لا أحد يعلو فوق لقاء الأسرة.

لا أحد يعلو فوق لقاء الأسرة.
بقلم: أ/ مدني حديبي..
واشوقاه إلى اللذائذ الصافية والمتع الغالية والدقائق النفيسة و الأنفاس الطاهرة التي ترفع العمر وتباركه وتزكيه و تطهر القلب و تعطره وتحليه…فهي رياض الجنة المعجلة وروح الدنيا وسر السعادة وإكسير الحياة:
 لم يبق من روح الدنيا إلا ثلاث : لقاء الإخوان ، والتجهد بالقرآن ، وبيت خال يذكر الله فيه….
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : لولا ثلاث : لولا أن أسير في سبيل الله عز وجل أو يغبر جبيني في السجود ، أو أقاعد قوما ينتقون طيب الكلام كما يُنتقى طيب الثمر لأحببت أن أكون قد لحقت بالله عز وجل..
وهذا أبو الدرداء رضي الله عنه يقول : لولا ثلاث ما أحببت البقاء : ساعة ظمأ الهواجر ، والسجود في الليل ، ومجالسة أقوام يَنتقون جيد الكلام كما يُنتقى أطايب الثمر….
وقد جعل ابن القيم رحمه الله طيب الكلام وانتقاءه من الأسباب الجالبة للمحبة والموجبة لها فعدّ من تلك الأسباب : مجالسة المحبين الصادقين والتقاط أطايب ثمرات كلامهم كما ينتقى أطايب الثمر .
اتاك حـديث لا يمل سـمـاعــه … شهـي الـيـنـا نـثـره ونـظامـــه 
اذا ذكرته النفس زال عناؤها … وزال عن القلب المعنى ظلامه
و هذا الإمام المجدد الشهيد حسن البنا: عند اللقاء تتصافى القلوب ، وتتماحى الذنوب ، ونتعاهد على البناء….
أماني من سعدى،رواء على ظمأ…سقتنا بها سعدى،على ظمأ بردا
منى إن تكن حقا،تكن أحسن المنى…وإلا فقد عشنا بها زمنا رغدا
فالمحروم كل المحروم من حرم هذه المعاني العوالي الغوالي الصوافي:
مساكين أهل الدنيا خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها قيل : وما أطيب ما فيها قال : محبة الله والشوق إلى لقائه والتنعم بذكره وطاعته…
فالمسكين من منع من لقاء الأسرة: بسبب ذنب اصابه..أو كبر أقعده..أو فهم سقيم أبعده…
يقول الشيخ الراشد:وجوب الاحتفاء بلقاء الأسرة لأنه وسيلة مباركة..وتعليم الداعية شدة الاحترام لها والتعلق بها والحرص على اغتنام خيراتها الوفيرة، فالأسرة :هي منبع الفوائد والمثابة الآمنة..ثم يكون الرجوع إليها لتجديد الإيمان وترميم ما نحته التحرك..!
تركت هوى ليلى وسعدى بمعزل … وعدت إلى تصحيح أول منزل
 ونادت بي الأشواق مهلا فهذه … منازل من تهوى رويدك فانزل
ذلك لأن لقاء المحضن التربوي فيه بركة: تجعل القليل كثيرا والواطئ عاليا والضيق واسعا والصلد ناطقا…حتى قال قائلهم عندما تذوق ثمرات اللقاء وهو في الدنيا فصار يزاحم أهل النعيم في نعيمهم: وكأنه في الجنة هنا فيقول : إنه ليمر بي أوقات أقول فيها : إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب….: 
لا تُلـقِ بـالاً للعـذولِ فـإنّـه … لا رأي قطُّ لفاقـد فـي واجـدِ
 لو ذاقَ كانَ أحر منـك صبابـةً … لكنّـه الحرمـان لـجَّ بجاحـد
أسباب الفتور عن حضور لقاء الأسرة: لقد تحولت جلسة الأسرة إلى لقاء روتيني رتيب، غابت فيه المشوقات الروحية، وضعفت فيه قدرة الصلاح الحاسمة، وخمدت حركة أصداء الورع، وخفتت أنوار الإخلاص، وبردت اللوعة وانطفأت الحرقة، ولم نعد نشم رائحة الكبد المشوي والقلب المحترق بهم الدعوة!!  
فصار المحضن التربوي نسيجا خشبيا: هيكل بلا روح وخط بلا وضوح!!  
نستثني المحاضن التربوية الأنموذجية التي ينفخ فيها المربي من روحه وتقتات من قلبه و التي شعارها:انظرونا نقتبس من نوركم، فيمتص الحال من الحال :فتدمع العين ويرق القلب وتنتعش الروح..!!
(إن التربية الأسرية ليست رئاسة عسكرية ، ولا تؤدى بالحشمة العابسة اتي توصف للقضاة.. وإنما هي بصحبة الأقران أشبه ،وتؤدى بالبشاشة والبسمات والسماحة والملاطفة ، وكأن الجميع شباب قرية تقاربوا في السن ، فصارت حركتهم مثل كتلة واحدة ، يقومون ويقعدون ، ويسمرون ويتندرون ، معا لا يشعر أحدهم بفوقية ،وإذا صاد أحدهم حمامة صغيرة:شووها وأكلوا منها جميعا حتى لو كانوا عشرين ، فتكون عندهم كأنها وليمة تامة..!وأن يقدم المربون لإخوانهم الحلوى والفاكهة والهدايا وأن يدعوا إخوانهم في مرح وفرح..فإن الأحزان كثيرة ، وكاد فرط الجد أن يكون رهقا..!)
أيها الأحباب:لقد لمسنا نوعا من التعالي والكبرعلى حضورلقاء الأسرة وكأنها مقتصرة على أبناء الصحوة والمساجد أما القادة والرواد وأهل الفكر والنخبة  فقد تجاوزوها من زمان..و قد تخرجوا من جامعات الربانية والفكر والفهم…فهم فرسان القيادة و التنظيم والتدريب والمهارات والتخطيط والهندسة النفسية والتأثيرية…ولم تعد لهم حاجة لمزاحمة المربين بالركب…؟؟ااا….
فلا أحد يعلو على الأسرة كائنا من كان:لو كان أحد يعلو فوق التذكير والمناصحة والتصويب ولقاء أهل الإيمان لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم المعصوم ألم يقل له رب العزة:وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ  وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا  وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا …؟اا
لهذا لا بد من عودة قوية جديدة متجددة متدفقة لإحياء معاني الأسرة من حضور ومعايشة وفناء ومسارعة ومحبة وشوق….
وذلك بالمرتكزات الآتية:
-التحضير العلمي والتقني والروحي للقاء.. وتجديد النيات وتكثيرها وتنميتها…
-ليست الأسرة فصل ثقافي ومحتوى..بل روح وعاطفة وتكافل وحب وحل للمشكلات ومعايشة لآلام وآمال الأمة…
-الأسرة ليست لقاء أسبوعي عابر..بل تنفيذ لأعمال صغيرة ومتوسطة وكبيرة تسع الزمان والمكان…
-المربي ينبغي أن يكون كالنحلة تأكل من كل الثمرات والأزهار والمراجع البديعة حتى تكون كلماته عسلا مصفى تزين وتشوق وتحبب اللقاء…
-اللقاء الأسري الناجح هو من يعمل على زيادة الإيمان والعلم والمحبة: أيكم زادته هذه إيمانا…؟…وإلا ستكون عاملا منفرا مقززا…و رتابة قاتلة…

 

يتبع….

اترك تعليقًا