الغرس الطيب في ذكرى استشهاد الشيخ احمد ياسين

الغرس الطيب

بقلم : عبد الحميد بن سالم  رئيس لجنة فلسطين

 (في ذكر استشهاد الشيخ أحمد ياسين)

مضت معركة العصف المأكول واختفى أبطالها في صمت ودون ضجيج أو سؤال عما اقترفوه من بطولات أسطورية ،وعن تفاصيل المعارك التي خاضوها بشجاعة نادرة ، لم نر وجوههم ولم نعرف أسماءهم ، عدا صورة ملثمة لناطقهم الرسمي أبو عبيدة وصوت لقائدهم البطل الفذ محمد الضيف ، ولم يظهروا على صفحات الجرائد والمجلات ولم يستعرضوا بطولاتهم على الشاشات ، لم يستقبلوا في المطارات  ولا في المحافل الدولية من طرف الملايين من أحرار العالم الذين كانوا يتابعون ملحمتهم الأسطورية ، ولم يكرموا ولم يرقوا ولم تعلق على صدورهم النياشين .

ولو كانت المعركة على غير أرض فلسطين ، ولو كانت الهزيمة على غير الجيش الإسرائيلي ، ولو كانوا من جيش آخر غير جيش القسام لأقيمت لهم المليونيات في كبرى عواصم العالم ، ولصنعت لهم التماثيل في ميادين الثورة والحرية . ولأخرجت لهم الأفلام العالمية القوية ، وألفت عليهم الكتب ، ولكانوا مرجعا أساسيا في المدارس العسكرية .

ولكنهم رجعوا إلى خنادقهم وأنفاقهم والتي هدم جزء كبير منها ومازالوا في حاجة إلى تطويرها وتمديدها ، ورجعوا إلى محاريبهم التي فيها زادهم ، والى تمراتهم وهم يدركون ان الحصار سيطول بهم . والى ثكناتهم يدربون أشبال الثورة ليواصلوا المسيرة على نهج من حملهم الراية أول مرة ، ودفع بهم إلى ساحة الانتفاضة .

ورجعوا إلى نهجهم القويم الذي سطره لهم القائد الشهيد أحمد ياسين صاحب الغرس الطيب ، تمر علينا ذكراه في مثل هذا اليوم ، والذي اختار لهم المنهج الشامل ، فتشبعوا بركن الفهم وعرفوا المهمة والواجب و طبيعة الطريق ، وذاقوا حلاوة الإخلاص فزهدوا في النياشين والألقاب ، وأدركوا قيمة العمل ولذة الجهاد والتضحية . وعاشوا على سنن خمس : الجندية والبساطة والصلاة والتلاوة والذكر .

وأدرك هؤلاء أنهم ليسوا بصدد تحرير ارض مغتصبة فحسب، وإنما هم يخوضون حرب عقيدة يقوم على إثرها دين الله في الأرض  ويأتي بعدها قيام الساعة .( لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلم اليهودي ….) . وإنهم لا يستردون الأرض لمساكنهم وحياتهم ، وإنما هو استرداد لوقف الأمة نيابة عن الأمة ، ولا يحررون القدس والمقدسات لأنفسهم وإنما هو لله  و بأمر الله .

ويدركون أنها معركة ممتدة لأجيال يقومون بإعدادهم ،  كما وصلت إليهم عبر أجيال ، بدأها عز الدين القسام ضد فرنسا في سورية ثم ضد الإنجليز وعصابات الصهاينة المهاجرين إلى أرض فلسطين بعد أن استنفد من كان قبله الحلول السلمية والثورات الشعبية والمؤتمرات المطالبة بالحقوق ، ليتأكد مبدأ المقاومة والجهاد ، واستشهد القسام بعد شهر فقط من بدأ العمل المسلح ، ليخلفه فرحان السعدي ويعلق على المشانق  في رمضان وهو صائم وقد تجاوز عمره الثمانين . ثم سارت على هذا النهج كتائب الإخوان الذين وصلوا إلى مشارف القدس ، وضربوا أروع البطولات لكن خذلتهم الخيانات العربية ،واستشهد الشيخ حسن البنا برصاص الغدر واعتقل المجاهدون بعد عودتهم من أرض المعركة .

ثم كان التأسيس للجهاد المقدس على يد الشيخ أحمد ياسين والذي تبرك بشيخ المجاهدين عز الدين القسام صاحب الشرارة الأولى وسمى كتائب القسام على اسمه ، ونهل من منبع الإخوان بشموله وربانيته وعالميته . فأخرج لنا النموذج الذي ذكرنا في أول الحديث وكان الغرس طيبا .فصاروا عنوانا كبيرا أقظ مضاجع الدول الاستعمارية القديمة الحليفة الدائمة للكيان الصهيوني ، وأفسد خططها في التمكين لدولة بني إسرائيل ، وأرعب الجيش الصهيوني (الذي لا يقهر ) فحولوه إلى المصحات النفسية بعد معركة العصف المأكول ، وأفسد على الخونة والعملاء حياتهم ونغص عليهم عيشتهم فهي كظيم . وأدخل الأمل لأحرار العالم في زوال هذا الظلم ،  وفي الأمة الإسلامية بقرب استرداد حريتها وكرامتها ومقدساتها وسيادتها على العالم . وتحقق وعد الله  سبحانه وتعالى  ( ولما رأى المؤمنون الأحزاب ، قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وماز ادهم إلا إيمانا وتسليما ) . الأحزاب 22

اترك تعليقًا