الجزائريون وقرار التقسيم .. يقلم الأستاذ عبد الحميد بن سالم

 

” الجزائريون وقرار التقسيم ” – “عبد الحميد بن سالم”

 

 

لم تمر نكبة قرار تقسيم فلسطين على الجزائريين بأقل من نكبتهم بالإستدمار الفرنسي الذي كان يجثم على أرضهم ، بل زادت المحنة وتضاعفت حين كانت الأ رض أرض المقدسات ،  التي هي جزء من عقيدتهم وسنة من شعيرة حجهم ، حيث كانوا يعتقدون ” أن من حج ولم يصل في المسجد الأقصى ولم يتبرك برحابه لم يتم مناسك الحج ” وكان الإمام ابن باديس يقول ” رحاب القدس الشريف كرحاب مكة والمدينة ” .

هذا القرار الذي كان التصويت عنه في الأمم المتحدة بمثل هذا اليوم وجاء بصورة عبثية ، أستغلت فيها دولا لا مصلحة لها في الأمر إلا ما أخذته من رشاوي مالية وقطعا من الماس ومعاطف من الفرو لزوجات مندوبيها في الأمم المتحدة ، وبعض التهديدات الاقتصادية ، كهايتي والسلفادور وقواتيمالا.. من أجل بلوغ نصاب الثلثين لتمرير القرار ، وقد أعدته أمريكا وروسيا وحلفائهما بإحكام ، بعدما قامت بريطانيا بالواجب ، وأدت ما عليها في التهجير والتمكين والتسليح للشعب اليهودي في فلسطين ، وبعدما انتقل مركز ثقل اللوبي الصهيوني إلى أمريكا ، الدولة الصاعدة حينذاك ، بعد الحرب العالمية الثانية .

وتحصل اليهود بهذا التقسيم على 55بالمائة من الأراضي الفلسطينية في حين لم يكونوا يتواجدون إلا على 7 بالمائة منها مقابل ما تبقى للفلسطينيين عدا مدينة القدس بنسبة 1بالمائة تحت الرعاية الأممية .

– وجاءت ردة فعل الشعب الفلسطيني والجيوش السبعة العربية والمتطوعين غاضبة وكادت أن تحقق انتصارا ساحقا حتى خذلتهم الخيانة ، وتوقف الزحف واستغل اليهود الظرف وعاثوا في الأرض فسادا وتقتيلا حتى استولوا على أكثر من 77 بالمائة من الأرض وهجروا أكثر من نصف الشعب الفلسطيني وأحدثوا مجازر رهيبة منها مجزرة دير ياسين .

لم يكن يعلم الجزائريون الذين كانوا يراقبون الأحداث عن كثب و انتفضوا وشكلوا حينها ” لجنة الدفاع عن فلسطين ” برئاسة الطيبي العقبي ، والدعوات التي أطلقها الشيخ الفضيل الورثلاني للجزائريين في الداخل والمهجر من أجل تلبية نداء الجهاد في فلسطين ، والإنتفاضة التي قام بها الشيخ البشير الإبراهيمي والقائد فرحات عباس والشيخ ابراهيم بيوض وأسسوا ” الهيئة العليا لإغاثة فلسطين ” وجهزوا 100 مجاهد وجمعوا 9 آلاف فرنك فرنسي ، وقام الشيخ البشير ببيع مكتبته كاملة من أجل تجهيز المتطوعين . وكذا الحملات التي أطلقها مصالي الحاج ، ومن بينها حملة ” ثلاث أيام في الجزائر لفلسطين الشهداء” ونشط فيها الشاعر مفدي زكرياء .

واتجه المتطوعون الجزائريون مشيا على الأقدام الى فلسطين في مغامرات وهم يتخفون عن طائرات القوات الفرنسية والبريطانية ، حتى مات بعضهم من الجوع فنالوا الشهادة ، وأكمل بعضهم الطريق حافيا ووصل الكثير منهم إلى جبهات القتال ، وقدموا أروع التضحيات والبطولات ، وأحدثت الجيوش العربية زحفا بفضل بسالة المتطوعين خصوصا، ومنهم متطوعي جماعة الإخوان المسلمين ، وحققوا انتصارا في البداية أرعب العدو الصهيوني ، وكادت الولايات المتحدة أن تتراجع عن قرارها .

لكن الكل لم يكن يعلم بأن هذه الجيوش كانت لها تعليمات ألا تتجاوز حدود التقسيم الذي رسمته الأمم المتحدة ، فتراجعت وقبلت بقرار وقف إطلاق النار ، فكانت الحلقة الأولى في سلسلة الخيانات العربية للقضية الفلسطينية .

هؤلاء العرب الذين لم يكن يسمح لهم بصناعة السلاح ولا الذخيرة ، بل كانوا يشتغلون على نزع السلاح للفلسطينيين ، مقابل الإمداد الكبير لليهود بالسلاح وخاصة من المعسكر الشيوعي كتشكسلوفاكيا ، وقد مدتهم بريطانيا بالسلاح وحتى مصانع الأسلحة قبل خروجها من فلسطين  .

ويذكر التاريخ عن بطولات الجزائريين في توريد الأسلحة إلى جبهات القتال ، وأثناء الإعلان عن توقيف الحرب ، وكانت للبنان شحنة من الأسلحة مكدسة في مطار مرسيليا ، ورفضت نقابة الميناء  شحنها بضغط من اللوبي الصهيوني ، حتى تدخل العمال الجزائريون ورفعوا السكاكين في وجوههم ، وقاموا بشحن الأسلحة كاملة وانطلقت السفينة بسلام قبل بداية تنفيذ وقف إطلاق النار. وكان من بين الجزائريين بشير بومعزة رئيس مجلس الأمة السابق .

وهكذا توارث الجزائريون حب فلسطين والدفاع عنها ، ولا يقل شأن من تأخر عن نصرتها ، شأن من تخلى عن جهاد فرنسا ، وبقي إلى اليوم في مزبلة التاريخ . ولم يفرق الجزائريون يوما بين الجهاد في الجزائر والجها في فلسطين ، وبقيت القدس في نظرهم عقيدة يقرؤونها في قرآنهم ، وطينا ورثوه عن أجدادهم أبي مدين الغوث في باب المغاربة وقرية عين كارم . ولم يوحد الجزائريين شيئا كثورة التحرير ونصرة فلسطين . فهي الأرض والعرض والعقيدة والطين . وسيأتي اليوم الذي يمتد فيه حج الجزائريين من مكة الى المدينة الى القدس الشريف كي يكملوا منسكهم الضائع ويتموا حجهم المبرور بإذن الله

اترك تعليقًا