الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. السادة الحضور تحية مباركة فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ونرحب بكم جميعا مع حفظ المقامات والالقاب ايها السادة اسمحولي في البداية ان ازف التحية الى اولئك العظماء؛ الدين بفضلهم نحن اليوم ننعم بالحرية والكرامة، والعزة والاستقرار. وبفضلهم لا تزال الجزائر ارض الاسلام، وقبلة الاحرار، ومفخرة ابنائها. وكم هو عزيز على نفوسنا، ان يرث جيل ابراهيمي، لاعب كرة القدم، مبادئ الابراهيمي علاَّمة الامة في الوفاء لفلسطين. فقد قال الابراهيمي الاول لفلسطين لإن أخذك منا اليهود ونحن عصبة انا اذا لخاسرون ، وقال الابراهيمي الاخير: ان ابناء الجزائر يتمنون اللعب على ارض فلسطين المحررة. ومن هذا المقام نرفع التحية الى البشير الابراهيمي الشيخ، و نرفع لومنا الى يسين الابراهيمي الشاب عندما قبل باللعب ضد فريق اسرائيلي لان هذا شكل من اشكال التطبيع. عندما تلتقي حكمة الشيوخ مع حماسة الشباب فنحن مع فلسطين المظلومة شيبا وشبابا، جيلا بعد جيل، نورث ابناءنا عشق فلسطين، قبل ان نورثهم العقارات والطين. قال تعالى: ” وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ” سورة الانبياء الآية 105 ايها السادة اننا نعتز بنوفمبر اشد الاعتزاز واذ نحتفل به؛ فنحن نتذكر سنين ثورة وطن، احتضنته امة من اجل حريته
• وهي السنين التي كان الشعب كله على قلب رجل واحد بعد تفرقه
• وهي السنين التي تقاسم فيها الشعب والجيش لقمة الطعام
• وهي السنين التي احتضن الشعب فيها جيشه
• وهي السنين التي كان الجهاد فيها تحت راية الله اكبر
• وهي السنوات التي لم يسرق فيها درهم ولا دينار
• وهي السنين التي نشطت فيها الدبلوماسية الثورية الجزائرية، بعيدا عن المنافع الزائلة
• وهي السنوات التي كانت فيها المرأة جنب الرجل، تقاسمه السلاح والمحنة وتحفظه في الغيب
• وهي السنين التي تجندت فيها المنظمات الطلابية من الدراسة الى الجبال الشامخات
• وهي السنوات التي احتضنت ثورتنا فيها كل العواصم الحرة، وعلى راسها دول الجوار المحيطة بجغرافية الجزائر وهي السنوات التي ذابت فيها العصبيات في الوطن، فبوخروبة الشاوي، اصبح اسمه الهواري، وعبد القادر التلمساني اصبح اسمه المالي، وقس على ذلك ابطال الجزائر الذين امتزجت دماؤهم، وهم يصنعون ملحمة الوطن، من بن مهيدي الى عبان الى بن بولعيد الى كل الشهداء رحمة الله عليهم جميعا. ايها السادة الكرام اننا نجتمع اليوم من اطياف مختلفة، ومن اجيال مختلفة، في ذكرى رجال اطهار، سمْتهم الاكبر هو القدرة على الاجتماع مع الاخرين، والايمان بحق الاختلاف، وشعارهم ان الله العظيم حاور الشيطان الرجيم، فكيف بالانسان يضيق بالمخالف، وينأى عن الحوار بينه وبين اخيه الانسان، لمجرد خلاف في المعتقد او الفكر، او الموقف او الاسلوب ومن هنا نجدد الدعوة الى الجميع
• ان الوطن ينادي جميع ابنائه فلابد من تضافر كل الجهود، وتنازل الجميع من اجل جزائر الشهداء وفاء لتضحياتهم الغالية فان كان المجاهدون قد مددوا في عمر الثورة لرفضهم فصل الصحراء عن الشمال، فكيف يرضى خلفهم بضياع وحدة الوطن.
