بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه
ملاحظات حول زيارة السيسي للجزائر
معلوم في التقاليد والأعراف الديبلوماسية ان كل دولة بعد فوز رئيسها يتوجه للدولة ذات العلاقات الاستراتيجية المتينة بين البلدين و التي عادة ما تعتمد عليها في تأمين أمنها القومي او السند الاقتصادي ، و ليس من التقليد ان تكون اول زيارة لرئيس مصري بعد انتخابه للجزائر على الرغم مما يجمع البلدين من روابط كثيرة ، و ليس من السهل ان يتنبأ اي محلل لخلفيات هذا التغيير المفاجئ و غير المتوقع ( والذي اعتقده ان هذا التوجه الجديد للقيادة المصرية تكتيكي ظرفي مصلحي قصير المدى وليس استراتيجي طويل المدى وسوف ينقضي بانقضاء المصلحة المشتركة )
اذا أردنا ان نحصي عديد الأسباب والملفات الممكن تناولها في هذه الزيارة علنا نشكل نتيجة للهدف الحقيقي منها يمكن ان نقول :
– ان الزيارة تلاقي هوءاً في نفس بوتفليقة بان يسجل التاريخ له انه اول و ربما سيكون آخر رئيس جزائري تكون اول زيارة لرئيس مصري بعد إنتخابه للجزائر تتم في عهده ، خاصة ان السيسي يدرك تلك الأهواء عند بوتفليقة والرجل براغماتي يحسن كيفية الدخول لقلوب الزعماء العرب .
فالسيسي يقبل راس العاهل السعودي ، ثم تكون اول زيارة له للجزائر والآتي سوف يكون أكيد مخالف لاعراف وتقاليد الديبلوماسية المصرية و البعيد كل البعد عن شخصية الرئيس عبدالناصر الذي يدعي السيسي انه جاء ليبعث تاريخه !!!
– بغض النظر عن الخلاف العربي المتضامن و الشامل ضد السادات بعد اتفاقية كامب ديفيد والذي كانت الجزائر طرفاً فيه ، فلأول مرة تحدث هزة عنيفة في العلاقات الثنائية بين الجزائر ومصر كانت في عهد بوتفليقة وبعيداً عن احداث الكورة الا ان السبب الحقيقي او التوظيف السياسي كان سببه مشروع التوريث لجمال مبارك في مصر والدفع بالعهدة الثالثة لبوتفليقة بالجزائر .
لقد نتج عن ذلك الاعتداء المفتعل على الفريق الوطني لكرة القدم في مصر عداوة بين البلدين ، بحيث لم تجتمع قيادة أركان الجيش المصري او ما يسمى المجلس الأعلى للأمن القومي المصري منذ اتفاقية كامب ديفيد للسلام مع المغتصب الا بمناسبة تصفيات كاس العالم في المقابلة بين الفريقين المصري والجزائري التي حدثت في السودان ( والسيسي كان عضوا في تلك القيادة المجتمعة والتي أوهمت الشعب المصري يومها بان خطر يمس بالأمن القومي المصري مصدره الجزائر ) و رافق اجتماع القيادة العسكرية المصرية يوم المقابلة شن حملة إعلامية شرسة على الجزائر و ثورتها و الطعن برموزها التاريخية من نفس الوجوه السياسية والعناوين الإعلامية الداعمة للسيسي حالياً ، فجاءت الفرصة سانحة لبوتفليقة لينتقم ، وان نفس الوجوه والأقلام والعناوين ترسم الصورة الوردية للجزائر وَ لبوتفليقة و قيادته الراشدة ، وواهم من يعتقد انه إسْترجع شرف الشهداء الذي طعن فيه جمال مبارك و آلة الحزب الوطني المصري سابقاً وهو نفسه بوق وإعلام السيسي حالياً .
ان تلك الإستفزازات من النظام الحاكم في القاهرة يوم مقابلة السودان قابلها إجراءات مضادة بشكل حرب ناعمة على كل مجالات التعاون الاقتصادي وحركة تنقل الأشخاص والبصائع نفذتها الجزائر على مصالح مصر بالجزائر ، فتم تجميد كل بنود اتفاقية السوق العربية المشتركة من المواد التي يمكن استيرادها من مصر فتضرر تصدير مصر تجاه الحزائر بأكثر من 1200 مادة التي يحتاجها السوق او الصناعة الجزائرية .
كما توقفت كل حركات العمالة من مصر تجاه الجزائر .
فقائد مصر الذي هان عليه ان يقبل راس حاكم آخر تعتمد بلاده في حماية أمنها القومي على الجيش المصري ، من السهل ان يهون عليه و يقدم تنازلات في الأعراف والتقاليد الديبلوماسية من اجل البحث عن مصلحته !!!!
و يخرج من الجزائر برفع التجميد الجمركي على 1200 مادة تعود لتدخل السوق الجزائرية بدون جمركة الامر الذي من شأنه ان ينعش جزء من الاقتصاد المصري المتعثر كما يرمم من شعبية الجنرال السيسي بأحداث مناصب شغل جديدة .
– فاذا استثنينا الرئيس الامريكي والذي يزار و بعض الدول الكبرى كذلك والذي برنامجهم مضغوط لاستقبال رؤوساء آخرين فان باقي الرؤوساء هم من يسعون للتنقل بزيارات خارج الوطن لجلب مصالح وطنية ، ومع ظروف بوتفليقة الصحية و هو المقعد والذي يمنعه مرضه من السفر فليس من مصلحته ان يكون كشفه نهاية السنة خالٍ من لقاءات رئاسية فلذلك فالزيارة تخدمه من هذا الجانب .
