حقائق من الفقه الأكبر (11)

timthumb

بقلم: أحمد محمود خونا

(الوسطية) منهجية أصيلة، بل هي(نمطية) خاصة بهذه الأمة، وقد أوصى ببعض مفادها سيدنا علي رضي الله عنه فقال (عليكم بالنمط الأوسط الذي يرجع إليه الغالي ويرتفع إليه التالي)، وفي قوله هذا إشارة لطيفة في أن (النمط الأوسط) هو وحده الذي يتيح لنا ارتفاع التالي أي المقصّر وليس فقط رجوع الغالي والمتطرف، وبهذا المعنى يكون بروز (الأنموذج الوسطي) في الأمة من أهم عوامل محاربة التطرف والانحراف على حد سواء، لأن التطرف يمثل حالة يأس وكذلك الانحراف، ولكن الوسطية هي عامل تشجيع وحث وتحريك، ولكنها رغم انسجامها مع الفطرة الإنسانية إلاّ أن التخلّق بها والثبات عليها ليس بالأمر الهين ولا السهل، بل تحتاج إلى فهم عميق وتربية صحيحة متدرجة.

وبالوسطية فقط، تتمكن الأمة من ممارسة دورها في (الشهود الحضاري) مصداقا لقوله تعالى (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس)، لأن الموقع الوسط يؤهل صاحبه دوما لرؤية كل الأطراف وكل الاتجاهات.

والوسطية ليست منهجا في الفكر والعمل فقط، بل هي منهجية معتمدة في كل الظروف حتى أثناء المدافعة؛ فقد سأل ذات يوم الصحابة عليهم الرضوان نبينا صلى الله عليه وسلم عن سرّ سرعة الشيب إلى رأسه الشريف، فكان جوابه ما في سورة هود من توجيهات تطالبه بالوسطية والاستقامة والمدافعة بالحسنى دون ركون إلى الظالمين ودون طغيان أو اعتداء عليهم، قال تعالى (( فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ،  وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ))، وقد تأمل هذا المعنى سيد التابعين الحسن البصري رضي الله عنه، فخلص إلى القول (جعل الله الدِّين بين لاءين: ولا تطغوا ولا تركنوا)، فالوسطية المقصودة إذًا ليست مجرد موقف عاطفي يلوذ صاحبه فيه بالموقع الوسط، بل هي أكبر من ذلك..وللحديث بقية.

يومية الحوار

اترك تعليقًا