حركة البناء الوطني
كلمة رئيس الحركة الشيخ مصطفى بلمهدي
في جلسة افتتاح المجلس الوطني في دورته التاسيسية
السبت 28 مارس 2015 بنادي المجاهد الجزائر العاصمة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أيها الحضور الكريم السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
ونرحب بكم في هذا الإجتماع التأسيسي للمجلس الوطني لحركة البناء الوطني و الذي نعتبره الفضاء المؤسساتي الاوسع لحركة البناء الوطني لما يضم من التمثيل الهيكلي و الفئوي و اهل الاختصاص على المستوى الوطني والمحلي.
ان المجلس الوطني هو مؤسسة سياسية في الحركة، تقوم على المدارسة الواسعة والعميقة لملفات البلاد الكبرى، وتوجيه الحركة ومختلف مؤسساتها بما يؤطر حراكها السياسي والإقتصادي والإجتماعي، ويحدد أولوياتها الإستراتجية، وإهتماماتها في خدمة النفع العام الوطني للأمة والقضايا الإنسانية.
نحب أن نصارحكم ونصارح أنفسنا بأن اهتمامات الطبقة السياسية سلطة ومعارضة، يجب أن ترقى إلى مستوى هذا الوطن الغالي، وان تخرج من المراوحة التي لم تجر علينا الا تفويت الفرص، وربما ستصل بنا الى ان نعض يوما ما اصابع الندم -لا قدر الله- لاننا لم نقدر الجزائر حق قدرها، وهي التي رفع الله من شأنها.
أولا : بملايين الشهداء الذين ضحوا من اجل الوطن ولم تتوقف مسيرتهم من اجل حريته و فك استقلاله أكثر من قرن.
ثانيا : بعظمة الشعب الجزائري الذي كان في الموعد بإستمرار رجالا ونساء، صغارا وكبارا، نخبا وعامة يجمعهم حب الجزائر و التمسك بالثوابت ويضربون المثل في العزة والكرامة رغم ما اعتراهم من أذى مسهم من الغريب والقريب.
ثالثا: بثروة هذا الوطن و تنوعها التي لا تنتهي رغم أعمال النهب والفساد، و السفاهة والتبذير، التي مستها سواء على مستوى ثروات الباطن أو على مستوى الفلاحة، التي دمر أراضيها الإسمنت، أوعلى مستوى ماحبى الله الوطن من الطاقات البديلة، والتي لاتحب السلطة ان ترى منها الا الغاز الصخري و تغض بصرها و بصيرتها عن الشمس في رابعة النهار.
رابعا: بالجغرافيا الواسعة التي حركت الاطماع، حيث أصبحت الجزائر اكبر دولة في افريقيا بعد تقسيم السودان –اعاد الله وحدته-والدولة التي تجمع فصول السنة الاربعة، وتمتد شواطئها على اوسع نطاق، وصحرائها الغنية وجوارها الكبير، وبناها التحتية القادرة على ضمان الإقلاع.
خامسا: بقيمها العظيمة، وتاريخها المجيد، وعلى رأسها الإسلام الذي وحد مكوناتها، وجمع شتاتها، والعربية التي كانت بإستمرار لغة الجزائريين، وعامل الإرتباط بينهم، والعربية ليست جنسا وإنما لغة القرآن و وعائه فمن يتكلم العربية فهو عربي كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ان اجتماعنا اليوم، ينعقد في ظروف خاصة على المستوى الدولي والاقليمي والوطني
فعلى المستوى الدولي، لا نزال نشهد حالة من الاصطفاف الدولي، الذي بدأ مع مسيرة فرنسا التي أرادت التأسيس لحرب على الأمة الاسلامية، وقيم الدين الحنيف، ومحاولة ربطه بالارهاب، الذي ظل لاكثر من عشرين سنة، يقاد من افغانستان التي كانت مسرحا للحرب بالوكالة على الشرق الاسلامي كله، وبأيدي أبنائه الذين جروا الى افغانستان، في مسار أجندات أمريكية، استهدفت التفرد بالهيمنة على العالم كله تقوده بالعولمة.
