وقفة تأمل مع القرآن الكريم .. بقلم الشيخ طاهر زيشي

وقفة تأمل مع القرآن الكريم
كتب الشيخ طاهر زيشي
 
 
1- من دعا الى القرآن هُدي
 روى أبو داود مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” كتاب الله فيه خبر ما قبلكم ونبأ ما بعدكم وحكم ما بينكم ، هو الفصل ليس بالهزل ، هو الذي لا تزيغ به الأهواء ، ولا يشبع منه العلماء ، ولا يخلق عن كثرة رد ، ولا تنقضي عجائبه ، هو الذي من تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله ، هو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم ، وهو الصراط المستقيم ، هو الذي من عمل به أجر ، ومن حكم به عدل ، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم . أو كما قالصلى الله عليه وسلم
إن القرآن الكريم الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو آخر الكتب التي أنزلها الله تعالى للبشرية جمعاء  بعد فراغ دام دهرا من الزمان, وهو آخر كتاب الذي استكمل به الله سلسلة الكتب السماوية فهو خاتمها بخاتم الأنبياء والمرسلين.
القرآن الكريم كتاب جاء ليربط الأرض بالسماء من جديد بعد انفصالها وابتعادها ومن ثم  انحرافها .
كتاب جاء لينتشل الإنسانية الضالة في غيها والمنغمسة في شهواتها  وآثامها من جاذبية الأرض  وزينتها إلى جاذبية السماء الفسيحة بأنوارها. وإعادة وضعها في فلك دورانها أي  العودة بها إلى سواء السبيل والسمو بها إلى ملكوت السموات ورحابتها
القرآن الكريم جا لينظم من جديد العلاقة بين الإنسان وبين خالقه وبين الإنسان ونظيره الإنسان وبين الإنسان ومخلوقاته وبين الإنسان وبيئته .
القرآن الكريم كتاب شامل يتناول جميع مناحي الحياة البشرية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا لإسعادها في الدنيا قبل الآخرة
 
2-القرآن اسس للعدالة وحقوق الانسان
 
القرآن الكريم كتاب جاء لإرساء منظومة عدلية  مبني على كمال العدالة
القرآن الكريم كتاب جاء لإرساء أسس لبناء مجتمع تسوده العدالة الاجتماعية من خلال نظام اجتماعي مبني على منظومة  اجتماعية متكاملة عمادها ركن من أركان الإسلام وهو ركن  الزكاة الفيصل بين الكفر والإيمان, يراعي بالأساس الفئة الهشة من المجتمع, و هو حق مقدس يؤخذ من الأغنياء ويرد على الفقراء .
 حق يحفظ على كرامة الإنسان وعزته ويقضي على الضغينة و ما صاحبها  من أمراض قلبية , ويقضي كذلك على الإقصاء والتهميش والحفاظ على النسيج الاجتماعي بعدم تمزقه,  وعناصر  أخرى ضمن المنظومة المتكاملة  لا تقل شئنا كالصدقات  التي حث عليها القرآن الكريم والتبرعات والأوقاف كمؤسسات خدمية  و التي يتحقق من خلالها استتاب الأمن ومن ثم الاستقرار بأبعادها الاقتصادية و الاجتماعية والتماسك الاجتماعي  وتقوية الأمن القومي .
القرآن الكريم هو الكتاب السماوي الوحيد الذي يتضمن صراحة ذم التمييز العنصري بمفهوميه القديم والحديث.
القرآن الكريم هو الكتاب السماوي الوحيد الذي شرع لأتباعه التعبد بتحرير الرقاب (الرقيق) بجعلها كفارة للمخالفات الشرعية
القرآن الكتاب الوحيد الذي منح للعب (الرقيق)د تحرير نفسه من مولاه بصيغة تفاهمية, و القرآن الكريم ذهب أبعد من ذلك حيث خصص ضربا من الزكاة يدفعها ولي الأمر لتحريره .
. هذا التشريع الإسلامي النابع من القرآن الكريم  تبنته الأمم المتحدة في إعلان العالمي لحقوق الإنسان بتاريخ 10/12/1948بعد أربعة عشر قرنا من نزول القرآن, حتى الإعلان الفرنسي (حقوق الإنسان والمواطنة) المعلن عنه في سنة  1789 مبني أساسا على المبادئ الإسلامية.
والقرآن الكريم بين في ثناياه أن الإنسان أخ الإنسان .
القرآن الكريم الكتاب السماوي الوحيد الذي تضمن حقوق المشركين بمنحهم الآمان وضمان إرجاعهم إلى مأمنهم( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون
 
