الرحمة تنمية مستدامة

DAN

قال الله تعالى ” وما ارسلناك الا رحمة للعالمين ” فجاءت الرحمة لتستغرق الرسالة المحمدية كلها وما خرج عن الرحمة فليس من الرسالة ، وهذا تمييز بين الوسطية الراحمة ومناهج العنف والتوحش والتلذذ بتكفير الناس ووصفهم بالشر بدل انقاذهم برسالة الخير
. الرحمة قرين الرسالة وهي شاملة لكل ا لناس سواء من آمن ومن لم يؤمن لان الرحمة واجبة في جق كل شيء حتى الحيوان والجماد ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء
ان الرحمة اساس الاستقرار ، ومنهج التبشير ، وخطة العطاء ، والدافع للابداع ، فالحياة ليست حسابات مادية تضبط بالمسطرة الهندسية بل هي مساحات واسعة لو يتاملها الناس لأبصروا فيها رحمة الله تحدثهم في كل مظهر انه لولا رحمة الله لما ترك عليها من دابة
ان مفاهيم وممارسة الرحمة عندما غابت من منظومة الحياة تحاكم الناس الى اهوائهم ومصالحهم فتعارضت غاياتهم فحل بينهم الصدام وتوارثوا الاحقاد.
ولا بد لجيل المستقبل ان يؤسس من جديد للرحمة منهجا للحياة والحكم على الناس والاشياء فان رسول الله كان رحيما ومن رحمة الله المودعة فيه فاضت شمائل النفس وخصال اصلاح المجتمع فكان اللين واجتماع الامة ، وزالت الغلظة والفضاضة وترسخت قيم العفو والاصلاح والشورى فقال له الله تعالى في القرأن الكريم ” فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فضا غليظ القلب لانفضوا من حولك ” .
كن رحيما تكن على منهج الرسول صلى الله عليه وسلم الذي امر معاذ ان يخفف في الصلاة قائلا ” افتّان انت يا معاذ ” وامر اسامة وخالدا ومن مثلهم الا يفتشوا في قلوب الناس بل يحكموا على الظاهر لانهم دعاة وليسوا قضاة .
ولذلك درج عند اهل العلم قولهم ” انما الفقه الرخصة من فقيه واما التشديد فكل الناس تحسنه ” فعند ارتباط التشدد بالدين والفقه ياخذ صفة القدسية فيظلم المتشددون دين الله الذي جاء بالرحمة ويظلمون عباد الله الذين رفع الله عنهم الحرج ” وما جعل عليكم في الدين من حرج
وكم من متحدث باسم الدين يتقمص في حديثه البطولة ثم لا يرجع الى مساحات التيسير والرحمة اعتقادا منه ان ذلك منافيا لما وضع نفسه فيه من تقديس مالم يقدسه الله ” ورهبانية ابتدعوها ” وقد يكون هذاالتشدد المتجاوز للرحمة في المحراب من امام او من اداري في مؤسسة او من محاسب في بنك او من رياضي في الملعب اومن وزير في حكومة او من سياسي في حزب او من مربية في محضن اوفي غير ذلك مما استرعى الله الناس فيه ، فما رعوا اماناتهم حق الرعاية المطلوبة.
ومن الرحمة اسس سيدنا عمر بن الخطاب منحة كبار السن كالتقاعد الموجود في النظم الحديثة ، واسس المسلمون حضائر للحيوانات التي تمرض او تهرم تاسيا بتوجيه النبي صلى الله عليه وسلم فعن عبد الله بن مسعود قال: كنا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في سفر فانطلق لحاجته، فرأينا حُمَّرة معها فرخان فأخذنا فرخيها فجاءت الحمَّرة فجعلت تفرش، فجاء رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها. ورأى قرية نمل قد حرقناها، فقال: من حرق هذه؟ قلنا: نحن. قال: “إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار”
