في ذكري استشهاد مربي الجيل الشهيد سيد قطب بقلم حشاني رغيدي
لقد كان للأستاذ سيد قطب الفضل الكبير في تنوير عقولنا فنهلنا من شهد فكره المستنير منذ نعومتنا فتعلمنا منه الصلابة في الدين و اليقين بمستقبل هذا الدين و أن صلاح هذه الأمة لا يكون إلا بالرجوع لأصل المنبع من خلال التربية و القاعدة الصلبة . أن الذي يتتلمذ على سيد يتعلم رهافة الروح و تدفق الأحاسيس . يتعلم الأدب و عشقه من اشراقات إبداعه في التصوير الفني للقرآن و مشاهد يوم القيامة و في ظلال القرآن و من خلال خواطر أفراح الروح. .
إن سيدا عشق الحرية وكره رق العبودية و الخضوع لغير الله فنافح عن المستضعفين فكان جهاده و كفاحه لها و قد اقتطفت لكم من أبياتا من الشعر نظمه سيد في عشق الحرية الحبيبة المنشودة من كتاب “تنظير التغيير” للداعية المربي الشيخ محمد أحمد الراشد، وأردناها أن تكون حاديا ينشر الحماس ويحرك العواطف في صفوف الدعاة. نرى القصيدة تمشي في أبهة وجلال ودلال تصافح الأحرار وتسير بهم في در ب الأمل…
أرأيت الطير يشدو فرحـــــــا**منشدا عذب الأماني منتقاهــــا
هو لما ذاق منها كأسهــــــا**أسكرته فتغنى في لماهـــــــــــا
أم رأيت الطـــــفل إذ تكبحه**تظلم الدنيا ويغشـــــــــاه دجاها
هو لا يرجـــــو سواها متعة**وهو إذ يبكـــي على شيء بكاها
هي روح الحســـن في عليائه**صورة أخـــرى له أنت تراها
جاهد الأحـــــــرار في ميدانها**ثم ماتوا بفخــــار في حماها
لو يضحوا في هواها غاليا**كل ما عز رخيص في هواها
و ان ما تميز به سيد أنه كان من رواد التربية في العصر الحديث حيث يرى ان التربية هي التي تحدث التغيير في المجتمع و هي التي تصنع الأفراد و تهذب الطباع و تصنع العجائب في واقع الناس و ان منهج التشدد و منهج العنف و التضييق على الناس بالأحكام لا يصنع التغيير المنشود و أن فساد الناس لا يصلحه إلا سلوك منهج التربية يقول الشهيد سيد رحمه الله : ” فالدين لا يقود الناس بالسلاسل إلى الطاعات إنما يقودهم بالتقوى وإذا حدث ان فسد الناس في جيل من الأجيال فان إصلاحهم لا يتأتى بطرقة التشدد في الأحكام ولكن يتأتى من طريقة تربيتهم وإصلاح قلوبهم وإحياء شعور التقوى في أرواحهم ” . .هذا هو سيد الذي لا يعرفه الناس .
لقد كان سيد يرى ان الإسلام منهج يتفاعل مع المجتمع يتفاعل مع الحياة فهو فكرة و حركة حيث يرى ان استيعاب المفاهيم و القيم و المعتقدات لا تعدو أن تكون فكرة لا حياة فيها حتى يتقمصها الإنسان و بلبسها و يتحرك بها في واقع الناس فالإسلام في نظره حركة ابداعية مؤثرة فعالة تهز كيان الإنسان لأنه يرى نفعها و يلمس أثرها ” تلك الحركة الإبداعية الخالقة تنشأ عن تصور معين للحياة بكل قيمها وكل ارتباطاتها ، تصور جاء به الإسلام ابتداء وهي حركة تبدأ في أعماق الضمير ثم تحقق نفسها في عالم الواقع ، ولا يتم تمامها إلا حين تتحقق في عالم الواقع . “
و ما يشدك في فهم سيد للإسلام فهمه متفرد النابع عن فهم الصحيح للإسلام كما جاء به صاحب الرسالة فهو نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعها و هو بذلك يتعدى تلك التصورات و المفاهيم القاصرة و المجزأة و المبثورة التي تهتم بجانب و تهمل جوانب أخرى ففهمه للإسلام يستوعب المنهج بشموله ” فليس الإسلام تفسير آية أو حديث في جانب ، ثم دعوة إلى الجهاد في جانب ، ثم عرض طرف من السيرة في جانب ، ثم أدب أو فن مستقل في جانب ، ثم نظام حكم محلي و دولي في جانب . كلا .. إن الإسلام تصور كامل للحياة ، ومنهاج كامل للحياة ، ثم هو حركة إبداعية لا تقف عند الواقع بما فيه من خطأ وصواب ، ومن قوة وضعف ، ومن نقص وكمال ، كما أنها لا تقف عند تصور تجريدي مثالي تعيش عليه في عالم الوهم والخيال . “
لقد ظن الذين أعدموه أنهم بمقدورهم إعدام أفكاره فانتفضت أفكاره حية و عاشت بين الأحياء فيرحمك الله شهيدا في عليين رفيقا للأنبياء و الصالحين .