3-القرآن منهج الاصلاح
 
القرآن الكريم جاء للخلود لإصلاح الوجود بخير الموجود حتى نلقى من أوجد الجود وسيجود بالجود على من اتبع خبر الموجود
إن القرآن الكريم كتاب جامع جمع الله فيه أصول الشرائع وأسس المصالح الاجتماعية وكليات الشرائع الدنيوية ,وفيه الأوامر والنواهي, وفيه قصص الأمم السالفة الغابرة , لم يقصصها القرآن الكريم علينا اعتباطا ولا للتسلية, بل قصها علينا للتأمل فيها  والغوص في أعماقها لاستخلاص الدروس والعبر وتوظيفها عند الحاجة لتجنب الوقوع فيما وقعت فيه من مخالفات وآثام فاستجلبت بذلك لنفسها سخط الله وعذابه في الدنيا والآخرة.
 والقصص تحذير وموعظة’ (  أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ).
 والقصص تاريخ الأمم والشعوب وذاكرتهما وتراث الإنسانية,يرجع  إليه عند الحاجة للإستشهاذ به والتفاخر به .
 والتاريخ مدرسة مفتوحة فيه فوائد جمة نأخذ منه ما يفيدنا في ديننا ودنيانا وآخرتنا .
والتاريخ كما قال ابن خلدون :اعلم أن فن التاريخ فن عزيز المذهب جم الفوائد شريف الغاية إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم والأنبياء في سيرهم والملوك في دولهم وسياستهم تتم فائدة الإقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا.
التاريخ مخبر كبير فيه التجارب الناجحة وفيه التجارب الفاشلة للأمم والشعوب, فيقلص المسافة ويختصر الزمان لتجنب استنساخ التجارب الفاشلة, والتاريخ موطن الحكمة والحكمة ضالة المؤمن.
 
4- اين القرآن في حياة الامة الاسلامية ؟
 
هل عمل المسلمون بما في القرآن الكريم فاعتقدوا وأيقنوا بما ذكر الله من المعتقدات وفهموا ما أوضح لهم من الغايات؟
هل طبقوا شرائعه الاجتماعية والحيوية على سلوكاتهم في التعامل  فيما بينهم ومع محيطهم وعلى تصرفاتهم في شؤون حياتهم ؟
هل استفادوا من قراءة القصص والتاريخ؟
تكاد هذه المجموعة من الأسئلة وهي بمثابة . بحث تخطر ببال  كل واحد منا من خلال ما يعيشه المرء في محيطه القريب (عائلته وأقاربه, وما يشاهده في محيطه المتوسط –أي  حيه وبلديته) وفي احتكاكه مع محيطه البعيد عن طريق الإعلام المكتوب والمسموع والمرئي  ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي’ هذه العناصر مجتمعة لها تأثير عميق و تصنع له رأيا و تشكل لديه قناعة يصعب تجاوزهما وتدفعانه لإصدار أحكام مسبقة معلبة على المجتمع,و ستتكشف لماحالة هذه المجموعة من الأسئلة عن بعد المسلمين عن سبيل القرآن الكريم وإهمالهم لتعاليمه و أوامره .
 فاعلم يا أخي الكريم أن مهمتك  في هذه الحالة ليس إ إصدار أحكام مسبقة على الناس, وإنما مهمتك هو العودة بنفسك و بأهلك وبمن اتبعك إلى دلك السبيل ,( أي سبيل القرآن الكريم )– لقوله تعالى :  يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ
 وسبيل القرآن الكريم هو الصراط المستقيم كما جاء في الحديث والذي أمر الله به تبارك وتعالى بإتباعه لقوله تعالى: وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
وتلك هي المرحلة الأولى من مهمة كل واحد منا والتي نحن مطالبون بتحقيقها على أرض الواقع.
 