و اما على المستوى الاقليمي، لا نزال نعيش الهزات الارتدادية للربيع العربي، الذي قلب موازين المنطقة بإرادة الشعوب، ولا تزال الثورات المضادة للربيع العربي، التي تحاول ان تعيد ترتيب المنطقة باتجاه استنساخ الأنظمة القديمة بتواطىء دولي وعربي، تنكر لقيم الدمقراطية والحريات، وكان هذا سبب في نقصان الشرعية، وضعف الدولة الوطنية، الذي أدى الى بيع الثروات وتمرير ملفات مشبوهة ومرفوضة في مجتمعنا المتميز بأعرافه وقيمه.
و اما على المستوى الوطني نعيش حالة اللا استقرار، ونتابع كل يوم اخبار الاحتجاج والقلق والتوتر، ونشعر بان المواطن يعيش وكرامته مرهونة، ومواقفه كلها متهمة، وهو مالا ينسجم مع وعود السلطة، ووعود الاحزاب الحاكمة، التي تتحمل مسؤولية الانهيارات العديدة في البلاد، وخاصة ما تعلق بالتفكك الحاصل في النسيج الاجتماعي، وتهميش راي المواطنين في الملفات الهامة، في ظل التهديدات الخارجية التي تحيط بالبلاد من كل جهة، وخاصة السلاح والمخدرات، والتدخل الاجنبي في القرار الوطني.
اننا اذ نعقد هذا ااجتماع اليوم فانما نؤسس لمؤسسة نضعها في خدمة الجزائر و شعبها.
أولا: وفاء للشهداء، واستكمالا لمسار المجاهدين، وحماية لمنهجية الحركة الوطنية، واحلامها في بناء جزائر ديمقراطية اجتماعية في اطار المبادئ الاسلامية، تؤطرها طبقة سياسية حقيقية وفية صادقة مخلصة، تتجاوز محترفي السياسة، طامحة الى ايجاد جيل النضال الحقيقي قوي فتي ذكي، الذي ينبثق من المجتمع المفيد وليس المجتمع المدني المستفيد.
ثانيا: وتلبية لاحتياجات جيل الاستقلال، والشعب الحي الذي يتطلع كل يوم الى تحقيق احلامه في التطور والرقي، والعصرنة والتحكم في الوسائل التقنية، التي تضعه في مصاف الشباب العالمي، ومستوى العمل المؤسساتي، الذي لا تتكرر معه اخطاء العقود الثلاثة الاخيرة، بعد انحسار مرحلة الاحادية، التي حكمت الجزائر خمس عشرة سنة.
ثالثا: تجسيدا لروح الانفتاح والحوا ر، التي اسس لها الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله، ورعاها من خلال تجربة المشاركة، والتواصل مع المكونات المختلفة للساحة الوطنية، منذ خروجه من السجن عام 1980، بعد تجربته القاسية مع الاستبداد والاحادية، التي فرضت علينا جميعا انماطا من الاقتصاد والحكم، لا تتلاءم مع واقعنا و ثوابتنا، ولكن فرضتها علينا طبيعة التحالفات الدولية، وانخراط الجزائر في حلف الاشتراكيين، رغم انها والعديد من الدول، كانت تدّعي ظاهريا عدم الانحياز.
رابعا: تاكيدا على ان الاحزاب السياسية، يجب ان يكون لها فضاءات لتقوي المبادرة، والاقتراح في الشان العام، والاضطلاع بهموم المواطن ومشاركته في قضاياه الاساسية بشكل علمي وعملي، وتشاور واسع، وحوار جاد، يستطيع تطوير البدائل، وترقية البرامج،لان الطبقة السياسية مطلوب منها اليوم، ان تكون جاهزة لادارة الحكم علميا وتقنيا، وبقوى المجتمع كلها، لانه وليس بكوادر الاحزاب فقط تسير الدولة، وتنجح التنمية.
ان حركة البناء الوطني قامت على اساس كبير هو بناء الانسان ضمان التنمية، وسنظل متمسكين بهذا المبدا، لان الذي لا يبني لن يستطيع الصمود امام عواصف الواقع واكراهاته ، وبناء الانسان انما يتمثل في
أولا: بناء منظومتنا الوطنية المتكاملة، انطلاقا من المنظومة التربوية اولا ومنظومة العلاقات ثانيا، ومنظومة العدالة ثالثا، ومنظومة الحريات رابعا، وهي المنظومات التي تكون البيئة الحاضنة، لنجاح الفعل السياسي، والفعل الاجتماعي، والبناء الاقتصادي، القادر على التحرر من التبعية للمحروقات، وتنويع الاقتصاد بتنوع مكونات هذا الوطن، والاسواق المتاحة امامه.
