كثيرا ما نشتكي من ارتفاع سورة الغضب لدى أبنائنا في مراحل الطفولة، وقد يؤدي ذلك إلى تحول المنزل إلى ساحة قتال بين الأبناء وأحيانا بين الوالدين والأبناء..!
وهذا الوضع يؤرق الوالدين، ويظل كل منهما يسأل نفسه:أين الخلل ؟ وما هو الطريق الصحيح لتربية الأبناء على المشاعر المتوازنة، و تجنب العصبية والغضب الغير منضبط؟
وهذا ما سنحاول الإجابة عليه من خلال السطور القادمة..
انفعال الغضب بين المدح والذم
أعزائي.. إن انفعال الغضب كغيره من الانفعالات لا يذم كله، ولا يحمد كله، فلو أعيق الغضب بالكلية ما استطاع الإنسان أن يدافع عن نفسه، ولا عن شرفه، ولا عن وطنه فهو في بعض الأحيان يكون محموداً خاصة عند انتهاك حرمات الله، وظهور المعاصي والمنكرات أو تعرض المرء لما يمس كرامته بغير وجه حق؛ فإنه يكون محموداً في هذه المواطن.
أما الغضب الممقوت المذموم هو الذي يكون لغير الله، أي لحظ النفس والهوى، فهذا النوع هو الذي جاء القرآن الكريم والسنة المطهرة بالنهي عنه، والأمر بكظمه وعدم إظهاره، قال الله تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134]، وترجع أهم أسباب انفعال الغضب عند الأطفال إلى:
– الغيرة من الزملاء والإخوة.
– الفشل في الدراسة والتحصيل.
– القسوة المفرطة من الوالدين في التربية.
– إشعار الطفل بالحب.
– التدليل المفرط الذي يسوق الطفل إلى تحقيق رغباته كلها دون ممانعة.
– تقليد الطفل لوالده إذا كان كثير الغضب والانفعال أمام الولد.
– إصابة الطفل بعاهة من العاهات الجسدية.
استغلال الطفولة المبكرة في التدريب على ضبط الانفعال
يكاد يجمع علماء النفس والاجتماع والتربية على أن شخصية الطفل، وما سوف يؤول إليه من اتجاهات انفعالية ومزاجية: تتحدد في السنوات الأولى من عمره؛ وذلك لأن الجهاز العصبي الغض للطفل يكون أكثر قابلية للتشكيل.
لهذا كان استغلال هذه الفترة المبكرة من عمر الطفل في توجيهه نحو الخير، وتركيز المعاني الحسنة في نفسه وعقله، له الأثر الأكبر- بعد توفيق الله – في استقامته وصلاحه عند كبره واشتداد عوده. ويشير إلى هذا المعنى الإمام الماوردي رحمه الله مؤكداً أهمية فترة الطفولة في توجيه الولد وتأديبه، فيقول: (فأما التأديب اللازم للأب، فهو أن يأخذ ولده بمبادئ الآداب ليأنس بها، وينشأ عليها، فيسهل عليه قبولها عند الكبر، لاستئناسه بمبادئها في الصغر، لأن نشأة الصغير على شيء تجعله متطبعاً به، ومن أغفل في الصغر، كان تأديبه في الكبر عسيرًا [د.عدنان باحارث:ملف التربية الخلقية :موقع د.عنان باحارث على شبكة الانترنت].
كيف نوجّه انفعال الغضب لدى الأبناء؟
أعزائي ..من الحقائق الثابتة تربوياً أنّ الغضب والشهوة لو أردنا قمعها وقهرها بالكلية حتى لا يبقى لهما أثر لم نقدر عليه أصلاً، ولو أردنا سلاستهما وقودهما بالرياضة والمجاهدة قدرنا عليه، وستكون المحاولات عبثاً إن ظن الأب أنه يمكن انتزاع الغضب بالكلية من نفس ولده، فإن هذا لا طائل وراءه؛ بل يعمل جاهداً على تهذيب نفسه مبكراً، وتربيته بالتدريج، وتدريبه على ضبط انفعالاته والتحكم فيها.
وعليه أن يعرف أن الجبلات والطبائع مختلفة ومتنوعة وهو ما يعرف ب (الفروق الفردية)، منها ما هو سريع الاستجابة والقبول، ومنها ما هو بطيء، فلا يمل من متابعة ولده وتوجيهه، والصبر عليه، وإن طال ذلك، على أن يلاحظ أن هناك درجة لا يمكن أن يتعداها الإنسان في بلوغ مراتب الأخلاق والصفات الحسنة، فإن الأخلاق مقسمة بين الناس حسب الحكمة الإلهية، فقد قال عليه الصلاة والسلام: ((إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم))، والأب الفطن يمكن أن يعرف حدود إمكانات ولده وقدراته، فلا يحمله من الآداب والأخلاق ما لا يطيق، فإن صدر عنه بعض الزلات في ساعات غضب وانفعال صبر عليه ووجهه دون أن ينفعل هو لئلا يزيد من سوء الموقف.
وإليكم هذه الخطوات العملية نحو تدريب الأبناء على ضبط انفعال الغضب:
– التعبير: نعلمه كيف يتحدث عن مشاعره السلبية فلو لم يعجبه شيء لا يصرخ أو يغضب أو ينسحب من المكان أو يأكل أظافره أو يمزق ثيابه أو غيرها من التصرفات السلبية وإنما نعلمه وندربه على التعبير بالكلام، فنقول له تكلم وعبر عما في نفسك.