5-القرآن صنف الناس اقساما
 
إن القرآن الكريم حدد غايات الحياة وبين مقاصد الناس فيها وسنأخذ عينات من القرآن الكريم تبين ذلك
فبين القرآن الكريم أن قوما  همهم في الحياة الأكل والمتعة فقال الله في حقهم : وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ
الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً  
 وتلك مقاصد الناس في الحياة.
القرآن الكريم نزه المؤمنين عنها وبرأهم منها وكلفهم مهمة أرقى وألقى على عاتقهم واجبا أسمى وذلك الواجب هو هداية البشر إلى الحق وإرشاد الناس جميعا إلى الخير وإنارة العالم بشمس الإسلام وتلك هي المرحلة الثانية من مهمتنا التي بينها القرآن الكريم في أواخر سورة الحج في قوله:.  ياأيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ( 77 ) وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير
والجهاد في سبيل الله ليس محصورا في جانب قتال للأعداء فقط ولكن يتعدى ذلك إلى جهاد النفس وجهاد الشر وجهاد الفساد  بكل أنواعه.  
إن الله اختار هذه الأمة وانتدبها لهذه الأمانة الضخمة ’ اختارنا لها  واجتبانا من بين عباده , وإن تبعات  هذا الاجتباء لضخم
ولا يجعل لنا مجالا للتخلي عن هذه الأمانة ’ وإنه لإكرام لنا من الله تبارك وتعالى ينبغي أن نقابله بالشكر والأداء على أحسن وجه
وتلك غاية المؤمنين في القرآن
6- العلاقة بالقرآن عمل واصلاح
ومعنى هذا أن القرآن الكريم لا يقيم المسلمين أوصياء على البشرية بل يحملهم واجب الريادة على الدنيا للقيام بهذه المهمة وخدمة هذه الوصايا التي تتطلب لخدمتها وانجازها من كل واحد منا العمل الدؤوب والمثابرة والتضحية العزيزة ,لأن مهمة المؤمن خدمة هذه الوصايا  وهي تضحية لا استفاده .
وبين الله تعالى في القرآن الكريم أن المؤمن في سبيل هده الغاية و خدمة هذه الوصايا قد باع لله نفسه و ماله فليس له فيها من شيء وإنما هي وقف على خدمة هده الوصايا إنجاحا الدعوة وأهدافها وإيصالها إلى قلوب الناس وذلك في قوله تعالى :إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم
وبموجب هذه الصفقة المبرمة مع الله والتي تستوجب منا جميعا الوفاء بجميع بنودها  ترى المسلم يجعل دنياه وقفا على دعوته ليكسب آخرته جزاء وفاءه , وتتحقق بذلك الشهادة على الناس ( لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا 
والغاية  لدعوتنا هي الغاية الرئيسية لمشروع نهضتنا ,فغايتنا إذن عبادة الخالق تعالى بهداية البشر إلى الحق وإرشاد الناس جميعا إلى الخير وإنارة العالم بنور الإسلام, لأن دعوتنا دعوة إنسانية عالمية تصلح لكل زمان ومكان حتى يرث الله الأرض ومن عليها ,لأن رسالتنا خاتمة الرسالات.
وقد اختصر القرآن الكريم لنا هذه المعاني في مفهوم  الهداية  لما هو أصلح وأفضل فقال: . إنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ” ولا يوجد منهج في الحياة أقوم من منهج القرآن الذي يجب أن يكون محل اعتزازنا ومفاخرتنا لكل الدنيا ودعوتها لتسعد بمنهج القرآن المنهج الاصلاحي الذي تتجلى فيه الرحم للعالمين

 

اترك تعليقًا