بسم الله الرحمن الرحيم
ابنتي السائلة الكريمة، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأهلاً وسهلاً بك في موقع: مُستشارك الخاص، وأشكرُ لك الكتابة إلينا، راجيةً الله أن يُثيبَ القائمين على الموقع خير الجزاء.
مشكلتك: أنت فتاةٌ متفوقة، تحملين همَّاً لهذا الدين، وترغبين في اختيار تخصُّص يُعينك على خدمته، ويُوفِّر لك دخلاً مادياً نظراً لظروفك الأسرية.
ابنتي الغالية، في البداية: من حقِّك علينا أن نُعلن احترامنا الكبير لك، وتقديرنا لما تحملينه من همومٍ لأمتك، وقد ذكرتيني بقول أحد العلماء: “إن صدور المؤمنين تغلي بأعمال البر، وإن صدور الفُجَّار تغلي بأعمال الفجور، والله تعالى يرى همومكم، فانظروا ما همومكم رحمكم الله” فهنيئا لأمة أنت ابنتها، في زمنٍ صارت فيه الهموم محصورةً في الشهوات والمتع، والمراكز والمناصب، ولا أخفيك -بنيتي الغالية- أن خدمة هذا الدين أمنية عزيزة، وهدف سام ونبيل، لا يراودك أنت فقط، بل يراود كل مؤمن ومؤمنة، فالجنة سلعةٌ غالية لا تُنال بالأماني والأحلام، وهي شرفٌ ما بعده شرف، ومن عظيم المنن علينا أنها ليست قصراً على العلماء والمفكرين والمحدثين، ولا على أي شخصٍ، بل هي بابٌ مفتوحٌ لكلِّ مُسلمٍ ومُسلمة، كما أنها ليست قصراً على تخصُّص محدد، بل كلٌّ على ثغرة يخدم هذا الدين من خلال ميوله الذي يُبدع فيه، فكلُّ عاملٍ في المجتمع المسلم له وزنه وقيمته، سواءً كان صغيراً أو كبيراً، موسراً أو فقيراً، رجلاً أو امرأة، إذا صح منهم العزم، وصدق النية، والإخلاص الذي متى ما تمكَّن من طاعة أو حتى متعة إلا حولها إلى عبادة عظيمة، وبارك فيها، وإليك غاليتي بعض النصائح التي أرجو أن يفتح الله بها عليك، وأن يجعلك دائما من الموفقين المسددين:
– أنت شخصيةٌ حباك الله بالتميز، وقد لمست هذا من خلال استشارتك، فأنت متفوِّقة تنظرين إلى معالي الأمور، وإلى السابقين ممن تميزوا أمثالك وخدموا أمتهم، على الرغم من ظروفك الأسرية، إلا أن هذا لم يُؤثِّر في علو همتك وسمو تفكيرك، وقد أحسنت -عزيزتي- حين تنبَّهتِ إلى واقعٍ مُعاصرٍ نعيشه يفرض أن يكون الإنسان صاحب شهادات عالية ليكون شوكةً في حلق أعداء الأمة؛ لذا: المنتظر منك الحرص على دراستك، وعلى نيل شهادات علمية عالية، ولن أربطك بتخصُّصٍ معين؛ فهذا الأمر يُحدده ميولك، والمجال الذي تشعرين أنك تبدعين به، وتأأنس به نفسك، وكما أسلفت أن المجتمع المسلم بحاجةٍ إلى دعاة مخلصين في كل المجالات، سواءً في التخصصات العلمية أو الأدبية، وعليك بالاستخارة كي تتجنبي الحيرة، ولتطمئن نفسك، فالاستخارة هامَّةٌ في حياة المسلم، وهي طلب الدلالة على الخير ممن بيده الخير كله، فاحرصي عليها، ثم توكَّلي على الله وأنت تتوجَّهين إلى الميول الذي تحبين، حتى لو كان في نظرك بعيداً عن التخصص الشرعي، فما أكثر الدعاة الذين لم يكن تخصصهم شرعياً، ولكنهم خدموا دينهم، ومنهم الطبيب، والمهندس، والعالم، والمؤلف، والأديب، كل واحد منهم على حسب ما فتح الله عليه، ولست أنسى تلك العجوز الجالسة عند أحد المساجد ومعها حفيدها الصغير ومجموعة من الكتب والأشرطة، وكلما خرج أحد المصلين أعطت الصغير كتاباً وشريطاً هديةً يسلمها لذلك المصلي، فما أعظمها! وما أكثر بركتها!
فلا تحتاري -ابنتي الغالية-، واعلمي أن كل الطرق مع الإخلاص تؤدي إلى الدعوة، ولو شعرت بالحيرة بين تخصصين فلا مانع من دراسة أحدهما كتخصص والآخر كهواية محببة تبدعين فيها لخدمة دينك، ولا مانع أبداً أن تختاري مجالاً يمكنك من الحصول على دخلٍ ماديٍّ، المهم أن يكون في ذهنك أن يكون مجال عملك بعيداً عن المحاذير الشرعية، كالاختلاط والفتن. أسألُ الله أن يهديك سواء السبيل.
– لتحققي أهدافك المميزة لابد أن تكوني مميزة في تنظيم وقتك بشكلٍ يومي وأسبوعي وشهري، وتقيدي بجدول مرنٍ تحرصين على وضعه لنفسك حسب ظروفك، ولا تنسي أن لنفسك عليك حقاً، فرفِّهي عنها بالترفيه المباح، كالقراءة، والمطالعة، وغيرها مما تميل إليه نفسك.
– أربطي قلبك بالله، واستعيني به، وأكثري من الدعاء والاستغفار، ومداومة قراءة القرآن، فليس أنفع للقلوب لتعمل دون كلل وتكدح دون ملل مثل ذكر الله، والنوافل، فأكثري منها.
– اسلكي طريق معلمك ومعلم البشرية كل خير -عليه صلوات ربي وسلامه-، وأكثري من القراءة في كتب السيرة؛ لتعرفي الطريق الذي سار عليه الحبيب في أمر الدعوة، وتعرَّفي أيضاً على طريق العلماء والدعاة والمصلحين الذين ساروا على نهجه، واستصحبي الصبر في ذلك، وحذارِ من الكسل والضعف فديننا دين العزيمة والهمم العالية، وأحسبك كذلك والله حسيبك.
– استفيدي من كل الظروف المتاحة والإمكانيات المتوفرة لزيادة مهاراتك الدعوية والعلمية، كالمشاركة في الدورات المفيدة، والمجالات الخيرية، مما يُعزِّز ثقتك بنفسك، ويزيد من مهاراتك، فالمسلم كلما وجد باباً من أبواب الخير سابق إليه، وأسهم بالعمل فيه دون تردد أو تسويف.
– عليك ببر الوالدين، وهذا بابٌ عظيمٌ من أبواب التوفيق، فاحرصي عليه يا موفَّقة.
أسألُ اللهَ عز وجل لك كل التوفيق والسداد، وأن ينفع بك البلاد والعباد، إنَّه وليُّ ذلك والقادر عليه.
|