الجزائر: نصائح قبل الانهيار

لقد انتهت مراقبتنا لمضامين التصريحات الكثيرة التي أدلت بها مؤخرا بعض الشخصيات السياسية العالمية حول حاضر الجزائر ومستقبلها إلى انخراط هذه التصريحات في زمرة التهديدات الخارجية لاستقرار البلاد أو هي نوع من الاستفزازات الابتزازية المعهودة من طرف الدوائر الغربية ذات المصالح الاستراتيجية في منطقتنا.

ولعل من أقبح تلك التصريحات ما أدلى به الرئيس الفرنسي السابق “ساركوزي” حين كان متواجدا في تونس الشقيقة حيث قال (إن من سوء حظها أنها تقع بين ليبيا والجزائر)، وتناسى “ساركوزي” أن التونسيين يدركون جيدا أن الذي انقذ اقتصادهم الوطني هذا العام إنما هم أبناء الشعب الجزائري الذين حطو رحالهم هذا المصيف بأراضي تونس الخضراء وتجاوز عددهم المليون ونصف المليون سائحا، وجاءوا إلى تونس في الوقت الذي تراجعت فيه السياحة الفرنسية باتجاها ومثلها السياحة الأوربية والعربية، ولولا حسن حظ التونسين من كون الجزائر تقع جارة لهم لانهار اقتصادهم المتعثر ولاختلط حابلهم بنابلهم السياسي.
ومن تلك التصريحات أيضا التصريح الذي أطلقه من ” كينيا ” الرئيس الأمريكي “أوباما” والذي قال فيها (إن الرؤساء في إفريقيا يموتون على الكراسي وهذا غير مقبول)، وهي اشارة أمريكية تتضمن من طرف خفي الرد على تدخلات الرئيس الفرنسي “هولاند” في سياسات الجزائر الداخلية، والدوائر الامريكية لا تصنع هذا لصالح الحريات والديمقراطية بل هي تريد بذلك ابتزاز الاقتصاد الوطني بالضغط على النظام السياسي الجزائري الذي أصبح هشًّا وعرضة لهذه الدوائر تفعل به ما تشاء لضمان مصالحها، فأمريكا هي التي تغذي الاستعمار الصهيوني وهي التي تغذي الطائفية في العراق على حساب الحرية والديمقراطية.
ومنها كذلك تصريح وزير الخارجية الروسي “لافروف” ومن قبله بعض الزعامات العربية بأن (الجزائر مستهدفة بمشروع تدميري يبغي هزّ استقرارها ليعرضها للحالة التي تعيشها بعض دول المنطقة العربية)، وبالرغم من أن روسيا لا تريد ذلك حسب تصريحات مسؤوليها لكنها عاجزة عن نفع حلفائها نفعا مباشرا أمام الضغط الدولي وحالة الإرباك التي أصابت موازين القوة العالمية خلال السنوات الأخيرة.

إن هذه التطورات تجرنا إلى تكرير القول بضرورة التعجيل بالاصلاحات السياسية التي ينتظرها المواطن الجزائري قبل غيره ، ومن خلالها فقط يمكن بعث الأمل وتعبئة الجبهات الداخلية لصناعة “جدار وظني” يعصم البلاد من الانزلاق نحو المجهول ، وخاصة بعد التوترات الأخيرة التي لعبت دول عدة أدوارا مباشرة أو غير مباشرة فيه إشعال فتائلها، وخاصة من بعض جيراننا الذين لا يفوتون الفرص الممكنة والمتاحة لإرباك “الاستقرار الوطني النسبي” ، مرة بالمخدرات، ومرة بالسلاح ، وأخيرا بالتحريض على الفتن الطائفية في البلاد، وفي هذا الصدد نقرأ من غير أخطاء انعقاد المؤتمر الامازيغي العالمي في دولة من دول الجوار الجزائري، وتنصيب امرأة جزائرية على رأس الكونغرس الامازيغي لتقود عملية الدفع نحو رفع مستوى المطالبة بالانفصال.
إن الوضع في البلاد مؤهل أكثر من أي وقت مضى للانزلاق السريع اذا لم تستطع الجزائر تعبئة طاقاتها الاساسية في اتجاه حماية الدولة وتحييد قضاياها الاستراتيجية ومصالح العليا عن دائرة الصراعات السياسية على السلطة، لأن حالة تلبُّس الدولة في “شخص” أو “مؤسسة” أو “حزب” سوف تعيق حتما القوى الوطنية الأخرى من فرصة المساهمة في “إنقاذ الجمهورية” وبسط النفع العام في البلاد، وخاصة منها قوى المجتمع المدني والطبقة السياسية.
إن التغييرات الأخيرة في أعلى هرم السلطة عبرت عن حالة من الهروب إلى الامام وهي تنبئ أن النظام السياسي قد أتمّ مرحلته الانتقالية التي تكون قد بدأت قبل الرئاسيات الأخيرة وأدارها النظام بشكل مخالف تماما لما كانت ترجوه وتتحدث عنه الطبقة السياسية ، وقد بناها على ثلاثيته حادة؛

ضلعها الأول تمثله سياسة الاستمرار في شراء السلم الاجتماعي رغم انهيار أسعار البترول، ولعل الاجراءات المالية الأخيرة هي ضرب متقدم في شراء السلم الاجتماعي عبر صفقة كبرى مع أرباب المال سمحت لهم بإدخال المخزون المالي الموازي الى البنوك.

وضلعها الثانية تمثله سياسة التحكم في التسيير المحلي عبر بقايا إطارات “حزب الادارة ” الذي تعزز بعشرات التعيينات في القطاعات الحساسة وإدخال دم جديد من تيار الموالاة بدل الكفاءات والذين سيبدؤن عهدتهم الجديدة بإثبات كفأتهم في خدمة الدولة من زاوية الوفاء لمن عينهم، ولتطبيق البرامج الضامنة لمنهجية الاستمرار.
وضلعها الثالثة تمثله سياسة الدعم الخارجي الذي افتتحه الرئيس الفرنسي “هولاند” وتساعد فيه الزيارات المتكرر لرؤساء افريقيا الى البلاد.

إن هذا المسار يتدعم بخطاب الأخطار الخارجية على البلاد والتي هي أخطار حقيقية على المستقبل ولكن التعبئة العسكرية لمواجهتها لا تكفي وحدها بل لابد من فتح “حوار وطني” ويعمل على حماية البلاد من تهديداتها المستمرة، ويسرع في تحقيق الاصلاح الديمقراطي الحقيقي والمشترك بين كل المكونات الوطنية.

إن إعادة هيكلة المنطقة العربية وانجرار العديد من الدول الى حرب أهلية واستيقاظ خلايا الإرهاب النائمة أو المنومة، وانتعاش تجارة السلاح والهجرة غير الشرعية ،والقلق المستمر في الشارع والحراك السياسي للطبقة السياسية منفردة أو مجتمعة ، والضغوطات لخارجية ،والانهيار الكبير لأسعار النفط سيفرض علينا اليوم أوغدا هذه الإصلاحات، وقد تداهمنا المستجدات إلى تغييرات وانهيارات سريعة لا يستطيع واحد منا تسيير ما تخلفه من أزمات وهو ما يفرض علينا من الآن العمل المشترك، وتسريع الاصلاح الديمقراطي، والتخندق مع الثوابت الوطنية وحمايتها من التلاعبات التي لن تحرق أصابع من يشعل عود الثقاب وحده بل ستمتد الحرائق إلى كل شيء لا قدر الله.

بقلم الأستاذ أحمد الدان – الأمين العام لحركة البناء الوطني

اترك تعليقًا