• وان الامة لابد لها من تضافر كل الجهود، اذا ارادت ان تخرج صلاح الدين من جديد لان الجزائر حررها الجميع ويبنيها الجميع ، ولان صلاح الدين الكردي انما خرج من وسط العرب، وضمن تفاعل شيعي سني، ليحمل راية الاسلام من اجل تحرير الاقصى، ومساجد القدس، وكنائس القدس، من البغي الصليبي ليس الى الدكتاتوريات العربية اوالى سوق النخاسة في اوسلوا، وانما ليؤسس لمنهج المقاومة في الامة كلها، ولتكون القدس بوصلة الحرية و الوحدة الشاملة للامة كما تعلن انتفاضتها المباركة اليوم التي صححت تجاه البوصلة الى ارض الاسراء و المعراج أيها السادة الأفاضل لقد دأبنا في حركة البناء الوطني على سنة التواصل في مؤتمر الشيخين، و الذي نعتبره ساحة مهمة من ساحات التلاقي و التعارف والتقارب والتعاون بين الأشقاء، الذين تجمعهم الأمال المشتركة، وتجمعهم الألام المشتركة، عبر فضاء امتنا الروحي والجغرافي , من اجل التشاور والتحاور في ظلال الحرية والمحبة والثقة. لعلنا نزيل بعضا من أسباب ضعفنا، الذي تحولت معه الأمة الاسلامية الى هامش الأحداث، والى حقل التجارب يصح فيه قول الشاعر “ويقضى الأمر حين تغيب تيم ولا يستأذنون وهم شهود”, مما خلف جراحات نازفة، وشرايين راعفة، في كل ربوع أمتنا الاسلامية، من غرب افريقيا الى أقصى شرق آسيا، وبينها المآسي الكبرى في فلسطين والعراق، وأفغانستان والصومال، وسوريا واليمن، وليبيا ومالي، والله المستعان و المنجي من الفتن أيها السادة ان الألم الشديد؛ لا ينسينا الأمل المنشود فان أمتنا تمتلك عوامل النهوض و تمتلك أدوات القوة ولها وامكانية التقدم والرقي والازدهار، ولكن بين الأمل والألم لابد من منظومة عمل، واضحة الأسس، بارزة المعالم تقوم على:
1. اعتزاز الأمة بثوابتها، لأن الأمة الاسلامية تملك في اسلامها وعروبتها، مقومات وحدوية كبرى، ومالم تجمعه العروبة في مغرب الأمة، جمعه الاسلام، ومالم يجمعه الاسلام في مشرقها، جمعته العروبة
. 2. الابتعاد عن التطرف و التعصب والنظرة الضيقة فدعاة الاسلام ليسوا بوابين على الجنة، وانما هداة اليها، ودعاة العروبة ليسوا حراسا لها، بل مبشرين بقيمها الجميلة، وبذلك نتجاوز العصبيات النتنة الى رحابة مانجتمع عليه من قيم وأفكار، وتجارب وطموحات، فالخليج ليس خليجا فارسيا و لا خليجا عربيا و انما هو خليج اسلامي منذ اربعة عشر قرنا
. 3. تجاوز تحديات المرحلة، فأعداء الأمة من جهة، وجهالها من جهة أخرى، قد تكفلوا بضرب هذه الثوابت، مما يفرض على قادة الفكر والسياسة، ورواد العلم والثقافة، أن يكونوا أصدق من يحمل راية التقدم والتغيير في هذه الأمة
. 4. الخروج من المعارك الوهمية، فان بلداننا مشتركة أو متفرقة لا تزال تتخبط في معارك وهمية، تعيق حركتها نحو المستقبل، و تسمح لخصومها بأن يصنعوا من تلك الاوهام أزمات؛ لا يمكن أن تعالج الا بعد عقود تتآكل فيها جهود وموارد، كان بالإمكان أن تصرف في خدمة التنمية،و خدمة للشعوب ودعم القدرة الشرائية للمواطن، الذي يدفع ضريبة السفه السياسي البعيد كل البعد عن الاخلاق.
