, وأنزلها علي سلسلة طويلة من الأنبياء والمرسلين الذين كانت رسالتهم جميعا التوحيد الخالص لله -تعالي-. وعلى ذلك فإنه لا يجوز للعبد المسلم في جميع أحواله أن يعبد غير خالقه, أو أن يتوجه بالدعاء إلي غيره, أو يطلب الاستعانة ممن سواه, لأن ذلك يدخل العبد في دائرة الشرك الذي لا يغفره الله – تعالي- أبدا.
وفي هذه الآية الكريمة خص الله – تعالي- المساجد بهذا التحذير الإلهي لأن المساجد هي أماكن العبادة, ولكي تقبل عبادة العبد منا يشترط أن تكون خالصة لله – تعالي-, وألا ينشغل في عبادته بغير الله, وإلا حبطت تلك العبادة.
ومعركة الشيطان مع الإنسان لم تتوقف عند حدود الإغواء بمعصية الله, وإخراج أبوينا آدم وحواء من الجنة, بل تجاوزت ذلك إلي إغراء الإنسان بالشرك. ولم يتمكن من تحقيق ذلك إلا بعد عشرة قرون كاملة من وصول آدم وحواء إلي الأرض.
ومداخل الشيطان إلي الإنسان ملساء ناعمة مزينة لا يدركها إلا كل لبيب. وعلي الرغم من ذلك فإن الشيطان لم ينجح في إخراج فرد واحد من بني آدم من دائرة التوحيد إلي دائرة الشرك بالله إلا في قوم نوح. وفي ذلك يقول رسول الله – صلي الله عليه وسلم-: “كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم علي شريعة الحق” (الحاكم).
ولما انتشر الشرك في قوم نوح بعثه الله – تعالي- إليهم يدعوهم إلي التوحيد من جديد, فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم بدعوة واحدة: (…يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ *) (المؤمنون:23).
وعلي الرغم من طول هذه المدة, ومن وضوح هذه الدعوة إلا أن الذين آمنوا بدعوة نوح -عليه السلام- كانوا نفرا قليلا من قومه. ولما يئس نوح من إمكانية هداية المشركين منهم, دعا الله – تعالي- عليهم, فجاء الطوفان الذي أغرقهم وطهر الأرض من شركهم.
وقد تكرر هذا الموقف مع جميع أنبياء الله ورسله الذين جاءوا من بعد نوح -علي كثرة أعدادهم وتباين مناطقهم – دون أن يتعلم الإنسان خطر الشرك بالله, الذي هو أوسع أبواب الشيطان إليه.
وفي نهاية المطاف بعث الرسول الخاتم -صلي الله عليه وسلم-, والأرض غارقة في بحار الكفر والشرك والضلال, لأن الناس كانوا قد فقدوا نور الهداية الربانية, وأن الشيطان كان قد أغرقهم في الضلال الذي بلغ مداه في الشرك بالله. ففسدت المعتقدات, وانحرفت العبادات, وساءت المعاملات, وتدنت الأخلاق والسلوكيات…!!
جاء هذا الرسول الخاتم برسالة التوحيد الخالص لله – تعالي-, وتعهد ربنا – تبارك اسمه- بحفظ هذه الرسالة الخاتمة تعهدا مطلقا حتى تبقي درع الوقاية للخلق أجمعين من همزات الشياطين.
وعلي الرغم من ذلك فإن الشيطان استطاع أن يخرج نفرا من أمة محمد -صلي الله عليه وسلم- من التوحيد إلي الشرك, وأحدث شرخا في جسد هذه الأمة لا تزال تعانيه حتى اليوم.
ومن صور هذا الشرخ الدامي خروج الذين تركوا الصهاينة خلف ظهورهم واقتحموا الأراضي السورية بعددهم وعدتهم لينصروا حاكما ظالما جائرا من أقلية صغيرة مكنها الأعداء من حكم سوريا لأكثر من ثلاثة وأربعين عاما بالحديد والنار. وعندما هب الشعب السوري الأبي لإسقاط هذا النظام الجائر, الذي قتل مئات الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ والشبان, وجرح أضعاف هذا العدد وهدم المساجد علي رءوس المصلين, ودمر البلاد تدميرا كاملا, من أجل بقائه علي كرسي الحكم, فوجئ العالم بتحرك أعداء الإسلام من كل مكان من أجل مناصرة هذا النظام بالقوة انطلاقا من أحقادهم التي أعمتهم عن رؤية الحق!!… وكان من هذا العمى حمل لافتات يستنجدون فيها بغير الله, واضعين هذه اللافتات المشركة علي مآذن المساجد, وكأنهم لم يقرؤوا قول الحق – تبارك وتعالي-: (وَأَنَّ المَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً*) وعلي الرغم من تحذير الله المتكرر لعباده في القرآن الكريم من خطر الشرك في عشرات الآيات من مثل قوله – تعالي-: (….إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَوَمَأْوَاهُ النَّارُوَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ*)(المائدة:72), ولا حول ولا قوة إلا بالله

اترك تعليقًا