– ان المصلحة المشتركة من طرف النظامين للحفاظ على الأنظمة القائمة في وجه الرغبة الشعبية التواقة للحرية والديمقراطية و الالتفاف على ثورات التغيير و الوقوف صفا واحدا في وجه اي تغييرات للمنطقة ذاك عامل يدخل في حساب الأسباب للزيارة
– الزيارة تكون كرد جميل لوقوف الخارجية الجزائرية متمثلة في وزير الخارجية رمضان لعمامرة ( والذي كان يشغل سابقاً مفوض السلم والأمن في الاتحاد الأفريقي ) مع مصر لاسترجاع مقعدها المجمد في المنظمة الافريقية والذي لا ادري كيف تحملته الجزائر وأقنعت به الخارجية الرئيس بوتفليقة و هو الامر الذي ينطوي على مخاطر قد يؤدي لأحداث شرخ في التحالف الثلاثي – الجزائري النيجيري الجنوب الأفريقي اذ ان الدولتين الأخيرتين كانا موقفهما متحفظ على الانقلاب و من عودة مصر لشغل مقعدها في القارة الافريقية ، لان هذا التحالف مبدئ استراتيجي يراعي مصالح القارة والأهداف المشتركة للدول الثلاثة بينما مع السيسي رغم ما يجمعنا مع مصر الا ان هذا التحالف ان سلمنا به انه قريب الحدوث ، فانه لا محالة سيكون ظرفي فرضته المصلحة وليس المبادئ و التاريخ و الجغرافية .
– ثم الزيارة تكون جاءت ربما كرد جميل لجلب التجربة في استيراد سياسة الاستئصال الذي مارسها جزء من السلطة في الجزائر قبل ندوة الوفاق الوطني ( اي قبل فشل هذه السياسة ) لاجتذاذ الاسلام السياسي والتي تبنتها مجموعة من العسكريين مع مجموعة من السياسيين وكانت تمثلها وزارة رئيس الحكومة الجزائري الأسبق رضا مالك و تصريحاته .
– الزيارة تدخل في محاولة التفاهم والتوافق لمعالجة اثار الازمة الليبية ومخاطرها المتفاقمة و انعكاساتها على امن واستقرار منطقة الساحل والصحراء والتي تؤثر سلباً في استتباب السلم والأمن العالميين حسب تصريح مجلس الامن الدولي خاصة
– ان تدخل المغرب لتجاوز رغبة الدول المحيطة بليبيا وخاصة الجزائر بان تبقى المعالجة إقليمية في حين ان المغرب سعى لتدويلها وتوسيعها لأمريكا وفرنسا والحلف الأطلسي وباقي الدول الغربية وهو ما نفذه بالفعل العاهل المغربي حينما كان زيدان رئيس وزراء ليبيا و تحفظت الجزائر على هذا التوجه مما تركها تخفض مستوى التمثيل الديبلوماسي من وزير خارجية الى مدير بوزارة الخارجية ، يجعل اللقاء يتطرق لمثل هكذا ملف خاصة مع بحث الجزائر الشركاء إقليميبن يدعمونها في عدم تدخل قوى خارجية في معالجة مشاكل إقليمية تكون على حدودها
ثم ان أطماع السيسي وهو جزء من خارطة الطريق المفوض له الإشراف عليها من طرف الدول الغربية في اقتطاع شرق ليبيا الغني بالنفط المسمى بإقليم برقة والذي كلف تنفيذه للجنرال حفتر كمرحلة أولى ، ثم ضم الإقليم لمصر كمرحلة ثانية ، الامر الذي ترفضه الجزائر بتاتاً ، ويتذكر النظام المصري يوم أزمة السادات مع القذافي رغم ان الجزائر يومها لم تكن على توافق تام مع القذافي قولة الرئيس بومدين بان اول جندي تطئ قدماه ارض بن غازي بليبيا يعني للقيادة العسكرية الجزائرية انه استباح السيادة الجزائرية لذلك كان لزاما على السيسي ان يطمئن قيادة بوتفليقة على هذا الامر حتى لا تُسْتَفز القيادة العسكرية بالجزائر
– ان الأزمة الاقتصادية الخانقة والتي تتخبط فيها مصر نتيجة الانقلاب و الفساد المتفشي في دواليب الحكم و ارتدادات الدولة العميقة والأزمة السياسية كلها من الخطورة ما لا تستطيع اي دولة مفردة تحمله ، لا الامارات ولا السعودية وإنما يقتضي البحث عن دول ريع لا يضبط صرف أموالها قوانين ولا تمارس رقابة برلمانية على ذلك الصرف و سوف لن تجدها الا في الأنظمة العربية ، واحتيياطات الصرف الكبيرة في الجزائر يمكنها ان تسد جزء من احتياجات الانقلابيين بمصر .
– ان الأزمة والتوتر القائم في العلاقة بين الانقلابيين بمصر وبين دولة قطر كدولة كانت داعمة بالهبات وبالقروض وخاصة بتوفير الغاز للشعب المصري تترك من الجزائر الشريك الذي يمكن ان يثق فيه السيسي لتعويض الغاز القطري و سد حاجات المصريين من هذه المادة الاستراتيجية بعدما باع نظام الانقلابين السابق ورهن قدرات مصر من الغاز لإسرائيل
تلك بعض الأسباب التي يمكن ان نسجلها بعجالة على زيارة السيسي المفاجئة لبوتفليقة