عبادة الفكر

عبادة الفكر


بسم الله الرحن الرحيم والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه
قال الله تعالى ” انما اعظكم بواحدة ان تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تفكروا ” وقال تعالى ” ويتفكرون في خلق السموات والار ض”
ان عبادة التفكر من اجل عبادات المومن الذي يطلق العنان لفكره في ملكوت الساوات والارض وحركة الحياة والخلق ومآلات الاعمال وصراع الاضداد وتوازن الاكوان فينتهي الى عظمة الخالق فتنطلق كلمة التوحيد تاجا على راس الافكار تعصم صاحبها من ان يركب الشيطان خياله بل تبقي لجم الحق ماسكة بجماح خيل الخيال تتعبد في محراب التأمل شاهدة ان لا اله الا الله
وقد حث الاسلام اهله على التخيل تعبدا واستشرافا فقال لهم ” الم غلبت الروم في ادنى الارض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين ” ”
ولما عادرسول الله من المعراج حدث المسلمين عن احوال من يوم القيامة لم تكن وقعت ولكن سهلت عليهم تخيل ما لا يخطر على قلوب البشر الا بوحي الله
بل ان الخيال كان اداة زجر وتخويف في القرآن كما قال تعالى محدثا عن شجر النار: ” طلعها كأنه رؤوس الشياطين “
وقد عبر حارثة رضي اله عنه فيما رُوي عنه لماسئل عن حقيقة ايمانه بترقية الخيال الى حد اليقين وهو يعبر عن ذلك بقوله ارى اهل الجنة يتزاورون وارى اهل النار ، وارى الميزان… وكل ذلك ضرب من التخيل الايجابي الخادم لمعاني التعبد في محراب الحياة
بل ان الامام البنا رحمه الله جعل الخيال ميدانا من ميادين الاخ يلجها لتتوسع رؤاه قبل ان يحول خياله الى قول فتضيق قدرة الحروف فلا تستطيع ان تصور الخيال اقوالا ، ثم تضيق الاعمال عن القول فلا تستطبع الهمم ولا الاجساد والوسائل ان تتكفل لنا بكل ما نقول ثم تكتنف اعمالنا التحديات فيصعب العمل في مقامين جليلين مقام الاخلاص ومقام الجهاد الحق ” ان رجل القول غير رجل العمل…..
وقد جعل اهل المقاصد للخيال ابوابا في مقاصدهم سموه بالمقاصد الوهمية وضربوا لها امثلة منها التيمم وغسل الشهداء لان الامة تحتاج الى خيال مساعد لكي لا تضيع اولويات الجهاد في الاشتغال بتغسيل الشهداء او تحل حرمة الصلاة بلا فعل تطهيري ولو كان تخيليا كما قال سيدنا الطاهر بن عاشور ومن قبله القاضي عياض رحمهم الله
والتخيل في الحق يفتح الافاق المغلقة ويصور الاحاسيس ويرسم به قادة العمل ورواد الامم مستقبل حركة الحياة في افضل الصورثم يشرعون في الانجاز على محاكات الخيال ومنه قال الامام البنا “الجموا نزوات اعواطف بنظرات العقول وانيروا العقل بلهب العواطف واكتشفوا الحقائق في اضواء الخيال الزاهية البراقة ولا تصادموا نواميس الكون فانها غلابة ولكن غالبوها واستعينوا ببعضها على بعض وترقبوا ساعة النصر وما هي منكم ببعيد “
فالامام البنا قدس الله سره ادرك خطورة النزوات فدعا الى الجامها وادرك قيمة الخيال فجعله نورا من نور الله تعين اضواؤه البراقة على اكتشاف الحقائق في ابهى احوالها ” ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور “
وهو المعنى الذي ادركه فيلسوف الاسلام وشاعر الرسالة اقبال حين انطلق في اعمال فكره فقال انه لامكان في بستانه لزهرة لا ترى نفسها روضة في المستقبل وانشد:
كم صباح في فؤادي كمنا. ذرة قد نالت الشمس انا
طينتي من جام جم انور. من غيوب الكون عندي خبر
صيد افكاري ضباء لم ترم لم تسيب بعد من قيد العدم
زان بستاني عشب ما ظهر. وقطفت الورد في جوف الشجر
وهذه النظرات الاقبالية انما هي اطلاق لعنان الخيال ينتظر نهظة الامة فيراها في غد اطفالها والشروع في العمل للتمكين قبل ان تبدوا علامات القطاف اذ هو ترجمان لقول الله تعالى: “لا يستوي منكم من انفق من قبل الفتح وقاتل اولئك اعظم درجة ” وذلك ان فئة المؤمنين قبل الفتح قد تحول خيالها الى يقين اما بعد الفتح فان الحقائق يدركها البصر وشتان بين البصيرة التي هي اكتشاف الحقائق وبين البصر الذي هو مشاهدة الوقائع

اترك تعليقًا