– المدح: نمدحه عندما يعبر عن مشاعره السلبية والغاضبة بطريقة صحيحة، من خلال الكلام والحوار، مع تشجيعه على هذه التعبيرات بدلاً من السكوت أو الغضب.
– احذر من السخرية:علينا أن نتجنب سلوك السخرية من الطفل أو توجيه الانتقاد الجارح له، أو جعله مادة لسخرية الآخرين، فإن هذه الطريقة تفسد أكثر مما تصلح، بينما الاقتراب من الطفل وتوجيه النظر الحاد إلى عينيه، مع التعبير عن الاستياء من سلوكه الغاضب، من الممكن أن يكون أكثر زجراً له دون أن نجرح مشاعره [هداية الله احمد الشاش، موسوعة التربية العملية للطفل، ص:368، بتصرف].
– إهمال الغضب: لو غضب الطفل وصرخ ففي هذه الحالة ينبغي ألا نجعل من غضبه سببا لاهتمامنا أو لتنفيذ طلباته على الفور؛ لأن هذا سيعزز سلوك الغضب عنده وإنما نهمله تماماً إلى أن يهدأ، ثم نناقش معه المر بهدوء.
– الحزم: لو استمر في نوبات الغضب والعصبية لابد أن نعامله بحزم مع المحافظة على هدوئنا ونحن نتحدث معه.
– لا نعاقبه على غضبه: في حالة لو استمر بالغضب فلا نعاقبه لأنه غضب وخالف أمرنا وإنما نكرر عليه التوجيه مرة أخرى بعد إعطائه فرصة للتعبير عن غضبه ونشرح له كيف يعبر عن مشاعره بطرق كثيرة ومنها الحوار والكلام ونساعده على ذلك وشرح ما في نفسه من أفكار ومشاعر مع ترديد عبارات الحب له.
– لعبة الحلم: نحاول ان نلعب مع أبنائنا (لعبة الحلم) ونشرح لهم ما معنى الإنسان الحليم وهو عكس الغضوب، واللعبة هي أننا نعطي نجمة لكل طفل كان حليما في مواقف تستحق الغضب ونعطي نجمتين لكل طفل كان في حالة غضب ولكنه عبر عن مشاعر الغضب بالكلام ولم يصمت أو ينسحب وهكذا من خلال اللعبة نربيهم على كيفية التعبير الصحيح عن المشاعر الغاضبة بدل العصبية والغضب.
– نؤكد لهم على مفهوم أن من يملك نفسه هو الملك «فليس الشديد بالصرعة» كما علمنا نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قال:” ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد هو من يملك نفسه عند الغضب” – رواه البخاري في كتاب الأدب- ، ونعلمهم كيف يضبطون غضبهم بالاستعاذة من الشيطان والوضوء وتغيير الجلسة أو المكان.
– بعد أن ينتهي غضب الطفل لا تتحدث عنه ولا تذكّر الطفل به، واحذر أن تحمل ضغينة في نفسك تجاه طفلك؛ فإن ذلك يؤدي إلى زيادة نوبات غضبه ويجعلها أكثر حدة في المستقبل، نتيجة لتوتر العلاقة بينكما، بل احمله واحتضنه واربت عليه بحنان وأخبره أنك ما زلت تحبه ولكن تريد منه أن يتصرف بطريقة أفضل من ذلك [محمد سعيد مرسي: مرشد الآباء والأمهات لعلاج أصعب مشكلات الأبناء، ص:18، بتصرف].
– التدريب العملي خفيف الظل:
وهناك طرق لطيفة وخفيفة الظل في تدريب الأبناء عملياً على التحكم في مشاعر الغضب، مثل أن يحضر الأب المرآة لابنته كلما غضبت ويقول لها: انظري إلى نفسك بالمرآة، فتضحك وقتها ويزول الغضب عنها، أو أن تقول الأم لولدها: كلما غضبت ضع خطا بالورقة المعلقة على الجدار وإذا صرت حليما امسح خطا وسينجح الابن مع الوقت في مسح الخطوط، وهناك طريقة ثالثة للأبناء الأكبر سناً ، يقترح فيها الأب على ولده المراهق أن يعبر عما في نفسه بالكتابة على الورق وقد نجحت هذه الطريقة مع الكثير من الكبار أيضاً، وهكذا..
ومع كل ما ذكرنا علينا أن نعلم أبناءنا متى يغضبون في الوقت الصحيح، وفي المكان الصحيح، ومع الشخص الصحيح، ولو وصلوا لهذا المستوى فإن هذا ما نسميه «بالذكاء العاطفي» وهو مهم جدا للحفاظ على صحتهم النفسية [د.جاسم المطوع، مقال:أساليب تربوية تجنب طفلك العصبية، بتصرف].
إن علينا أن نتفهم مشاعر أبنائنا بشكل جيد، لنعرف كيف نتفاعل بشكل صحيح وبنّاء مع هذه المشاعر وتلك الانفعالات، وكذلك لنبادر بتهذيب الانفعالات الجامحة لديهم مثل الغضب – وندربهم مبكراً على التحكم الجيد في انفعالاتهم..فهذه القدرة من أهم مؤهلات الشخصية السوية التي نتمناها جميعا لأبنائنا وبناتنا.