ثانيا: بناء الحكم الراشد الذي يقوم على ثقافة الدولة، تسيره المؤسسات وليس الاشخاص، وتحكمه القوانين وليس الاهواء والامزجة، وتشترك فيه كوادر الجزائر بعيدا عن الجهوية والمحسوبية، وتتجسد فيه الديمقراطية الراشدة، وينتهي فيه عهد البيروقراطية القبيحة المعطلة.
ثالثا: بناء المال الصالح الذي تعول عليه الجزائر في ضمان المستقبل، المال الذي يكون في ايدي الجزائريين وليس في قلوبهم.
المال الصالح الذي لا يخضع لمنظومة الربا و اخواتها التي آن الاوان للخروج من قيودها الى رحابة الحلال الواسعة.
المال الصالح الذي ترتفع فيه قيمة الدينار، ويرتبط بالعملات الكبرى، لأن الدينار رمز السيادة لا يليق بنا ان نتفرج عليه وهو ينهار يوميا، ولا نحرك ساكنا.
المال الصالح الذي يبقى في حدود الفعل الاقتصادي فلا يعتدي على الفعل السياسي، لان مؤسساتنا السياسية اصبحت اليوم رهينة الشركات، ورجال المال والاعمال، وهذا امر لا يستقيم، لان التحكم في الديمقراطية من ادراج البنوك يزيل عنها شرف الفعل السياسي، وحرية الاختيار والتعبير، والرقابة والتصحيح.
واما قصدنا بضمان التنمية، فهو الخروج من التنمية المؤقتة، الى التنمية المستدامة، فعلا لا قولا، والخروج من المواطنة المقهورة الى المواطنة الفاعلة، والمواطن الشريك، وبذلك نضمن الاستمرارية في الدولة مهما تغير النظام، اوالاشخاص او السلطة، لان السلط تزول بزوال الرجال، واما الدول فهي مؤسسات الامة، التي لا تزول بزوال الرجال والاحزاب، او قطرات البترول المستخرجة من آبار الطاقة، لان طاقة التنمية هي الانسان، والعلم والرشاد الاقتصادي.
1. والتنمية التي نريد لها الحياة والاستمرار، هي تنمية لا تتنكر للتاريخ والثوابت، لانها ليست مادة جامدة، ورؤية مصلحية.
2. تنمية لا تتنكر للمغرب العربي الذي كان سندنا في الثورة، ويجب ان يبقى سندنا في التنمية.
3. تنمية لا تتنكر للامة العربية و الاسلامية التي هي فضاءنا الواسع، ومجال تبادلاتنا الشاملة.
4. تنمية لا تتنكر لافريقيا التي استثمرت فيها الثورة الجزائرية ايام التحرير، ولا يصح ان نتركها لغيرنا ايام البناء.
5. تنمية لا تتنكر للشباب، ولا تحشر آمالهم في قروض الاونساج ومخاطرها.
6. تنمية لا تتنكر للمراة وتحرمها من حقوقها في الثروة، وقد كانت شريكة اساسية في الثورة.
7. تنمية لا تتنكر للعلماء والباحثين، الذين هم الحصن العلمي للمستقبل.
8. تنمية لا تتنكر للجالية التي تبقى من اهم القوى الداعمة للوطن بافكارها، وتجاربها، واموالها وخبرتها العالمية.
9. تنمية لا تتنكر للطبقة السياسية، التي هي كنز من البرامج والطاقات، والافكار البناءة والمقترحات فالدولة القوية هي التي ورائها المعارضة القوية.
10. تنمية لا تتنكر للمجتمع المدني الذي يبقى هو الرافعة الحقيقية للمجتمع بمختلف تناقضاته وامكاناته.
11. تنمية لا تتنكر لقضايا الأمة و على رأسها القضية الفلسطينية الأساسية لأنها أم القضايا، في تحريرها كمال سيادة الأمة العربية و الإسلامية.