ترسيخ قيم المشاركة الجماعية لكفاءات الدول والمنظمات، وتقديم أفضل ما حازته تجارب الأفراد والجماعات والدول، فالمشاركة مازالت في بلداننا متخلفة وضعيفة لشعور المواطن؛ بأنه لايزال رقما مهمشا في منظومة الحكم، وشؤون السياسة، وتصريف الثروة ، فالمشاركة هي الثقافة الديمقراطية التي تسبق الفعل الديمقراطي
. 5. التحاكم الى الديمقراطية بدل التحايل عليها، لأن الديمقراطية هي مكسب جاءت به نضالات سنوات طويلة، وتضحيات جسيمة، والظروف الداخلية والخارجية اليوم أفضل ماتكون للعودة الى الديمقراطية والاحتكام الى الشعوب، فالانقلابات والاكراهات لها نماذج سيئة في مصر والعراق، و القائمة مفتوحة
. 6. توسيع دوائر النفع العام، فالأزمات المختلفة يعود تأثيرها المباشر على المواطن البسيط، ثم على مفاصل المجتمع، مما يزيد الغبن الاجتماعي، وبالتالي يمنع العطاء السياسي، ويفقد جسم الأمة المناعة، ويصيب هيكلها العظمي بهشاشة العظام، فمن لم يسد جوع اطفاله لا فرصة له في الاهتمام بقضايا الامة ومستقبلها، فقد ولى ذلك العهد الذي كان المواطن يجري في كل اتجاه، من اجل توفير حاجيات العائلة بين اسواق الفلاح، و الفلاح منها بريئ. ايها السادة إن واحدة من أولى أولويات المرحلة، هي الحرص على مقاومة ثقافة الخوف والوهن، التي تتمدد في الامة رعبا من داعش صنيعة امريكا، او من الطائفية او من الانظمة الدكتاتورية البوليسية، او من المستقبل الغامض، او من الحروب الاهلية او..او ولعل السبب في كل ذلك
• غياب خطط التضامن والتفاهم والتكافل
• انتشار ظاهرة الفساد المالي والأخلاقي، التي عندما تكتشف خيوطها سرعان ما تتبخر
• غياب الرقابة وضمور الوازع الذاتي
• غياب الرشادة في المؤسسات الرسمية والمجتمعية
• الاستقالة الجماعية للشعوب من الفعل السياسي بعد الانكسار و فقدان الثقة
• المؤامرة الدولية الشديدة على الامة، الجاثمة على صدرها لمنعها من التنفس
• ظهور الوهن والذي هو حب الحياة والخوف من الموت والتضحية أيها السادة إنا لانرتاح وجزء منا يتألم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” فكيف بالله عليكم والجسم كله جراح…..والاطفال في صياح…..والثكالى في نواح……والملوك يديرون بينهم الراح و الاقداح….وفسادهم فاح من ظلم وسفاح…..حتى كلابهم لا تستطيع امام صهيون النباح….فيا اسفنا على امة ذهبت عزتها ادراج الرياح…..وتعفن جرحها في فلسطين و دمها ساح؛ التي هي أمانة محمد صلى الله عليه وسلم ووديعة عمر رضي الله عنه ووصية نحناح رحمه الله الذي قال يوما “الامة تحتاج الى طائفة من اهل الايمان، يتصدون لتذليل الصعاب، و التغلب على التحديات، و لا ترضى للمسلم ان يسقط في الطريق، فلابد ان نعمل على إيقاظه، و ان نحمله على السير مرة اخرى، و توجيها و ارشادا و وعظا و تذكيرا”
كلمة الشيخ مصطفى بلمهدي رئيس حركة البناء الوطني
