من أنوار التزاور في الله – بقلم حشاني زغيدي

إن  للتزاور في الله أثره الطيب و بركته  تحل على  النفس فتلقي بعبيرها الفواح بنزول الأحبة في الله لأنه  طالما يشتاق الأخ  لرؤية أحبابه في الله  فكم يشعر أحدنا حين الزيارة  بفرحة اللقاء و ارتباط الأرواح   فيكون اللقاء محطة للتزود   لأن  لقاء الإخوان زاد و أجمل ما يحضرني في هذا وصف رائع   إذا كان لهذا الصنف من الإخوان  حظ في الزيارة   و كانوا  من هذا الطراز فأمَّا إخوان الثقةِ فهم كالكفّ و الجناح و الأهل و المال ، و إذا كُنتَ من أخيك على ثِقةٍ فابذل لهُ مالك ويَدَك وصافِ مَن صافاهُ ، وعاد مَن عاداهُ واكتم سرّهُ وأعِنهُ وأظهر منهُ الحسن ؛ واعلم أيّها السائل أنّهم أقلُّ من الكبريت الأحمر.” فكيف يكون حالك إذا ظفرت بلقائهم ؟ !

          و من اللطائف المقام نقل هذه   الكلمات الرقيقة في لقاء الإخوان و قد قيل  أ

تتوق النفس للقياكم..
وتجلو العين برؤياكم..
يبيت القلب مكسورا..
ونجبره بذكراكم..
سألت الله يحفظكم
وفي الجنات نلقاكم ..

          و من اشراقات هذا اللقاء  روح تتجدد و طاقة تتولد   فتحصل  فيها أنوار إيمانية تدخل على نفس الزائر و المزار فلا يكون في هذا الكيان النوراني حقد أو غل أو شحناء بل تغمر النفس لطف و مودة و تعارف و تعاون فيه سبحانه و تعالى فتكون مودة في الله و تعارف في الله و كان النفس تردد في سكينة  هذه الأبيات من الشعر لأن النفس يعتريها الضعف فيتجدد الإيمان باللقاء  .

الود يبقى وحب الله يجمعنا 
على الاخاء وطيب القول قد عبقا
والقلب يخفق إن هبت نسائمكم
فصادق الود يجلو الهم والأرقا
والله يجزي أضعافا مضاعفة
لمن لصاحبه مستبقا

                و من البر زيارة الإخوان و إن  البر ليس بالكثرة  فالسؤال عنهم و تفقد أحوالهم و المشي لقضاء حوائجهم.و حتى يكون للتزاور نفع أن يكون في اللقاء تعارف لأن أساس الدعوة الحب و التعارف   فالسؤال عن  اسمه و اسم أبيه و قبيلته و عشيرته ؛ فإنّه من حقّ الواجب و صدق الإخاء أن يسأله عن ذلك ، و إلاّ فهي معرفة ناقصة . و تحضرني قصة رائعة لأستاذ تربية الروح الأستاذ عباس السيسي  رحمه و سأنقلها  كما وردت كاملة للطيف الفائدة التي تحملها يحكى الحاج عباس رحمه الله .

        فيقول :  “دعيت لزيارة مجموعة من الشباب ، واستغرق السفر إليهم ثلاث ساعات ، وحين وصلت إليهم ، وجدتهم قد استقبلوني وهم جلوس! ووجوههم جامدة ، ومشاعرهم خامدة ، وعيونهم ميتة، قدمني إليهم كبيرهم ، فتحدثت إليهم بلا قلب ،  ولا روح ، حتى إذا انتهيت من حديثي ، شكرني ، وخرجت كأنني كنت أعزي في ميت !! وعدت من حيث أتيت حزينًا لما شاهدت ورأيت !.

ومضت الأيام والأسابيع ، وجاءني الأخ نفسه الذي دعاني أول مرة، جاء يدعوني لأكرر الزيارة مرة أخرى.

فقلت له : إلى أين؟

قال : إلى الإخوة.

قلت له: أهؤلاء إخوة؟

قال : نعم.

قلت : مستحيل أن يكون هؤلاء عندهم تذوق لمعنى الأخوة ، كيف يكونون إخوة .. وقد جاءهم ضيف قطع إليهم مسافرًا أكثر من ثلاث ساعات ، جاء إليهم بأشواق متلهفة ، وعواطف مشتعلة ، ونفس منشرحة ؟ فيتلقونه بمشاعر جامدة ، وهم جلوس كأنهم تلاميذ في مدرسة ، لا تربطني بهم سوى علاقة المدرس في الفصل ، فإذا أنهى الدرس خرج لا يلوي على شيء، لا عواطف ولا مشاعر ولا دعوة تجمع بينهم!!

لقد تركتكم كاسف البال ، أتحسر على جمود العواطف ، وفقدان يقظة القلوب ، وحياة المشاعر التي هي سر وجودنا وحيويتنا وانتعاشنا.

أصاب أخي الخجل والحيرة ، ثم بادرني يقول :.. إذا كان الإخوة قد فاتهم هذا المعنى في أول مرة ، فسوف أقوم بالتنبيه عليهم ، حتى يتداركوه المرة القادمة.
فنظرت إليه وقلت : يا سيدي إن هذه المواهب الروحية، واللمسات العاطفية، والأريحية، واللطائف النفسية، والذوق، لا تنهض بها توجيهات أو أوامر ، وإنما تنهض بها: موحيات قلوب معطرة بالحب، مشتاقة تواقة إلى توأمها في العقيدة التي تتأجج بها القلوب.

واعتذرت لأخي عن الزيارة ، رغم أني مشتاق إليهم ، ومشفق عليهم   “.انتهى كلام الأستاذ تغمده برحمته الواسعة في الجنان .

 

        إن أحدنا   لا يجد  له  من سعادة إلا فى هده المحطات الإيمانية و حضن  القلوب ، ونعيم المشاعر التى نحس فيها ببرد العواطف المتدفقة في غمرة التزاور في الله  

و الله أكبر و لله الحمد                                                  09 / 11 / 2014

 

اترك تعليقًا