السعودية والاخوان…من (حالة الندم) إلى (فرص الاستدراك)

لم يتأتى (لعاصفة الحزم) أن تكون في هذا الظرف الحساس من عمر التقارب الايراني – الامريكي لولا الاستغلال الخطير لهذا اللحظة من طرف الحوثيين الحليف الإيراني في اليمن، وإعلانهم المستعجل والمتحمس عن هدفهم في تنظيم موسم الحج في العام القادم إشارة منهم إلى إسقاطهم النظام السعودي الذي فهم الإشارة وتحرك بكل قواه من أجل إنهاء حالة التهديد الايراني الذي بدأت أمواجه تتلاعب بشواطئ آل سعود الذين أخفقوا هذه المرة وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا فاهتزت استراتيجيتهم واضطرتهم الظروف إلى خيارات عسيرة لم يتعودا عليها من قبل، فقد أحسنوا إدارة معاركهم ضد التيار اليساري والالحادي في المنطقة، و ضد الجماعات الطرقية والبدعية، و ضد الشيعة والروافض ، وكانت هذه التسميات كلها أغلفة إعلامية للحقيقة السياسية التي كانت السعودية تدير بها معاركها من خلال تسخير الأموال الضخمة والتعبئة لشباب الصحوة الاسلامية المتحمس في كل الارض ، وقد أدارت أغلب هذه المعارك والحروب في أراضي بعيدة عن جغرافيتها.

ولعل أهم سببين وراء الاخفاق السعودي في ارتباك ترتيب الملف اليمني أمران:

 الأول : أن الظلم ظلمات والظلم الذي أوقعته خطط التويجري ، وهو يقحم المملكة السعودية في معاركه الشخصية والفئوية ضد الإخوان المسلمين ودعم الانقلاب ضدهم في مصر ومحاولة جرهم ليكونوا وقود الحرب في اليمن كل ذلك فتح أمام المملكة السعودية أقبح الاوضاع في التعامل مع ملفات المنطقة لأن عصابة التويجري ومن معه باعت دين المملكة ومبادئها بدنيا عصابات السيسي وصالح وهادي منصور والحوثي.

 الثاني: إن طبيعة خصم يتجسد في دولة تحمل مشروعا مناقضا مذهبيا وسياسيا وتاريخيا وتقنيا للمشروع الوهابية ، كما يستند على مظلومية آل البيت دينيا ويستلهم الحضارة الفارسية تاريخيا، كل هذا الزخم تديره دولة ايران التي تعتبر من أول الديمقراطيات ترتيبا في العالم، وتتمتع بحنكة دبلوماسية صنعت من خلالها حلفاء استراتيجيين مثل الصين وروسيا، وحيدت خصوما تاريخيين كأمريكا و أوربا ،واستخدمت كل أدواتها وفي كل الاتجاهات فلم تجعل لها عدوا دائما بل جعلت سياستها تقوم على استدامة مصالحها التي تحسن قراءتها من خلالها موقع الاخر في الخارطة الجيوسياسية.

 ونعتقد أنه لولا تصريحات أردوغان التي أظهرت أن إيران ستكون محاصرة من خلال ثلاثي المملكة وتركيا والباكستان، وأن الاتراك لن يسمحوا بأي اعتداء على المملكة، لولا ذلك لربما كانت المعادلة في اليمن على غير هذا الوضع، وذلك لأن السعودية قد خسرت كل حلفاءها بشكل مجاني وجنوني، وعليها أن تراجع أصدقاءها من أعدائها جيدا

 إن الصراع (السني – الشيعي) أنما هو نفح أمريكي أوصى به كبار الساسة الامريكيين ، وهناك قابلية كبيرة لإذكاء ناره عند عامة المتعصبين في كل الطوائف، وذلك منذ أمد بعيد وقد جرت بسببه حالات من الاحتراب عبر تاريخ الأمة أعاق نهضتها وأسقط خلافتها الاسلامية وعطل فتوحها في أحرج اللحظات التاريخية، وكان الدم الذي سفكه القرامطة وهم من منتسبي الشيعة شبيه بالدماء السنية التي سفكها المالكي وغيره في العراق اليوم، ولا يمكن أن يتوقف هذا الصراع إلاّ (بقوة إجماعية ) يجسدها اجتماع أهل السنة، والذين تمثل السعودية والاخوان أهم فصائلها الفاعلة، كما ينبغي الترفع في رسم السياسات عن المناورات التي تدفع اليه العصابات الدحلانية والتي تبشر بها الامارات بين الانظمة العربية التي ظهر في بعضها نضج رفيع المستوى مثّله القرار الجزائري الحكيم حين لم يستثن الاخوان المسلمين من الحوار الليبي لأن الجزائر تعرف جيدا اعتدال الاخوان وأهميتهم الاستراتيجية في الامة.

 وإن عموم أهل السنة إذا اجتمعت كلمتهم سيشكلون سورا عظيما تهابه الشيعة وغير الشيعة، والمظنون بأهل السنة العدل حتى عند الشيعة أنفسهم وغيرهم من الطوائف ، فلن أبدا يكون اجتماع أهل السنة موجها لإبادة الشيعة ، بل إن ميزان القوة سيفرض على إيران الدولة ضرورة مراجعة حساباتها وتعديل خياراتها بعيدا عن التعصب المذهبي ، وعموم الشيعة تبع لإيران في ذلك، وستكون معادلات التنافس التنموي والاقتصادي فرص أخرى للاستدراك السني والنفوذ الايجابي الذي يمكن أن يكون عليه المستقبل بتحقيق النصر بلا حرب مثل ما تفعل اليوم الصين في العالم كله.

إن المملكة السعودية تشاهد جيدا التحولات الحاصلة في العالم ، وموقعها في الامة الاسلامية أصبح مهزوزا تهدده أخطاء وحماقات بعض الفاعلين في النظام الإماراتي الذي تسللت الى دوائر صناعة قراره الموساد في لحظة الارتباك الذي دخلته الأمة بعد الربيع العربي وقيام الثورات المضادة التي أضاعت فرصا ذهبية على الأمة حين وصل الاخوان وبطريقة ديمقراطية إلى الحكم في مواقع هام بالنسبة للمشرق الاسلامي عامة ، والسعودية خاصة ، أقصد مصر واليمن وفلسطين ، وكان بالإمكان أن يتشكل الحزام السني الذي يستطيع صناعة التوازن مع إيران المتمددة في العراق وسوريا ولبنان، وتكون سياسة توازن الرعب طريقا نحو تكريس سياسة توازن التعاون، لأن من أراد السلم عليه أن يستعد للحرب، وأن يحسن النظر بعين البصير في صبح أبلج لا بعين الأعشى في ليل مدلهم، فيكون ندمه حينئذ كندم الكعسي الذي حطم قوسه حين توهم الخطأ ، وقطع أصبعه حين جهل واقعه. وينبغي السعودية وغيرها من الفاعلين أن يخرجوا من حالة الندم هاته إلى فرص الاستدراك التي وصفها هذا المقال.

اترك تعليقًا