عبادة الإعمار

عبادة الإعمار
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد وآله وصحبه اجمعين
عبادة الاعمار مناط الاستخلاف لبني آدم في الارض” هو انشأكم من الارض واستعمركم فيها ” وعبادة الاعمار هي قصد وجه الله تعالى بالعمران والقيام به تقربا الى الله تعالى دون كبر او طغيان بما يعمرون لان ذلك سبب الهلاك فقد اهلك عاد الطغيان بظنهم المنعة من الله بما كانوا ينجزون من عمران وكذا ثمود الذين نحتوا الجبال وفرعون ذي الاوتاد الذين طغوا في البلاد
واساس التواضع في العمران هو العبرة من ان الذين خلوا عمروا الارض اكثر مما عمرها الميتكبر المتأخر ولم ينعه ذلك من ان ياخذه العذاب
واول عبادة العمران ان يعمر المؤمن ما بينه وبين الله فان فعل لم يضره ما سواه لانه سيعمر بامر الله وهو ما انتبهت اليه رابعة وهي تقول:
فليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب
اذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب
وعمارة التوحيد والايمان والذكر اهم عمارة يقوم بها العبد مع الله ، اذ التوحيد اساس لا يصلح بدونه عمل ولا يحسب ، والايمان استمرار التوحيد وثمرته التي تزيد بالطاعات والعمل الصالح ، والذكر حب نقيضه الغفلة والجهل بالله القائل ” فاذكروني اذكركم ” ، وقد ورد انه ما ذكر المؤمن ربه في حال الا ذكره الله في حال خير منها وتلك عمارة القلب فالقلب الخالي من ذكر الله تسكنه الوساوس والاهواء فيخلو كالبيت المهجور والقلوب ثلاثة اصناف هي……….. والقلوب اوعية…….
وثاني عبادة في الا عمار هي عمارة العمر لان الانسان يولد وفي ملكه اجل وزمن يبدأ في النقصان والهدم بالايام والسنوات ثم بالساعات والدقائق فان بنى مكان كل زمن منته عملا صالحا كان عمره وحياته معمورة والا هدمت السنوات ولم يُبن مكانها شيء ،وهي لا تتوقف فالايام امس لا يعود وغد لا نعلمه وليس لنا الا الحاضر نملكه لنعمره بالخير والصلاح
وعبادة اعمار العمر تحقيق المقاصد الكلية والاعمال المستمرة كالولد الصالح والصدقة الجارية والعلم الذي ينتفع به وما تحفظ الامة به دينها وسيادتها ووحدتها للقيام بتكاليف الدين فالملك حارس الدين والدين مصلح للملك ، ولا يقوم بهذا الامر الا من فهم عظم الامانة” انا عرضنا الامانة على السماوات والارض والجبال فابين ان يحملنها واشفقن نها وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا”
والعمر يعمر في جزء منه بالعمل الفردي الذاتي الذي هو مقصد اصلاح النفس وتربيتها وحمايتها من الحرام فهو هادم لايصلح معه العمران الا بالتوبة ورد المظالم ،ولكن الجزء الكبير من اعمار العمر انما يكون بالجماعة والتعاون على البر والتقوى وتنسيق الجهود وتنظيم الاولويات والمصالح العامة والشأن المشترك بين الناس لان الانسان اجتماعي بطبعه وفي الحديث ان رجلا اشتكى الى رسول الله جاره فامره بان يطرح متاعه في الشارع تعبيرا عن ذلك فاصلح جاره الامر قبل بدء الضغط من الراي العام وهذا من التوظيف المتقدم للمجتمع المدني في الاصلاح الاجتماعي في المدينة الاسلامية الاولى
وثالث عبادة في العمران هي عمران الارض وهي رمز للكون وليس اقتصارا على الارض المعلومة قال تعالى :” يا معشر الجن والانس ان استطعتم ان تنفذوا من اقطار السماوات والارض فانفذوا لاتنفذون الا بسلطان ” قال العلماء هو سلطان العلم
وعمارة الارض عمارة باتجاه الانسان وعمارة باتجاه التراب خلال الزمن الذي اعطي لكل منا في هذه الحياةوهذا معنى من عاني معادلة الاستاذ مالك بن نبي رحمه الله اذ لا يمكن ان يعمر الانسان خارج هذه البيئة والواقع المادي ولا تنفع عمارة الارض في ظل الخواء الانساني الذي يحول امكانات العمران المسخرة من الله الى ادوات تخريب وفناء
ومن هذه العبادة عمارة الارض بحركة البناء التي لا تعني بناءالحجارة والتراب وانما بناء الانجاز الانساني في كل مجال يعود على البشر بالخير
ومنها عمارة الارض بالزرع والغرس حتى ولو قامت الساعة وفي يد احد المؤمنين فسيلة واستطاع ان يغرسها فليغرسها لان النبي صلى الله عليه وسلم قال” ما من مؤمن يغرس غرسا او يزرع زرعا فياكل منه طير اوبهيمة الا كان له به صدقة ” وهو حث على العمارة التي يتعدى نفعها الجنس الى الخلق
ومنها ان مختلف الصنائع تاخذ حكم فروض العين حتى اذا تمكن منها البعض صارت فروض كفاية على غيره وما ذلك الا لان الله انزل مادة الصناعة الاساسية, وهي الحديد بما فيها من باس ومنافع انزله من السماء فهو ليس من عنصر الارض، ثم امرنا بالعمل عليه لحال الباس وحال النفع لان الصراع ودفع الناس بعضهم ببعض مؤذن بضرورة التسلح بصناعة ما يدفع به الصائل ويحرر به الانسان وتنمى به المعارف ويجلب به الرزق ويسخر ما في السماوات والارض تعبدا لله

ومن عبادة الاعمار للارض نشر ثقافة التعارف التي هي مقصد من تنويع الشعوب والقبائل ولو شاء الله لجعلهم امة واحدة ، والتعارف معناه ترتيب العلاقات اانسانية على قواعد قبول العيش المشترك على الارض باشكال التفاهم المتاحة وتقنين ذلك بقواعد الحرية والعدل والتعاون من اجل المنفعة المشتركة
ان عبادة الاعمار تستغرق كل حياة الناس وتشرح معنى قوله تعالى : وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون” ومعنى: ” واذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خليفة ” ومعنى ” وعلم آدم الا سماء كلها “

اترك تعليقًا