وكان لعابر السبيل مكانة خاصة في الاسلام وتأسس نظام الزكاة كله على الرحمة لادارة المجتمع والتكفل بالفقراء في ظل العزة والشرف. ومما يروى عن بعض اهل العلم ان اسلام المفكر الفرنسي روجي غارودي انما كان بسبب احسان صنعه اليه بعض المسلمين وهو اسير في عقوبة الخدمة العسكرية الاجبارية ولما سال عن الامر عللوا له ذلك بقول الله تعالى ” ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما واسيرا انما نطعمكم لوجه الله ” فبحث عن هذا الدين الذي يدفع اهله الى الرحمة وانتهى الى الاسلام رحمه الله
والتنظيمات الصالحة هي التي تقوم علاقاتها على الرحة فتخف فيها لغة الامر والنهي والمحاسبات الدقيقة لان الرحمة تدفع الاعضاء الى القيام بواجباتهم على انها حقوق للأخرين وعدم الخوف على حقوقهم لانها واجبات الاخرين يضمنها التراحم وليس القوانين واللوائح والنظم .
والدول الراشدة تقوم على التراحم بين السلط والشعوب قال رسول اله صلى الله عليه وسلم خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ، وتصلون عليهم ويصلون عليكم ، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم ، وتلعنونهم ويلعنونكم كما تتأسس على التر احم بين الاجيال فقد وجدت دول لها صناديق مالية استثمارية للأجيال القدمة رحمة بالمستقبل حتى يتجنبوا قاعدة ” كلما جاءت امة لعنت اختها ” .
ومن التراحم صياغة القوانين الاجتماعية التي تراعي حقوق كل طبقات المجتمع وتعطيهم حقهم في المال العام وتحفظ لهم ذلك بعيدا عن الحسابات الفئوية الضيقة او حسابات العطاء بحسب الولاء فذلك ظلم مخل بالرشد في الشان العام .
ومن رحمة الثورة الجزائرية ان سطرت في بيان اول نوفمبر كلمة ” اقامة دولة ديمقراطية اجتماعية “في اطار المبادئ الاسلامية ” فكلمة اجتماعية مدلولها الاول هو الرحمة. ولكن سطت عليها المفاهيم الشيوعية فحرفتها عن اصلها واخفق التيار الوطني و الاسلامي في حماية مضمونها رغم ان تطبيقاتها خدمت منهج الرحمة في المجتمع الى اليوم ، ولعل السياسة لصحية والعلمية والسكنية في البلاد من الرحمة الاجتماعية التي تجب حمايتها وتثمينها ترشيدها في المستقبل وتنقيتها من الفساد وآثاره .
ان الرحمة منهج عظيم يبدأ برحمة الوالدين لك وانت لا حول لك ولا قوة وتعود برحمتك لهما كما ربياك صغيرا ولانك لا تستطيع رحمتهما فلا اعظم من توجيه القرأن لنا بان نطلب من الله ان يرحمهما فهو الاقدر على مكافأتهما سبحانه القائل ” وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا . وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ”
وقد كان الشيخ محفوظ يشترط رحمه الله في قبول اعضاء الحركة والعاملين معه في حقل الدعوة والسياسة ان يكونوا بارين بوالديهم لان العاق لا بركة فيه .
ثم تكون الرحمة التي تنطلق بين الاصول والفروع في التراحم وصلة الارحام هي النمط العام الذي يسود المجتمع لان الاسرة المتراحمة تنتج الرئيس الراحم والوزير الراحم والاكاديمي الراحم والشرطي الراحم والقاضي الراحم والمرأة الراحمة والمدير الراحم والموظف الراحم ومن شذ عن الخلق العام في المجتمع لم يكن له بين الناس مكانة وبذلك يؤدي المجتمع بنفسه عملية الاصلاح الاجتماعي ويبقي الرحمة خلقا سيدا سائدا تتحاكم اليه العدالة والحريات والتنافس والاستثمار والتعلم وتكون رحمة الارض مسرحا لتنزل رحمة السماء

أحم الدان .

اترك تعليقًا