هتولي رجل

العنوان قد يبعث الدهشة للقاري للوهلة  الأولى و لكنه يحمل في طياته أسرار العظمة  و دلائل النهوض  لمن يبحث عن مصنع الرجولة فمن منا لا يحلم  أن يكون رجلا  لأن كلمة رجل لها من القدسية حيث خصها الله في القرآن الكريم ذكرا خمسين مرة  ليقرر أن تخصيص الذكر له من المكانة الكبيرة يتبوأها الانسان هذه المنزلة إذا ما ركب  لباس الرجولة ذكرا كان أو أنتى حيت قال جل شانه في القرآن الكريم    ”  مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ”   الأحزاب : 23

 

و أن أولى من يتصف بهذه الصفة تخصيصا الدعاة لعظمة المهمة التي أوكلت لهم لأن من صفات الرجولة طهارة الروح و علو الهمة و رفعة النفس بكسر شهوة النفس الأمارة بالسوء فتصبح النفس و الجسد طيعة للغاية التي أوكلت من أجلها بعدما تأخذ هذه التزكية و هذه الإجازة من المدرسة التي يتخرج منها أمثال هؤلاء  ﴿لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾. [التوبة: 108 .لهذا عد المسجد مكان تخريج الدعاة و رجال الدعوة .

 

 

 

و من صفات الرجولة تعلق أصحابها بالآخرة فيعتبرون الدنيا طريقا للآخرة و محطة انطلاق فلا تلهيهم زخارفها فهم يعدون كل وسيلة فيها سبيلا موصلا للغاية الكبيرة الله غايتنا   

 

 ﴿رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ [النور:37  فالمال و الولد و التجارة و المراكز و المواقع و المغانم و الرتب و النياشين كلها عروض قد تباع لله عن رضا وعن طواعية  طلبا للنجاة و للسعادة الدائمة .

 

 

 

و من صفات الرجولة تبليغ رسالة الأنبياء و تحمل مشاق الطريق و مناصرة أصحاب الدعوات ساعات عزوف الجماهير و قلة النصير و حين تكيل الأراجيف لأصحاب الدعوات  فيخرج الرجال يرفعون الراية استكمالا للمسير لأن  مشوار الدعاة طريقه طويلة محفوفة بالمكاره  و مسالكه وعرة لا يتحملها أشباه الرجال و لو بالنصيحة     لدرء الخطر وبذل النصيحة:كما فعل هذا الرجل الذي ارتفع شأنه بسرعة تحركه حماية لرسول الله موسى عليه السلام  ﴿وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ [القصص : 2

 

و من الصفات الرجولة قوة تحمل الرجل للشدائد و للظروف الصعبة التي قد تمر بها الدعوة من المحن التي قد تعرض دون سابق إنذار و دون طلب و لأن  الرجل دوما على استعداد لمواجهة هذه المواقف و قد ظهرت هذه المعادن عند الاختبار و قد ذاقها شعب الجزائر إبان الإستضمار الفرنسي  فظهرت طينة الرجال من أمثال العربي بن المهيدي و أحمد زبانة و غيرهم الكثير كما ظهر هذا المعدن في رجال الدعوة المعاصرين من أمثال سيد قطب و عبد القادر عودة و أحمد يسين شيخ المجاهدين فكانوا رجالا  و نعم الرجال .

 

 

 

و من صفات الرجولة لزوم الثبات على الطريق فيظل الرجل ثابتا على عهده مهم بعدت المسافة و مهم عز النصير يوفي الحقوق و يصون العهد و يرعى الوداد  يقول الإمام البنا : ( وأريد بالثبات : أن يظل الأخ عاملاً مجاهدًا في سبيل غايته مهما بعدت المدة وتطاولت السنوات والأعوام ، حتى يلقى الله على ذلك وقد فاز بإحدى الحسنيين ، فإما الغاية وإما الشهادة في النهاية ، ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ﴾  الأحزاب:23

 

 

 

هناك حاجة ماسة لأمثال هؤلاء لتعود  للأمة ريادتها  و تعود للأمة نخوتها و تعود للأمة خلافتها و لتعود للأمة سيادتها و يعود للأمة قدسها فالأمل معقود لأمثال هؤلاء الرجال . و هؤلاء المعدن من الرجال موجود في زمن قل فيه الرجال .فنقول لصاحب المقولة المخلدة ” هتولي رجل  ”  أنت رجل يا شيخ محمود  شعبان   و آخر ما أختم به مقالي

هذه الكلمات لإمام الدعاة محمد الغزالي ” المتاعب والآلام هي التربة التي تنبت فيها بذور الرجولة ، وما تفتقت مواهب العظماء إلا وسط ركام المشقات والجهود. ”  –

 

 

حشاني زغيدي

اترك تعليقًا