داعش والداعشية

داعش والداعشية

في عالم المعقول واللامعقول

 

اجتماع الأمم المتحدة التاسع والستون الذي انعقد في نيويورك هذا الأسبوع قد يكتب عنه المنصفون من كتّاب تاريخ الأمم والشعوب عندما يهدأ غبار المعارك الدائرة على طول خط الأزمات في العالم ابتداءً من أوكرانيا شمالا إلى المحيط الهادي جنوب الجزيرة العربية وبما يؤكدون أنه قد ساهم في الإضرار بالناس أكثر من نفعهم، بعد أن يظهر أن المؤتمر كان مؤتمرا داعشيا بامتياز.

فإضافة إلى قيام الرئيس الأمريكي باراك أوباما وبصورة استثنائية لم تحدث في تاريخ هذه المنظمة بترؤس جلسة لمجلس الأمن بأعضائه الدائمين وغير الدائمين لتمرير قرارات فيها خاصة بما يسمى الإرهاب والحرب على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، فإن تركيز الانتباه هو إبراز الإجراءات الأممية تجاه هذا التنظيم قد طغى تماما على باقي أهداف اللقاء التي تشمل حسب نظام الأمم المتحدة: التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتجارة الدولية وقضايا المناخ وثقافة السلام وقضايا الهجرة والعدالة والقانون الدولي ومكافحة تجارة المخدرات ورعاية حقوق الإنسان ونزع السلاح ودور الأمم المتحدة في إقامة نظام إنساني عالمي جديد وهي أمور تخص حياة البشر على كل الساحات التي تشمل داعش والتي لا تشملها.

الإعلام العالمي على اختلاف توجهاته السياسية وتنوعاته الدينية والعرقية تحدث عن تنظيم داعش وكأنه صخرة قد انفصلت من كوكب سيار في الفضاء هبطت على الأرض فجأة في المنطقة العربية ويخشى الجميع من تناثر شظاياها وترابها الملوث على باقي أركان الدنيا، وعلى منظمة الأمم المتحدة وكل الدول الأعضاء فيها المشاركة الفعالة في الحرب عليه، ثم أنه من غير المسموح لأحد الخروج عن هذا الإجماع الأممي، وليس من المسموح أيضا الحديث عن كيفية بدء هذا التنظيم لعمله ولماذا تجاهلته سياسات الدول العظمى قبل ذلك، وما أسباب قيامه أصلا في هذه المنطقة، ثم تأتي الأسئلة الحرام على الناس التفكير فيها أو إثارتها .. مثل من أمّده بالمال والسلاح ويمده باستهلاكه اليومي الهائل لدخائر هذا السلاح بأنواعه المختلفة، وكيفية استفادة النظام السوري منه في مواجهة خصومه في السابق، وكيفية انسحاب جحافل الجيش العراقي من أمامه وتسليمهم أسلحة جديدة ودخائر ومصفحات وما يزيد عن نصف مليار دولار من البنوك العراقية وتسهيل استيلائه على آبار نفط والاتجار فيها ..؟ والأهم من كل ذلك هو رؤية الأجهزة الأمنية في العالم لالتحاق آلاف الشباب من كل الدنيا بالتنظيم وخبرات هؤلاء الشباب المتعددة والدقيقة والصمت حتى استطاع التنظيم مع تعدد الخبرات بعد حوالي ثلاث سنوات من السيطرة على الأرض الممتدة من وسط سوريا المجاور للحدود التركية إلى وسط العراق المجاور للحدود الإيرانية ليشكل دولة ويعيد رسم خريطة لدول المنطقة العربية هي مطابقة لما تم الكشف عنه منذ سنوات ضمن المخطط الجديد لإعادة رسم حدود ما قررته اتفاقية (سايكس – بيكو) عام 1916م التي رسمت هذه الخريطة بعد انهيار الدولة العثمانية.

لسنا في مجال تقييم تنظيم الدولة الإسلامية ولكننا أمام أفعال لا يقرها منطق ولا عقل ولا دين وهو ما يحرص عليه هذا التنظيم من عملية ذبح رهائنه المصحوبة بإخراج إعلامي مدروس التأثير لإثارة الرأي العام العالمي وبما أفاد المجتمعين في نيويورك هذا الأسبوع في تمرير قراراتهم وغسل أيديهم من كل ما تتطلبه الأسئلة المسكوت عنها من توضيحات، وليبدأ القصف الجوي المنتقى بدقة شديدة على قوات العدو (داعش وغيرها) وبمشاركة تحالف يعلم أعضاؤه أن الخرائط الجديدة لن تستثنيه وأن ردود الأفعال لن تُعطي لأحد فرصة لتبيان الحلال من الحرام في العمل أو الصواب من الخطأ في حركة الشعوب، أو المعقول واللامعقول في إيجاد الحلول الصحيحة للظاهرة الداعشية والتي قد تكون أهون من غيرها القادم في سلسلة رفض ممارسات قوى التسلط والاستكبار الإقليمية والعالمية.

المعقول الذي برز في الحالة الداعشية التي يعيشها العالم الآن هو اتحاد رؤية رفض التدخل العسكري الدولي بين الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين السنة مع رؤية السيد حسن نصر الله ممثلا لحزب الله في لبنان والمؤيدة بفتوى للمرجع الشيعي السيد السيستاني، وإن لم تتطابق الأسباب بشكل كامل.

واللامعقول والذي أفرزته قرارات الأمم المتحدة وإجراءاتها أن تتطابق رؤية حركة (فيمن) النسوية التي اعتادت التظاهر عارية الصدور لإعلان رأيها في الأحداث والتي أنشأتها (آنا شيفيشنكو) الأوكرانية وهي البلد التي يبدأ بها خط الأزمة شمالا، مع رؤية أسرة (الكابتن طيار مريم المنصوري) الإماراتية التي تشارك في قصف أهداف الحملة في سوريا، فحركة (فيمن) قامت باحتجاج يوم 24 / 9 في شوارع باريس رفعت فيه شعارا موجها إلى أعداء داعش في كل العالم يقول: (أيها الكفار انهضوا وقاوموا تنظيم الدولة الإسلامية)، وأصدرت أسرة المقاتل (مريم المنصوري) من أبو ظبي على ضفاف المحيط الهادي في جنوب خط الأزمة بيان براءة منها بدأته بالآية الكريمة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)، لتتفق (فيمن) مع أسرة مريم المنصوري على تعبير الكفر والكفار.

ليكتمل مشهد اللامعقول بعبارات التكفير مع الدماء والاعتداء والعدوان ليظهر أننا مع بدايات أزمة أو أزمات (جديدة قديمة) طالما أصر الجميع على تجاهل أسبابها بالتصدي لطغيان الأنظمة المحلية والعالمية، وإذا برزت أزمة منها فقد يبكي الفاعلون الآن على أيام داعش.

اترك تعليقًا