شبابَنا .. متى نتصالح مع الكتاب ؟!! د. عادل باحميد .. |
المُتابعُ اليومَ للمجتمع الشّبابي الجميل، بكلّ عُنفوانِهِ وانفعالاتِهِ ، وبكلّ نزواتِه وتقلّباتِه وانطلاقاتِه، لا شكّ أنّه سيردّد في قرارةِ نفسه بحسرةٍ (ألا ليتَ الشبابَ يعودُ يوماً ..)، لكنّه أيضاً سيُدركُ ويكتشفُ – دون حاجةٍ إلى عميق بحثٍ وتنقيب – واحدةً من الصفاتِ التي أضحت بارزةً في قطاعٍ ليس بالقليل من شبابِنا، ألا وهي الإحجامُ عن القراءة والقطيعةُ مع الكتاب، الكتاب مصدر الثقافة والتنوير ومنهل العلمِ والمعرفة والجسر الرباط بين الحضارات الانسانيّة والأجيال وعصارة الفكرِ الانساني في شتّى المجالات وتجارب الأفرادِ والأممِ والشعوب والمجتمعات. لقد تمّ استبدال المصدر الهام للتلقّي والمورد الأغزر للمعرفة ألا وهو الكتاب بمصادر أخرى أقربُ ما يمكن وصفُها به أنّها سطحيّة وهشّة بل ولربما عبثيّة ومضلّلة في كثيرٍ من الاحيان وبحاجةٍ إلى مزيدٍ من الحرص والحيط في التعاملِ معها، ألا وهي ما تبثّه المواقع على الشبكة العنكبوتية وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي عبر الفيس أو الواتس أب، فأصبحت هي من يشكّل وعي وثقافة الناس وشريحة كبيرة من الشباب. لقد برزت آثار تلك القطيعة مع الكتابِ جليّة حينما تجالس الكثير من شبابنا فتجدِ الخواء الفكريّ و السطحيّة الثقافيّة المخيّمة عليهم، وكذا حالة عدم الاتّزان في التفكير، وسُرعة التأثّرِ برأيٍ هنا أو رأيٍ هناك، والتسرّع في إطلاق الأحكام والتقلبات في الحكم على كثير من القضايا والأمور، بل وحتى في سلوكيّات التعاطي مع الآخر صديقاً كان أم محسوباً على خانة الخصوم، كل ذلك للأسف مع الاحساس بشيءٍ من الاكتفاء الثقافي والمعرفي الوهمي نظراً لحجم وكمية الحشو الذي نتعرّض له جميعاً على مدار الدقيقة والساعة من مختلف مصادر المعلومة اليوم من قنوات ومواقع ووسائل اتصال وغيرها. لذا أعتقد أنّنا وشبابَنا بحاجة ماسّة – وكثيراً من قطاعات المجتمع – إلى مصالحةٍ سريعةٍ مع الكتاب، إلى العودة إلى أحضانه الدافئة بالعلم والمعرفة والثقافة والأدب والفنون، إلى الاطمئنانِ بين دفّتيه، إنّها دعوة إلى بناءِ وتجديد ثقافتنا، إنّها دعوة لمعرفة ذواتنا والحياة من حولنا ، إنّها دعوة للانفتاح على عوالمَ لا تزال غائبةً عنّا، والانفتاح على الآخر من حضاراتٍ وفكرٍ وثقافات وآداب وفنون، إنّها دعوة إلى التجديد وإزالة التكلّسات عن عقولنا وأفهامنا، إنّها دعوة لنزداد عُمقاً في تفكيرنا وقدرةً على تحليل أمورنا والحكم على قضايانا، إنّها دعوة للعودةِ إلى أول التكليفِ لنبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلّم ولهذه الأمة، إنّها استجابة للأمر الإلهي الخالد (إقرأ) لأمةٍ باتت لا تقرأ !! فعودةً شبابَنا إلى أحضانِ الكتاب، ولتكن لنا منه أورادَ قراءةٍ فيما نستسيغه من مجالات، ولتصبح القراءةُ فينا عادةً نألفها وتألفنا، ولنطرق بشغفٍ أبوابَ عوالمَها، ولتكن القراءةُ خيارنا في ساعات الفراغِ أينما وحيثما كنّا، لتكن لدى كلٍّ منّا مكتبته الخاصة التي يبنيها يوماً بعد يوم وكتاباً فوق كتاب، لنبني أنفسنا بالثقافة والعلمِ والاطّلاع فما أحوجنا إليه في بناءِ شخصيّاتنا وتهذيبِ ذواتنا. أحبتي .. فلنُضِف إلى قائمةِ صداقتنا صديقاً صدوقاً وجميلاً فهو خيرُ صديقٍ .. وسيبقى (خيرُ جليسٍ في الزمانِ كِتابُ) .. |
شبابَنا .. متى نتصالح مع الكتاب ؟!! د. عادل باحميد ..
