العلاقات الجزائرية التركية: التاريخ والجغرافيا

 

العلاقات الجزائرية التركية: التاريخ والجغرافيا

بقلم: الدكتور محمد بوضياف

أستاذ محاضر بجامعة المسيلة

 

لطالما اعتبر “النظام العربي الرسمي” قبل أن تعريه رياح الربيع العربي، وقبلها سقوط المنظومة الاشتراكية وعبر “مؤسساته” السياسية ممثلة في الجامعة” العربية” والثقافية ممثلة في الفكر” القومي العربي ” لطالما صنف تركيا تهديدا لأمنه القومي، وأسلمها الى الغرب الليبرالي متناسيا التاريخ، والانتماء الحضاري وضاربا عرض الحائط قواعد الاستراتيجية ومنطق التحالفات الطبيعية، ولما أسقط في أيديهم وانسحب الاتحاد السوفياتي من المشهد العالمي والتهمتهم العولمة الليبرالية، وانكشف الغبار اكتشفت الشعوب الغربية كذب وزيف هؤلاء “البدو” واكتشفوا شعوبا مسلمة مسالمة قوية عنيدة يفرح لفرحهم ويتألم لألمهم وكرست هذه الحقيقة ماحدث من جور وظلم وقع في مصر الإخوان وفي غزة هاشم، وفي سوريا الثورة، وفي ليبيا الجريحة .. وكرستها مواقف وتصريحات قيادات تركيا العثمانية.

وتشاء الأقدار وبعد إضاعة أكثر من عشريتين من الزمن عبث بها ” الإصلاحيون” من جبهة التحرير يوم أن عطلوا وأوقفوا جهود وتراكمات المشروع الاقتصادي الذي بدأه الرئيس الراحل هواري بومدين ويُبعث اليوم على يد رفيق دربه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في سياق دولي مختلف وفي ظروف أمنية وسياسية مختلفة، وبعد أن يئست الجزائر من استجداء الرأسمال الغربي واستثماراته المباشرة التي أبت ورفضت مد يد العون، رغم كل الجهود والتسهيلات التي قدمتها الرئاسة، وقد أعلن الرئيس خيبته في خطاب للأمة ذات 2009 واتجهت بذلك الجزائر شرقا، في محاولة للاستدراك فكانت الاستثمارات الإيرانية والتركية والصينية سخية أعادت شيئا من الاعتبار لبرنامج لطالما عطلته قوى الداخل بإثارة القلاقل والدعاية المثبطة وقوى الخارج المستكبرة قبل أن تذلها الازمة المالية وتعود صاغرة لجمع فتات الريع الجزائري.

لقد أدرك الأتراك بقيادة العدالة والتنمية، أن تاريخهم العريق، يتعارض مع جغرافيتهم الرافضة لهم كما ادركت الجزائر أن تاريخها الثوري هو من يمنعها من الاندماج في شراكة موهومة مع الاتحاد الاوروبي بقيادة فرنسا جار الجزائر وألمانيا جارة تركيا وأن الجهود الذاتية وتطوير المنظومات التعليمية والارتكاز على عمقها الاستراتيجي والعودة الى الحضن الدافئ، وتكثيف التعاون البيني، والاستفادة من الميزات المقارنة وخلق أسواق مشتركة تحفز قوى الانتاج من كلى الطرفين وحل المشكلات الأمنية التي قد تعيق ازدهار المنطقة.

تركيا اليوم تبحث عن سلام في المنطقة يعطي لها فرصة التوسع التجاري، فهي تستثمر بسخاء، وتعين شعوب المنطقة سواء في محيطها الجواري، أو في عمقها الاستراتيجي والجزائر تدرك ذلك وتريده، فهي ليست بعيدة عن تركيا من حيث الامكانيات والاستعداد ومن ثم تأتي اهمية الزيارات المتتالية بين قادة البلدين خاصة أنهما يشتركان في روية الحل للمشكلات الأمنية في المنطقة، وتفضيل المقاربات السياسي.

إننا كمواطنين نرحب برئيس تركيا السيد أردوغان باسم التاريخ وباسم الاستراتيجية وباسم القيم التي طبع بها تركيا، وأن الجزائر بحاجة إلى أن تحتك بالناجحين، ولننظر لرئيس دبلوماسيتهم السابق ورئيس الوزراء الحالي داود أوغلو كيف يقدر الرجال حينما قال: “من غير الممكن أن أزور الجزائر ولا ألتقى بالرئيس بوتفليقة لكونه رجل يجب أن نستفيد من خبرته وتجربته ونموذج يجب ايضا أن يهتدى به في المنطقة وفي العالم”، إن من لا تاريخ له لا مستقبل له، والإحالة على الجغرافيا كما تريد أوروبا خدعة مكشوفة.

اترك تعليقًا